الثلاثاء، 14 أغسطس 2018


 حوار مع محمد أركون: الإسلام، العنف، تأويل النص، مدينة القدس  *…
ترجمة: سعيد بوخليط

تقديم : ينحدر البروفيسور محمد أركون من الجزائر، ولد سنة 1928في بلدة تاوريرت ميمون بمنطقة القبائل،حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة،وأستاذ محنّك للفكر الإسلامي بمدرجات جامعة السوربون الجديدة(باريس 3) . لقد طور تخصصا سماه ب :الإسلامولوجيا التطبيقية،درَّسه في جامعات أوروبية عديدة ثم الولايات المتحدة الأمريكية(برينستون، فيلادلفيا).أصدر مؤلفات كثيرة من بينها :قراءات في القرآن(1982)،نقد للعقل الإسلامي(1984)،الإسلام الأخلاق والسياسية(1986)…. 
س- البروفيسور محمد أركون،هل يشكل العنف جوهر الإسلام؟
ج-يعتبر طرح السؤال بهذه الكيفية صادما،لأن دلالته تعني عزل الإسلام عن جل الإشكالية الأنتروبولوجية للعنف.لقد عاشت مختلف المجتمعات البدائية طقوسا قربانية، وأفعالا حربية عنيفة، قبل عهد طويل من ظهور ماسمي بالإسلام.سياق تواصل مع مجتمعاتنا التي تٌدعى بالحديثة. لكن كيف نفسر،أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية،تبلورت تقريبا مختلف المواجهات في علاقة بالجهاد الإسلامي،مما صاغ فكرة تأصلت مفادها أن الحرب المقدسة مرتبطة أساسا بالإسلام؟مثلما نتكلم عن بنك إسلامي،وتجارة إسلامية، وهندسة إسلامية.فهل لاحظنا مثيلا لهذه الظاهرة خلال لحظة من اللحظات مع المسيحية أو اليهودية؟أعتبر بأن مسؤولية هذا التوظيف غير النقدي تعود إلى المسلمين أنفسهم، الذين يربطون فعلا الإسلام بالمعارك الدائرة راهنا،سواء داخل المجتمعات التي تعتبر إسلامية،أو مع منافسين يتم تصنيفهم وفق مصطلح مُؤَدلج بقوة :"الغرب".إذا التجأ فاعلون اجتماعيون داخل البلدان المسماة إسلامية،إلى توظيف ممارسات غير مستندة مذهبيا على ''دينهم''،فإنهم ينحازون إلى صف تحليل وكذا ملاحظات نقدية تتوخى تقويض خطاب مجتمعي يستهدف تعبئة الخيال الجمعي ضمن صراعات تظل رهاناتها حصرا سياسية واجتماعية.تنهض جذور الشر على أنتروبولوجية أكثر عمقا،في إطار ماقاربه روني جيرار باعتباره محاكاة نفس الرغبة حول رأسمال رمزي معين،تعود إلى عهد محمد وبدأت تخلق سلفا تعارضا بين المسيحيين،واليهود والمسلمين الذين نشأوا حول ثلاث مرتكزات: التوحيد، الوظيفة النبوية، ثم الوحي.هذا الرأسمال الرمزي، سبق أن استأثر به طيلة قرون التوراة العبري ثم يسوع التاريخي.لكن فجأة سينبثق فاعل ثالث متحدثا عن عدم اكتمال ما تناقله الأنبياء السابقون،بل مضيفا بأن رسالتهم عرفت تحريفا.هكذا تبدأ الرغبة المحاكاتية بالتمييز:برز تعبير آخر للإلهي،يناوئ تلك القائمة.دون هذا التمييز، فلاوجود للإسلام.لكنه خلق ذلك التنافس العنف بين شعوب أهل الكتاب،منذ البدايات الأولى للإسلام.إننا أمام "مثلت"شكلته ثلاثة قوى محركة،هي: العنف، المقدس، والحقيقة.لم يدرس روني جيرار سوى العلاقات بين العنف والمقدس.أضيف من جهتي،الحقيقة.السورة التاسعة في القرآن من فتحت عيني بهذا الخصوص.سورة تبرهن على الجهاد عبر فكرة الحقيقة.هكذا،باسم حقيقة دينية أقبل الذهاب ثم التضحية،وقد أقتل بشرا آخرين.لكن هذا الثالوث الأنتروبولوجي لتقديس العنف،غير متعلق فقط  بالإسلام ولا أية حقيقة دينية أخرى.قد تكون حقيقة وطن يدافع عن نفسه،كما الشأن بالنسبة لجنود حرب 1914 .فالقدرة التقديسية للحقيقة الدينية أو الوطن الدنيوي،تبقى نفس الشيء. 
