ترجمة : د. منذر عياشي
جان ايف تادييه |
يركز نقد الوعي علي الذات التي تكتب ، غير أن
الثورة التي أحدثها غاستون باشلار(1884-1962) قد أدخلت خيال المادة بوصفه موضوعاً
رئيسا للدراسة . فلقد جدد غاستون باشلار في تسعة من كتبه النقد الفرنسي (لم تحظ
كتبه بالنجاح في البلاد الأنكلو ساكسونية)، وقلب مناهجه ، هذه الكتب هي :
"النار في التحليل النفسي"(1938) ، "لوتريامون" (1939) ،
"الماء والأحلام" (1943) ، "الهواء والأحلام" (1943) ،
"الأرض وأحلام يقظة الراحة" " الأرض وأحلام يقظة الإرادة"
(1948) ، "شعرية المكان" (1957) ، "شعرية أحلام اليقظة"
(1960) ، "لهيب شمعة" (1961) ، ولقد كانت المناهج المستقاة من باشلار
حتي عام (1970)، وهي السنة التي انتصرت اللسانيات فيها ، هي المناهج الوحيدة
تقريباً التي تلهم ما يمكن أن نسميه "النقد الجديد" ، غير أن باشلار
نفسه كان قليل الإهتمام بتأسيس مدرسة ، ذلك لأنه كان أولاً إبيستمولوجياً
وفيلسوفاً من فلاسفة العلوم ، ثم جاء متأخراً إلي التعليق علي الشعر : لقد كان
حالماً متوحداً ، علي الرغم من أنه أستاذ كبير وكاتب عظيم.
لم يكن لباشلار منهج واحد ، ولكن له عدة
مناهج (انظر ميشيل مانستوي : "غاستون باشلار والعناصر" 1967. وكذلك
فانسان تيريان : " ثورة غاستون باشلار في النقد الأدبي" 1970).
ولقد تمت إقامة هذه المناهج وتصحيحها في هذه
الوحدة : وإنه لمن الضروري إذن ، حين تتبع مباديء الفيلسوف وتطبيقاتها أن لا تشوه
وأن لا يتم خلطها . وثمة عقبة أخري تأتي من الاستعمال السمعي لمصطلحات مثل
"التحليل النفسي" ، "الظاهراتية" ، "الشعرية" ،
استعمالاً جديد المعني. إذ كل شيء يبدأ عام (1938) مع "النار في التحليل
النفسي" (النار بوصفها كتاب المؤلف الأول والأخير) ، وهي عنصر ينفلت من العلم
، ولكنه لا ينفلت من أحلام اليقظة . وإن هذا الكتاب ليسم إذن جيداً العبور من
المعرفة العلمية إلي المعرفة الشعرية : "إن المقصود في الواقع هو العثور علي
فعل القيم غير الواعية في قاعدة المعرفة التجريبية والعلمية نفسها" ، ومن هنا
، يجب تحديد كلمة "غير واعي" : "إنها تعني طبقة نفسية أقل عمقاُ ،
وأكثر عقلاً (إذن تعني ما قبل الوعي) . وكذلك الحال بالنسبة إلي الأحلام ، فأحلام
اليقظة تحل محلها ، " وإنها لتختلف اختلافاً كبيرا عنها ، وهي بهذا تتمحور
دائماً حول موضوع ما " ولذا ، فهي تعين "مركبات" لأن العمل الشعري
يتلقي فيها "وحدته" . ولكن هذه المركبات تحمل أسماء جديدة (بروميتية،
أمبيروكل، نوفاليس، هوفمان) ، وهي أسماء قريبة من يونغ (الذي يقترح باشلار أن
يتممه) أكثر من قربها من فرويد : فالجنس يؤدي فيها دوراً محدوداً . وإنه لمن أجل
هذا كان المنهج الأول هو منهج "التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية"
وللاتجاهات النفسية التي تثيرها الصور البدئية . وإن الكتاب ليعبر كلما تقدم من
واحد إلي آخر ، ويستعير أمثلته بمعدل أقل من الكتب العلمية ومعدل أكبر من النصوص الأدبية : " فكحول