س-كيف تشرحون أن التأويل المتسامح بالأحرى والإنساني للإسلام فترة العصر الوسيط  حُوصر خلال تطوره؟
ج-كانت أطروحتي لنيل شهادة الدكتوراه عن موضوع : ''النزعة الإنسانية العربية خلال القرن العاشر''.نعم،تجلى فكر إنساني عربي على امتداد العصر الوسيط،قائم على الفلسفة،والأخلاق والدين.لكن ماذا حصل بعد ذلك كي لا نواصل الحديث عنه في الزمن الحاضر؟أي مصير انتهت إليه تلك النزعة المتسامحة؟ليس خطأ القرآن،لأنه لم يمنع تلك الحركة الإنسانية كي تبلور إشعاعها،من قرطبة إلى طهران.الذي صار على المحكِّ هذه المرة،التاريخ الاقتصادي والعسكري في الفضاء المتوسطي بالكيفية التي جرى بها انطلاقا من القرن الثاني عشر والثالث عشر،بمعنى اللحظة التي دشنت إبانها أوروبا انطلاقتها الفكرية والعلمية والتقنية وأضحت مهيمنة. تحولت الرغبة المحاكاتية إلى ماهو عسكري ودارت رحاها جوهريا حول الطرق التجارية.اختفت شيئا فشيئا المراكز السياسية للإسلام ثم تركت مكانها للجمعيات الدينية.لقد انتاب الضعف الدولة المركزية التي كانت حاملة لمشروع الإنسانية العربية.عندما وصل الفرنسيون إلى الجزائر،وجدوا أمامهم أخويات،وليس دولا.مما يسَّر لهم السبيل نحو احتلال سهل.استعمار أتى بشظايا حداثة حية، ديناميكية، محرِّرة،لكنها مجرد شذرات،ثم نخب عربية محدودة جدا،استقبلتها بنوع من التقدير.الانقلاب الذي حدث خلال الربع الأخير من هذا القرن،تحديدا بين سنوات (1960-2000) ،أكمل تلك المرحلة،وهو أمر مرعب.لقد أُلصق كل هذا العنف بالإسلام،لكنه عنف ارتبط بقوى سياسية واقتصادية تفاعلت منذ القرن الثالث عشر،ثم تضخمت مع مجيء الاستعمار ونتيجة الحروب التحريرية.نصادف اليوم ثانية نفس المجابهة بين خيالات مجتمعية تغذت على التاريخ أو الثقافة،وبالنسبة لما يهمنا،أتجرأ على تسميته بالتستر الرسمي على تاريخ السيادة الفرنسية في الجزائر.ظهر بهذا الخصوص،منفذ صغير،جراء السجال حول التعذيب،لكني أظن لو استطعنا فتح صفحة هذا التاريخ باكرا وبصراحة أكبر،سنكون اليوم مسلحين على نحو أفضل كي نعالج إشكالية العنف في الإسلام وتحمل المأساة التي نعيشها. 
س- "الاستشهاد''،طريقة الانتحار التي يختارها الإرهابيون،في إسرائيل أو المناطق الأفغانية،هل لذلك من شرعية في الإسلام؟
ج-أرفض كلمة "شهيد''مثلما وُظفت تبعا للحالات التي أوردها سؤالكم.بالتأكيد توجد كلمة شهيد في القرآن،لكنها هنا انتزعت من سياقها  تماما ،كما تفعل  مختلف الشروح ذات الخاصية الإيديولوجية والسياسية،لاسيما إذا أدى الفعل الإرهابي إلى موت عدد كبير من الأبرياء تماما.الشهيد في القرآن،بطل يموت دائما من أجل وجه الله.لكن لأي سبب كبير يعود مثل هذا الأمر؟هل دفاعا عن أُمَّة مجروحة من طرف قوة مادية،ملحدة،التي يجسدها غرب أعلن موت الله؟إنه نوعية الخطاب القومي الذي يسمعونه في مدارسهم،ثم يكررون مثل ترنيمة أن الغرب إمبريالي واستعماري،والإسلام كان قويا قبل أن يتم تحطيمه من طرف هذا الغرب. يقولون لهم كذلك ،بأن الإسلام قدم  نموذجا بَنَّاء سياسيا للحاضرة أكثر فعالية من ادعاءات الديمقراطيات الأوروبية أو الأمريكية.ثم يطلب منهم،قطع كل علاقة مع الغرب الذي تسبب لهم في كثير من الشر.هاهي ''الكلمات''التي تؤسس لمجموعة أساطير تفتقد لأي علاقة مع الحقيقة التاريخية،وينبغي السعي نحو القيام بتفكيك لكل تلك الأساطير.هؤلاء الفلسطينيون،والأفغانيون،والجزائريون،ترعرعوا وسط مناخ قومي قاسي وديني - وفق معنى احتكار الدولة للدين- تسكنهم رؤية مٌتَخيلة تماما على نفس منوال نظرة الغرب إلى الإسلام.فالإسلام بروتستانتي دينيا،وكاثوليكي سياسيا.بمعنى أن المسلم مؤهل لاهوتيا بكيفية حرة كي يسبر النصوص المقدسة،تصور لم تعلن عنه المسيحية من خلال لوثر سوى في القرن السادس عشر.لكن دول ما بعد الوجود الكولونيالي،أحدثت انقلابا لاهوتيا بأن حولت لصالحها حرية المسلمين الروحية التي تمنحهم إمكانية الولوج إلى السجال الحر بخصوص قراءات النص القرآني.
س-مع هذا البناء للأساطير وكذا مشروع العمل التفكيكي الذي ينبغي القيام به، أيُّ حيز يشغله الافتتان بالأمكنة المقدسة؟
ج-لن نتناول بهذا الخصوص إلا مثالا واحدا، لكنه الأكثر إيحاء :القدس.خلال بداية السنة الهجرية،انقسمت مثل المدينة المنورة،بحيث احتضن فضاؤها المؤمنين بتعدد الآلهة،واليهود،والمسيحيين،والمسلمين الأوائل،فقد كانت القدس مكانا مفضلا لتلك الرغبة المحاكاتية الجارية بين أهل الكتاب.حينما استولى العرب على القدس،مثَّل بناء قبة الصخرة فعلا سياسيا،لكن خاصة تجسيدا لامتلاك الرأسمال الرمزي لهذه المدينة الاستثنائية.هكذا صارت القدس ذاك المكان، الوحيد في العالم،حيث تتلاقى ثانية مختلف الإشارات الأكثر تقديسا للديانات التوحيدية الثلاث.لكن، حتى تتمكن هذه التجارب الروحية للإلهي من التعبير عن نفسها سلميا،فقد افترض سياق الوضع في القدس أن تنشأ ثقافة للديني قادرة على احتضان الاختلافات،غير أنه عوض ذلك،تبلورت في المقابل،رغبة محاكاتية أدت إلى تقويض تلك التجربة الإنسانية غير القابلة للمضاهاة،المستندة مبدئيا على ثلاثة نصوص تأسيسية هي التوراة، الإنجيل والقرآن،وصارت مرجعية أساسية بالنسبة للفكر البشري.تعود مسؤولية ذلك في قسم كبير منه إلى الفكر الأوروبي،والذي لم يدرك بسبب تجاوزات الأنوار، كيفية خلق شروط هذه الثقافة المتعلقة بالديني،الخاصة رغم ذلك بكل تجربة إنسانية.إن وُجد لهذه الثقافة الحديثة،الإنسانية والدينية،من فضاء رائع للتعبير عن نفسها،فالأمر يتعلق تحديدا بالقدس.وإذا حدث السعي بهدف إنجاز عمل التفكيك الذي أتطلع إليه  بكل أمنياتي،ففي القدس تتفاعل طموحات كل المتعطشين لما هو روحي وأخلاقي،ضجرة من إله الدولار وكذا أولوية الاقتصادي أو التجاري،بالتالي تبقي للإنسان موقعه الروحي وكذا روحه.
س-هل في إمكان الإسلام المبادرة إلى إصلاح نفسه بالتوجه صوب المستقبل،أو فقط الالتفات إلى أصوله؟
ج-كان الإصلاح أحد مرتكزات تاريخ الإسلام.منذ الحقبة الكلاسيكية،غاية القرن الثالث عشر.تعاقب إصلاحيون مثل الغزالي أو الأندلسيين الشاطبي و ابن حزم.كان الكلاسيكيون مبدعين، يقترحون خيارات تأويلية،لذلك تميز الفكر لديهم بالتعدد، فلايحق لأي مدرسة ترجيح تصورها دون سجال.لكن المشهد تغير تماما حينما تسلمت الأنظمة مابعد الكولونيالية السلط، بحيث لاحظنا تأميما للدين،أمسكت في إطاره وزارة الشؤون الدينية القرارات تحت إشراف الحزب الوحيد.هكذا توقف كل كلام عن الإصلاح،فالعلماء مجرد صوت لسيدهم الذي يسدد لهم أجورهم.بعد 1945،احتكر الخطاب القومي جميع المؤسسات،وانعدم جراء ذلك، كل تناوب يقابل التعبير المُؤَدلج وكذا التدوين الأصولي للدين….لذلك من المُلِحِّ خلق آليات هذا التعاقب،كجواب وحيد محتمل في أوروبا ضد هذا العنف الأصولي،وليست القذائف أو البوارج من سيجد حلا لكل هذا التاريخ.