هوفان هي الكحول التي تلتهب ، وإنها لموسومة بعلامة نوعية ، وذكورية نارية ، بينما
كحول ألان بوي ، فهي الكحول التي تغرق ، وتعطي النسيان والموت . وإنها لموسومة
بعلامة نوعية ، وأنوثية مائية ". وإذن ، يكتشف باشلار أن الذهن الشعري
"يخضع كلية إلي فتنة صورة مفصلة" (ص 128) . غير أنه لا يتخلي عن العقل
العلمي : " فالحكواتيون ، والأطباء ، والفيزيائيون ، والروائيون، وكل
الحالمين ، ينطلقون من الصور نفسها ويذهبون إلي الأفكار نفسها" . ولكنه يريد
أن يبتعد عن " التحليل النفسي الكلاسيكي " ، ذلك لأن الكبت بالنسبة إليه
نشاط ليس طبيعياً فقط ، ولكنه "مبهج" أيضاً ، فالتحليل النفسي للمعرفة
الموضوعية يسمح بمعرفة الخطأ في الحبور :" وحينئذ تلد المتعة الروحية الصافية
". وإننا لنصل هنا إلي "المعرفة الموضوعية للذاتي"، وإلي اكتشاف
"الجدل المتسامي" الذي يلد من "الكبت المنظم" وهكذا فإن
الكتاب الأول " ليعد العدة من أجل نقد أدبي موضوعي" يشكل نسقاً
و"نحواً" يقدم كل شاعر تركيباً من الصور نستطيع أن نكتشفه "بعد
حين" وإن هذا الأمر ليكون في رسم " مخطط بياني " ، والعثور مجدداً
علي منطق ، ولكنه لن يكون في سطحية الرسم ، ذلك لأنه ثمة جدل لحلم اليقظة ، وإنه
ليكون في المكان نفسه الذي " ينقسم فيه الاندفاع الأصلي " : "
ويستطيع الكائن المحب أن يكون صافياً حينئذ ، كما يستطيع أن يكون محتدماً ،
ومفرداً ، وكونياً ، ومأساوياً ، ووفياً ، وأنياً ، ودائماً" . وهذا يعني أنه
"النفسية المبدعة".
وقد كرس باشلار
في السنة التالية دراسة عن لوتريامون الذي اكتشفه
السورياليون . وبهذا يكون قد صنع دخوله الحقيقي إلي النقد الأدبي وسجل الافتتاح
هدفه المضاعف : تجلي ذلك في تحديد " القوة المخفية للعلاقات الزمانية ".
وفي استخراج " التركيب في الحياة الحيوانية " و"الطاقة العدونية
" إن " أغاني مالدورو " تمثل
عدواناً خالصاً . فالكتاب يريد أن يكون " تحليلا نفسياً للحياة ". ولذا
، فقد كان المنهج يقضي بجمع إشارات الاعتداء التي هي : الحيوانات ، والمنمسخات
الحركية (والتي تتعارض مع تلك التي صنعها كافكا
مصابة بإغماء تخشبي) . ومن هنا ، كانت إرادة القوة عند لوتريامون
. ويقترح باشلار سبر "التعقيدات الثقافية " (فوق الطبقة البدائية التي سبرها
التحليل النفسي الفرويدي)،ومن ذلك مثلاً حياة ديكاس المدرسية والتي تتركزنفسياً
" ضد الطفل والربوبية " . وعندما يلامس باشلار قضية السيرة الذاتية فإنه
يرفض الاتهام بالجنون ، وذلك لكي " يحي الثقة الكلامية للعمل ، والتماسك
الرنان " ولكي يدل علي التحرير الذي أدته الكتابة " فما أن يستطيع ذهن
أن ينوع ملفوظه حتي يصبح له سيراً […..]،
ولقد استطاع لوتريامون أن يهيمن علي
استيهاماته " ؟ ألا وإن عمل لوتريامون لغريب ، ولكن ليس حياته ، فقضايا علم
النفس يجب أن تطرح من خلال العمل ،الذي هو سلبي إزاء الحياة ، ويعيش قطيعة معها .
وإن منهج باشلار ليقوم إذن علي العثور علي القوة النفسية في اللغة . فإذا كانت
الكلمة مركزة علي " اللحظة العدوانية " فإن الجملة يجب أن تصبح ترسيمة
لدوافع متلونة " ، وبهذا يكون الفعل في الحاضر بدلاً من أن يتأثر بتاريخ
اللغة ويعيد قول ، كما هي حال ليكونت دي ليسل ، صدي ضعيف في الأغلب ، أو يعيد
أصوات بطولات ماض موهوم دائما. فلقد كشفت لغة العمل " تركيب لوتريامون "
. وإن هذا الأخير الذي حرر الشعر من الوصف ، ليعيدنا إلي الحرية ، ولذا ، فإن
باشلار قرأ " مالدورور" كما يقرأ قصيدة عدوانية ، وذلك حين وصل موضوعات
، ورموزاً ، وكلمات مفتاحية . غير أنه لا يكتفي بهذا المعني ، لأنه اي قراءة
بالنسبة إليه يجب أن تغير القارىء : إنه لمن الواجب تجاوز لوتريامون ، وتحويل
" قوته التوسعية " إلي " مشروع يفتح الخيال فعلاً .
كرس باشلار أيضاً أربعة كتب عن خيال المادة .
فلقد وجد العناصر الأربعة التي كان الفكر القديم يضعها " في أساس كل شيء
" تماماً كما لو أن غيبة وعي تاريخي توجد في الماضي ، وأما المجلدان الأكثر كمالاً
في هذه السلسلة ، منهما اللذان يبحثان في الأرض . وإن الإجراء ليقرأ هنا قراءة
أفضل . أولاً ، ثمة قراءة عامودية : " فنحن لسنا سوي قارىء ، قروء ، وإننا
لنمضي ساعات ، وأياماً نقرأ كتبا قراءة
بطيئة وسطراً سطراً . ونقاوم قدر المستطاع جذب الحكايات (أي نقاوم الجزء الوعي
بوضوح من الكتب)، وذلك لكي نكون متأكدين من إقامتنا في الصور الجديدة ، وفي الصور
التي تجدد النماذج المثالية غير الواعية" . فالصورة الأدبية تجدد الصورة
الأساسية ، وإنها لتتنوع تنوع الموضوع الذي يعطيه النموذج المثالي . ولكن هذا
التماس الذي يقيمه الناقد يكشف من غير رحمة عن الرواسم ، وعن الصور المزورة ، وعن
القيم الصحيحة : " إن شعر المحراث النمطي ليغطي كثيراً من القيم . وإن هذا
ليدعو إلي ضرورة وجود تحليل نفسي لكي يتخلص الأدب من هؤلاء الحراثين المزورين
" . ويجب أن نفهم ، من جهة أخري ، أن الصورة بالنسبة إلي باشلار ، ليست صورة
بلاغية ، ولا جزئية نصية ، إنها موضوع لما هو كلي ، وإنها لتدعو الانطباعات الأكثر
تنوعاً إلي الاتفاق ، تلك الانطباعات التي تأتي من معاني عديدة ، وإنها أيضاً ليست
تركيباً " بين مقاطع لواقع ملاحظ ، ولا بين ذكريات لواقع معاش " كما هي
الحال في الثقافة والنقد الواقعيين ، فالفنان الباشلاري ليس هو ذلك الإنسان الذي
لاحظ جيداً ، ولكنه ذلك الذي حلم جيداً ، فالصورة ضمن النص إنما هي أثر من أثار
الوظيفة غير الواقعية . وإنها لتسبق الملاحظة لأنها سمو نموذج مثالي وليست
"إنتاجاً للواقع" ، وفي اللحظة التي كان باشلار يكتب فيها " الأرض
وأحلام يقظة الإرادة " ، كان يقترب من يونج ، ولكن قوله كان مختلفاً ، إنهم
كثر أولئك المؤلفين (بتيجان ، كايوا ، روبنل ، ديزواي) الذين غير وجهتهم ، ونقلهم
من أماكنهم ، وجعل التعرف عليهم غير ميسور ، خاصة وأنه كان يستشهد بهم بأمانة ،
وسذاجة ، وذلك لكي يجعلهم يؤدون واجباً جديداً .