س-إلى أي شيء تنسبون عدم فهم الغرب للإسلام؟
ج- دشن فيرنان بروديل المغامرة التاريخية الأولى حول فضاء البحر الأبيض المتوسط.يعتبر الرائد الذي فتح الأرشيفات التركية وكذا الأوروبية،من أجل فهم لعبة القوى وكذا تنافسها إبان تلك الحقبة.لقد عرف البحر الأبيض المتوسط قطائع متتالية.أولا سنة 1492 ،مع طرد اليهود والمسلمين من إسبانيا،موعد يلزمنا ترسيخه لدى أطفالنا.تحولت أوروبا نحو المحيط الأطلسي بعد سيطرتها على البحر الأبيض المتوسط.والحال أن تاريخ المجال المتوسطي كما يتواصل تدريسه داخل حجرات مدارسنا يجهل القطيعة الإيديولوجية التي حدثت،على أساس القطيعة الدينية لسنة 1492 ثم تفاقمت مع الاستعمار :لازلنا نُدَرِّس مسألة الفصل التام بين ضفتي المتوسط.خط بروديل،الذي ينبغي بحسبه النظر إلى مختلف كل الفاعلين الذين شكلوا وجه شعوب البحر الأبيض المتوسط،لم يستعده ثانية الفرنسيون أنفسهم.على العكس نعاين استقطابا،إلى رؤية أوروبية استيهامية نحو الإسلام.أحدث الفاعلون الاجتماعيون المسلمون توظيفا مُكتسِحا وإيديولوجيا كثيرا للإسلام بحيث أُرغم تقريبا الملاحظون الخارجيون على المبادرة إلى القيام بذات الشيء.قد يستلهم ثانية أفراد على عجلة من أمرهم خطابا من هذا النوع.لكني أرفض قطعا أن يتبنى ''مؤرخون معتمدون للإسلام''منتسبين إلى الجامعات الغربية الكبرى نفس هذه المقاربة المُؤَدلجة ،بمعنى افتقادها للتحليل.
س-بالإصغاء إليكم،ندرك الأهمية التي تمنحونها إلى التربية قصد تحسين العلاقات بين العالمين الإسلامي والأوروبي،كما لو من أجل تحديث الإسلام وجعله ينفتح على بقية العالم.
ج-لقد نشأ عدد كبير من الجزائريين وضمنهم أنا،في إطار المعرفة النيرة للفكر الفرنسي النقدي،الذي نحبه وجعل منا المقام الذي نحن عليه اليوم،لكن في نفس الوقت نتسم بالصرامة والتشدد إلى أبعد حد نحو خيال فرنسي وغربي يتغذى على استقالة مزدوجة :التستر الرسمي عن الصفحة الاستعمارية للتاريخ الفرنسي،مثلما أظهرت ردود الأفعال الرسمية بخصوص التعذيب في الجزائر.تلغي المقررات المدرسية صفحات كاملة من تاريخ فرنسا،كالتي تتحدث عن الحضور الفرنسي في البلدان المغاربية.لا ينبغي للعلاقات بين فرنسا وهذه المنطقة أن تتم بناء على العروض التي يسمعها المغاربيون والفرنسيون من أفواه أساتذتهم  مثلما بوسعه أن يفعل التراث الفرنسي الكبير.ينبغي تدريس الإسلام في إطار فضاء ثقافي وعلمي يتجاوز تعبيراته الشعائرية.أيضا،يلزم تمتع الأساتذة بتكوين وكذا تعليم مُنظَّم داخل الثانويات والكليات ومؤسسات البحث العلمي.بيد أن القليل جدا من زملائي الباحثين في فرنسا وأمريكا وأوروبا،من يقتنعون بضرورة تبلور إسلامولوجيا تطبيقية تقتضي تبحرا معرفيا،تستحضر كل مصادر المعارف الاجتماعية ويتم تطبيقها ميدانيا.لكن هذا الحقل يحتله الأصوليون المنكبِّين على غسل دماغ الشباب بغير مقاومة.ويلزمني،أنا الباحث الموسوعي،البقاء بعيدا عن هذه المعركة؟.      
هامش :
Le monde :samedi ;6 octobre 2001.

هامش :
Haïti liberté :3 mars 2017.
             

الاثنين، 13 أغسطس 2018


سعيد بوخليط: صدور''آفاق إنسانية لامتناهية : حوارات ومناظرات"
صدر حديثا عن دار عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع،في الأردن،عمل جديد للباحث سعيد بوخليط (http://saidboukhlet.com) ،تحت عنوان :آفاق إنسانية لامتناهية،حوارات ومناظرات.تسعى هذه الترجمة إلى العربية، عبر ضمها لمتواليات هذه الفسيفساء الحوارية والتناظرية،عرض وتجميع وتأريخ وتوثيق،أفكار وتصورات بعض الشخصيات المهمة بالنسبة لمسار الثقافة الإنسانية،حاضرا وكذا على امتداد المستقبل البعيد. إطار، حوارات وسجالات ونقاشات،تنوعت مصادر روافدها بين أصول الفلسفة والتاريخ والاقتصاد والموسيقى والطب والصحافة والتشكيل والرواية والأدب والتقنية وعلم الاجتماع،إلخ.بقدر أيضا،انحدار أصحابها وانتماؤهم إلى جغرافيات سوسيو- ثقافية مختلفة،عربية وأوروبية وأمريكية وإفريقية وآسيوية. 
سيطلعنا هذا الكتاب،على مزيد من رؤى:هاروكي موراكامي، بوب ديلن، غابريل غارسيا ماركيز، خورخي بورخيس، رولان بارت، ألكسندر سولجنيتسين،  ميشيل فوكو، جان ستاروبنسكي، عبد الفتاح كيليطو، شارل بودلير، نعوم تشومسكي، فاطمة المرنيسي، يورغان هابرماس، عبد الله العروي، ريجيس دوبري، عبد اللطيف اللعبي، بيتر سلوتردايك، إدغار موران، سمير أمين، عبد السلام بنعبد العالي، جان دانييل، فابيان فيرديي، كاترين كامو، أدونيس، جوليان أسانج، علاء الأسواني، تزفيتان تودوروف، سلمان رشدي،عبد الوهاب مؤدب، سفيتلانا أليكسيفيتش،محمد الناجي….   

هامش :
Haïti liberté :3 mars 2017.

                  

السبت، 11 أغسطس 2018


الفيلسوف المتوحد كير كجورد
(1813 - 1855)
للأستاذ زكريا إبراهيم


كيركجورد فيلسوف دنمركي متصوف، نشأت فلسفته في حضن الدين، وتكونت بفضل تجربته الروحية الخاصة وعزلته النفسية العميقة. وهو واحد من أولئك الفلاسفة القليلين الذين استطاعوا أن يحيوا حياة العزلة والتفرد وأن يحتملوا ما يجيء مع هذه الحياة من قلق وجزع ولهفة. ولم يكن كيركجورد فيلسوفا يتخذ من الفلسفة صناعة له، أو عالماً لاهوتياً كل همه أن يشتغل باللاهوت، وإنما كان أولا وبالذات، إنساناً مشتعل الوجدان، مشبوب العاطفة، تشيع في نفسه سورة القلق، وتضطرم في باطنه جذوة الألم؛ يجتذبه العالم من ناحية، وتؤرقه الرغبة في القداسة من ناحية أخرى. وهو إلى هذا وذاك، إنسان غني في مواهبه، ثري في إيمانه، عميق في نظراته الصوفية. هو رجل متوحد انطوى على نفسه، وعاش حياة أقرب ما تكون إلى حياة الأنبياء، فاستطاع أن يتوصل إلى فلسفة مخالفة لكل الفلسفات التي كانت موجودة في عصره؛ فلسفة تعتبر وجود الذات هو وحده الحقيقي، وترى في عزلة الذات، الحقيقة الوحيدة الثابتة. أما النزعات الفلسفية التي كانت موجودة في عصر كيركجورد فقد نظر إليها فيلسوفنا نظرة معادية، واعتبر فيها (سقوطاً) للذات، ومن ثم فقد هاجم الفيلسوف الألماني هيجل مهاجمة عنيفة وحارب فكرته عن الروح المطلقة، وحاول أن يفقد الإيمان الضائع بالتحول عن عالم الفلسفة إلى عالم الدين

وقد اتخذ كيركجورد كل ضروب التخفي والتستر، حتى يستطيع أن يأمن عدوان خصومه، فكان يطبع مؤلفاته موسومة بأسماء مصطنعة مثل اسم (قنسطنطين قنسطنطيوس أو اسم (جوهانس كليماكوس). . ولعل السبب في ذلك أن الوجدان الجائش الذي كان يعمر نفسه والذي كان هو يريد أن ينقله إلى الناس لم يكن من السهل أن يصل إلى عالم شاعت فيه الأفكار الهيجلية. فلذلك اضطر صاحبه إلى أن يصطنع أساليب التخفي التي تجنبه الخصومة والعداء. ومع ذلك فإن هذا الوجدان لم يستطع أن يستحيل إلى تصورات عقلية تكون مذهباً، فتمثل في محاولات رمزية وصور مجازية متباينة.

وإذا نظرنا إلى بعض الصفحات التي كتبها كيركجورد عن (الظلمات الروحية) les ténèbres spirituelles للنفس التي تبحث عن الله فأننا نجد فيها نبرة صادقة قوية تشهد بتجربة صوفية عميقة. والواقع أن المشكلة التي واجهت كيركجورد باعتبارها المشكلة الوحيدة الهامة إنما هي مشكلة الإيمان، فقد بدا لكيركجورد أنه لا سبيل إلى إثبات حقيقة الإيمان إلا بإنكار عالم العقل والمنطق (وهو العالم الذي يعرف له كيركجورد قيمته، وإن كان في نظره متجسداً في هيجل). ومن ناحية أخرى فإن إيمان كيركجورد لم يكن مقترنا بمجموعة من المبادئ العامة أو الحقائق المطلقة (كما هو الحال عند أصحاب المذهب البروتستنتي الذين لا يرتبطون بكنيسة قوية تجمع بينهم في وحدة قوية شاملة) ولذلك فقد كان بطبيعته إيماناً منطلقاً سهل التحول، لا يتوفر فيه أي عنصر من عناصر اليقين أو الطمأنينة. ومثل هذا الإيمان لا يعسر أن يرتبط بالقلق والجزع والتمزق الداخلي في نفس صاحبه؛ بل إنه ليصبح حقيقياً بقدر ما يقترن به من هذه العوامل النفسية.

وهنا لعبت التجربة الروحية التي عناها كيركجورد دورها الأساسي الهام: فإن كيركجورد كان قد خطب فتاة أحبها وأحبته فاستقر رأيه على أن ينقض هذه الخطبة، واعتبر تضحيته هذه قبيل تضحية إبراهيم الخليل وظن أنه كان لديه إيمان حقيقي كما كان لدى إبراهيم، فإن المعجزة لا بد أيضاً أن تحدث، وبالتالي فإن خطيبته لابد أن تعود إليه كما عاد أسحق إلى أبيه. بيد أن خطيبته لم تعد إليه، فأدت به هذه التجربة إلى اعتبار الإيمان سراً عميقاً لا سبيل إلى اكتناهه؛ وانضافت إلى هذه التجربة نزعته اللاعقلية فذهب كيركجورد إلى القول بأن المؤمن (أو رجل الإيمان) يعيش بالضرورة في شك مرير قاتل من جهة الإيمان نفسه. فأنت إذا اعتقدت أن لديك إيماناً فكأنك بذلك تجدف على الإيمان.

ولكن كيركجورد لا يدعنا في هذه الحالة من التمزق الداخلي، بل سرعان ما ينقذ الإنسان من السقوط الكامل، فيثبت - في لمحة سريعة باهرة - عالم المعجزة، وعالم الحرية الإنسانية والصلة الفائقة للعقل بين الله والإنسان. ولكنه إثبات يعتمد على الذوق الصوفي واللمع الروحية، مما لا سبيل إلى العثور عليه عند فيلسوف آخر غير كيركجورد الصوفي المتوحَّد!

......................
(*) مجلة الرسالة (المصرية) العدد 610، 12 مارس 1945.

الخميس، 9 أغسطس 2018


السيرة الذاتية لأستاذ الفلسفة زكريا إبراهيم

زكريا إبراهيم

ولد الدكتور زكريا إبراهيم في مدينة القاهرة في 24 يولية 1924؛ وتلقي تعليمه الابتدائي والثانوي في "مدرسة فاروق الأول الثانوية" ؛التحق بكلية الآداب قسم الفلسفة في عام 1940 وتخرج فيها عام 1944 .

حصل علي درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة القاهرة وكانت حول الفيلسوف الفرنسي "موريس بولندل"؛ وكان ذلك عام 1949 . سافر بعدها إلي فرنسا للحصول علي درجة الدكتوراة من جامعة السوربون وكانت حول الفيلسوف الأمريكي "وليم ارنست هوكنج"؛ وحصل عليها بتقدير أمتياز ؛وكان ذلك عام 1954. وعاد بعدها إلي مصر وعمل أستاذا للفلسفة بجامعة القاهرة؛ وتدرج بعدها في المناصب حتي وصل الي منصب رئيس قسم الفلسفة بجامعة القاهرة؛ كما أنتدب للتدريس في جامعات الخرطوم والأردن ؛ أختتم حياته في المغرب حيث توفي فجأة أثناء عمله في جامعة الملك محمد الخامس بالمغرب في 27 أبريل 1976 ؛ولم يتجاوز من العمر حوالي 52 عاما تقريبا.(1)

أثري المكتبة العربية بالكثير من الكتابات والمؤلفات الفلسفية، من مؤلفاته :

مؤلفات:-

أولا: رسائل جامعية:
  • 1-    "فلسفة الفعل عند موريس باوندل"، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، 1949.
  • 2-    "ميتافيزيقا هوكنج" رسالة أصلية لدكتوراة الدولة، جامعة السوربون، باريس،1954 باللغة الفرنسية.
  • 3-    "المشكلة الدينية عند وايتهد" رسالة فرعية لدكتوراة الدولة، جامعة السوربون، باريس 1954، باللغة الفرنسية.

ثانيا: مجموعة "مشكلات الفلسفة":
  • 1-    مشكلة الفلسفة (1963م )
  • 2-    مشكلة الحب (1964 ).
  • 3-    مشكلة الحرية (1967 ).
  • 4-    مشكلة الفن (1967 ).
  • 5-    المشكلة الخلقية (1969 )
  • 6-    مشكلة الحياة (1971 م).
  • 7-    مشكلة الإنسان.
  • 8-    مشكلة البنية.
ثالثا: مجموعة "عبقريات فلسفية":
  • 1-    كانط والفلسفة النقدية ، مكتبة مصر، (1963).
  • 2-    هيجل والفلسفة المثالية.
  • 3-    ماركس أو المادية الجدلية.
رابعاً: دراسات فلسفية متفرقة:
  • 1- “دراسات في الفلسفة المعاصرة ” ، مكتبة مصر، وقد صدرت طبعته الأولي عام 1968.
  • 2-"برجسون" (1956م) في سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف، الطبعة الثانية 1967.
  • 3-    "تأملات وجودية ” وقد صدر عام 1963.
  • 4-    "الفلسفة الوجودية " صدر عام 1957 .
  • 5-    “مباديء الفلسفة والأخلاق “وقد صدر عام 1966.
  • 6-    “الثقافة الإجتماعية” (الجزء الخاص بالمنطق)، وزراة التربية والتعليم، وقد صدر عام 1959.
  • 7-    “الأخلاق والمجتمع ” ، المكتبة الثقافية، مؤسسة التأليف والترجمة، وقد صدر عام 1966 .
خامساً: دراسات جمالية:
  • 1-    فلسفة الفن في الفكر المعاصر ” ، مكتبة مصر، وقد صدر عام 1966.
  • 2-    ”الفنان والإنسان ” وقد صدر عام 1973.
سادساً: دراسات إسلامية:
  • 1-    ”أبو حيان التوحيدي “وقد صدر عام 1964، صدر في سلسلة أعلام العرب- عن دار المعارف.
  • 2-    “أبن حزم ” وقد صدر عام 1966، صدر في سلسلة أعلام العرب-  عن دار المعارف.
سابعاً: دراسات سيكلوجية واجتماعية:
  • 1-    “سيكولوجية الفكاهة والضحك”، مكتبة مصر، وقد صدر عام 1958.
  • 2-    “الجريمة والمجتمع ” ، مكتبة النهضة العربية، وقد صدر عام 1959 .
  • 3-    “سيكولوجية المرأة”، مكتبة مصر، 1957.
  • 4-    “الزواج والاستقرار النفسي ”، مكتبة مصر، وقد صدر عام 1957.
  • 5-  “نداءات إلي الشباب العربي ”.

ثامناً:ترجمات:-
  • 1-  "الفن خبرة " للفيلسوف جون ديوي ، مراجعة وتقديم زكي نجيب محمود، مكتبة النهضة العربية (بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين). القاهرة 1965.
  • 2-  “الزمان والأزل. مقال في فلسفة الدين" للفيلسوف الأنجليزي ولتر ستيبس ؛وراجعه الدكتور أحمد فؤاد الاهواني ؛ المؤسسة الوطنية (بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين). القاهرة 1967، وقد صدرت عنه طبعة خاصة ضمن مكتبة الأسرة في سلسلة “إنسانيات ” عام 2013.

  • وله العديدمن المقالات الفلسفية المنتشرة بالمجلات العربية مثل "الرسالة" ، ومجلة " المجلة"، مجلة "الفكر المعاصر".
....................
المصدر
(1)                    ويكيبديا.
(2)                    فهرس المؤلفات من كتاب "مشكلة الفلسفة" تأليف زكريا إبراهيم، مكتبة مصر،طبعة سنة 1971.


(*) اعداد مشرف الصفحة.