وثمة خطأ أخر يجب ألا يرتكب ، وهو الإعتقاد
بأن باشلار كان مهووسا بالمضامين وغير مهتم باللغة ، فكما أبان لوتريامون (
انطلاقاً من أربعمئة كلمة حيوانية) ، فإن الصورة الأدبية " تقول ما لا يمكن
تخيله مرتين " . إنها تبدع لغة ضمن حركة فعالة تعبر عن الطاقة النفسية ، ولقد
كان العصر يفرض هذا البحث عن الصورة ، وإذا كان يجب دراستها في الأدب ـ لأن
العناصر الباشلارية لا توجد في الحياة ، ولكن في الكتب ، فلأنها تعود إلي أصل
اللغة والخيال ، وتترجم الفضاء الشعوري المكثف داخل الأشياء " . فالمادة
القاسية ، والمادة اللينة ، والمادة المتخلفة ، كلها أيضاً مضامين للصور ولكنها
مضامين للحركة كذلك ، إنها موضوع السقوط ، أو النضال ضد الجاذبية ، وضد التوترات
الجدلية ، إنها مادة مضطربة تحت سطح هاديء ، فعندما يمر باشلار علي صور الملجأ (البيت
، البطن ، الكهف) ، فإنه لا يكتفي " بالعودة إلي الأم " إنه يقلب
الإجراء ، فبدل أن يصعد إلي المنابع النفسية العميقة و غير الواعية ، فإنه يفضل أن
يصعد " تطوره من خلال صور متعددة " .
يجب أن نشير إذن إلي الاختلاف مع التحليل
النفسي ، فالرمز في التحليل النفسي عبارة عن " متصور جنسي " ، بينما
" الصورة فشيء اخر . فللصورة وظيفة أكثر فعالية . ولها معني في الحياة غير
الواعية وإنها لتشير من غير ريب إلي غرائز عميقة ، ولكنها أيضاً تعيش من حاجة إيجابية
للتحليل . وإنها لتستطيع جدلياً أن تكون أداة للإخفاء وللظهور ، ولكن يجب أن يكون
الإظهار كثيراً لكي نخفي قليلا . ولذا علينا أن ندرس الخيال من جانب هذا الإظهار
الهائل " . وإننا ، هنا ، لنلتقي القاريء الذي يؤثر النص فيه " ففي
اللحظة التي تطلق فيها حرية التعبير في الكاتب قوي معقدة ، فإنها تميل إلي تثبيت
صور داخلية عند القاريء مثبتة في الكلمات " ، إذ بها يسقط الكاتب نفسه
والقاريء معه في الأشياء . ولكن اللاوعي ، وطفولة الكاتب ، وعقدة أوديب لم تعد تهم
باشلار ، فقد كان قريباً من مارلو أكثر من قربه من فرويد أو حتي من يونغ .
وعندما ظهر بعد ذلك بتسع سنوات كتاب
"شعرية المكان" ، ظننا أن باشلار يقترح منهجاً ثانياً ، لقد حلت ظاهرية
الصور محل تحليل العناصر ، ولكن القطيعة كانت أقل كبراً مما بدت ، فلقد انتهت ،
بالإضافة إلي "شعرية أحلام اليقظة" (1960 ، إلي استعادة جديدة "
الأرض وأحلام يقظة الإرادة" ، إذ ربما كان المقصود هو وضع الحق في علاقة مع
الوقائع ، ووضع المباديء في علاقة مع الممارسة ، وقد كان باشلار يعني بظاهرية
الخيال "دراسة ظاهرة الخيال الشعري ، وذلك عندما تنبثق الصورة في الوعي
بوصفها انتاجاً مباشراً للقلب ، وللروح ، وللكائن ، وللإنسان كما هو مستجوذ في
راهنه " . فليس ثمة ماض للصورة ، ولكن ثمة مستقبل لهاً ، إذن ، ليس ثمة سببية
مع " نموذج مثالي يهيمن علي عمق الوعي " ، وليس ثمة تفسير لوجود "
الزهرة بسبب السماد " . وهو إذ يعاود تناول متصور السمو الذي يعالجه منذ
كتابه " النار في التحليل النفسي " ، فإن الناقد يري فيه البرهان بأن
الشعر " ينوف علي علم نفس الروح الحزينة أرضاً " . فالظاهرية لا تصف
بشكل تجريبي الظواهر الشعرية ، وإن هذا الأمر ليفترض وجود قاريء سلبي ، فهي تعيش
"القصدية الشعرية " . ويجد هذا المستقبل للقصد نفسه مقروءاً في
"الرنان" . فهو يشكل الاختلاف الرئيس مع المؤلفات الموضوعة عن خيال
المادة . ففعل الخيال في "أرواح أخري" لا يمكن أن يفسره وصف موضوعي ،
فالظاهرية وحدها ـ أي النظر في انطلاق
الروح ضمن وعي فردي ـ تستطيع أن تساعدنا في إعادة تشكيل ذاتية الصور ، وقياس السعة
، والقوة ، ومعني التحول الذاتي للصورة ". فالصورة توحد بين "ذاتية
مجردة ولكنها زائلة " وبين واقع غير مكتمل تماماً في بعض المرات ، وذلك بشكل
تكون فيه قبل الفكر " أصلاً للغة ".
لا تحلل إن الظاهرية الباشلارية شيئاً ،
ولكنها تحلل الرنين ، كما أنها لا تحلل التكرار ، ولكنها تحلل ظاهرة فريدة ، لا
يعدها اي شيء ، إلا إنها مع ذلك ، تدع جانباً " تأليف القصيدة بوصفها تجمعاً
من الصور المتعددة " ، وذلك لكي لا تهدم صفاء الملاحظة البدائية ببرنامج واسع
جداً . ويقترب القاريء ، بهذا الشرط ، من فرح الكتابة ، كما لو كان كان " شبح
الكاتب " وحريته . وليس لنا إذن أن نبرر الصورة أولا بمجموع القصيدة (أو
العمل) ، ولا بالواقع المحسوس ، ولكن بالبقاء في " فضاء لغوي " شكلته ،
وحددته الصورة ، أو الجملة ، أو البيت الشعري الذي يتضمنه " . أما ما يخص
اشتراك الصور ، فتلك "مهمة ثانوية" . وإن هذا ليعني إذن أن النقد الباشلاري
يحدد الوحدة الصغري للشعر (أي للأدب ، وذلك لأن النصوص النثرية غير مستبعدة "
بوصفها موضوعاً واحداً لدراسته . وهذا ما كان السورياليون يضعونه في المقام الأول
" الصورة المخفية " كما يقول بريتون . ولقد كان الإمساك بهذه الوحدة يتم
في انبثاقها في العلاقة الواحدة التي تقيمها مع الذات المبدعة لها : بأنها
"أصل مطلق" يجب علي أن يشترك فيه ، وذلك بكتابته حلم يقظة الفنان ،
وهكذا يعلق باشلار علي فونتين ( "السماء كائنة فوق السطح " ) ، "
في السجن ! من ذا الذي لا يكون في سجن الساعات المأساوية ؟ . فأنا في غرفتي
الباريزية ، بعيداً عن بلدي الأم ، أقود حلم اليقظة ، لفيرليني ، وسماء الماضي
تنتشر فوق مدينة الحجر ، وتغني في ذاكرتي للمقاطع الموسيقية التي كتبتها
رينالدوهاهن علي قصائد فيرلين ، وكثافة من الانفعالات ، وأحلام اليقظة ، والذكريات
تنمو من أجلي فوق هذه القصيدة ، وأقول فوق ـ وليس تحت ، ولا في حياة لم أعيشها ـ
وليس في حياة سيئة عاشها الشاعر البائس . ولكن العمل في نفسه ومن أجل نفسه ، ألم
يهيمن . علي الحياة ، ألم يكن العمل مفخرة
بالنسبة إلي ذلك الذي عاش حياة سيئة ؟ إن النقد الباشلاري يعيد إذن تشكيل اكتشاف
العالم ، العالم الذي تريد روح الفنان أن تعيش فيه ، انطلاقاً من الصورة .
ـــــــــــــــــــــــ
(المرجع) النقد الأدبي في القرن العشرين ،
تأليف جان ايف تادييه ، ترجمة منذر عياشي ، منشورات مركز الأنماء الحضاري ، الطبعة
الأولي 1994 ، ص 49 : 56 .
جان ايف تادييه (Jean-Yves Tadié) ، واحد من ألمع النقاد في فرنسا ، ولد عام 1936 ، درس في المدرسة
العليا ، وهو حامل لدكتوراه الدولة في الأدب ، ويعمل حالياً في جامعة السوربون
الجديدة ، ومن كتبه : مدخل إلي الحياة
الأدبية في القرن التاسع عشر (1970) ، بروست والرواية (1978) ، القصة الشعرية
(1978) ، الرواية والمغامرات (1982) ، النقد الأدبي في القرن العشرين (1987) ،
الرواية في القرن العشرين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق