السبت، 1 ديسمبر 2018


من ألبير كامو إلى ماريا كازارس(الرسالة8 و9)  *

ترجمة: سعيد بوخليط


* الاثنين 11يوليو 1944
                                  (الرسالة رقم8)
ماريا صغيرتي،
 تسلمت منذ قليل رسالتكِ،التي ترقبتها طويلا.لقد أتتني مثل دائما بالسعادة مادام أنتِ مصدرها وتؤكد لي أنكِ موجودة، ثم يقوم شيء ما حقا بيننا منذ حقبة بعيدة حينما أثارت اهتمامي قطعة مسرحية كنتِ تؤدين دورا فيها.لكن في ذات الوقت تطلعتُ إلى الإخبار عن موعد مجيئكِ وهو ما لم يتحقق بعد.عندما تصلكِ هذه الرسالة،ستكوني قد التقيتِ سلفا غاليمار الذي أوفدتُه إليكِ،لكني حاليا أفترض عدم إمكانية قدومكِ.إذن،مهما يكن! سأنتظركِ يوم الخميس. 
لو تعلمين مع ذلك !انتظاري، تلهفي، حالات سخطي الهادئة وكذا هذا الاندفاع نحوكِ، لكن ماذا! إنكِ لا تجهلين أي معطى بخصوص كل هذه الحيثيات وتعرفينني بما يكفي حتى تتخيلين ما لا تعرفينه.كلما اتجه تفكيركِ في يوم من الأيام كي تطرحي مسألة رحيلكِ،فحاولي تصور مدى وقع حمولة ذلك اليوم بالنسبة إلي،ربما إقرار من هذا القبيل سيقرر طبيعة الموقف لديكِ. عموما،أتمنى من جهة أخرى أن لا تكون والدتكِ مريضة للغاية.مادام  يلزمها حقا التفكير بأني أراسلكِ،أخبريها بأمنياتي أن تتحسن صحتها(وبكيفية نزيهة).ثم قولي لها أني أضمر لها الود والاحترام،ولا يعتبر تداول ذلك على لساني،مجرد عبارة.لا أريد بأي شكل من الأشكال في العالم أن أكون مصدر ضوضاء بينكما.ألا يوجد مكان يحتضن باستمرار لقاء كائنات تتبادل الحب بينها ؟لكن،ربما،أهتم هنا بما لا يعنيني قط.
بما أنكِ لن تأتي،فامنحيني على الأقل،عزيزتي،تفاصيل دقيقة جدا حول يومياتكِ،وكذا ماتقومين به.تذكَّري أن الخيال يشتغل لحظات الهجر.هكذا نعاين نموذجا معينا لنوعية الأسئلة التي يستأنس بها قلب يعشق :هل ستذهبين إلى مدينة ''مودون''Meudon  عند من؟مع من؟ماذا كنتِ تفعلين يوم السبت على الساعة السادسة مساء، في شارع أليراي، الكائن بالدائرة الخامسة عشر،علما أنها ليست منطقة سكناكِ، إلخ، إلخ.هل لاحظتِ، ماري صغيرتي، طبيعة جل ما قد يستحضره ذهن شخص عاطل، مهيّأ، لا يمتلك أي شيء سوى التعلق المفرط بالشغف الذي يشعره .هيّا!أشبعي تطلعاتي بهذا الخصوص،وامنحيني تفاصيل أكثر.كل ما يخصكِ يدخل في نطاق اهتمامي(لم أتوصل منكِ بالانتقادات الموعودة).أنتظركِ،هل تدركين ذلك،نعم أنتظركِ على امتداد اليوم،لا أعرف أبدا كيفية الإعلان عن ذلك صراخا أو أخبركِ به.
أتأسف أن الأمور لاتسير جيدا مع مارسيل هيران.ربما هي فترة عابرة.مارسيل شخص مخيب للآمال لكنه جذاب .قد يستوعب ذلك ويبادر إلى القيام بما يلزم حتى تشعرين ثانية بالارتياح معه.لا تتواني عن إخباري بالمستجدات.
ماذا أحكي بشأن ما يجري هنا؟حتما تحدث لكِ الثنائي جانين وميشيل غاليمار بهذا الخصوص.خلال هذه الفترة، نتعايش نحن الثلاثة مجتمعين،ونتفاعل بطريقة رائعة. أطهو (أحبّ ذلك).أشتغل قليلا،ثم أنام وأتسكع.أنا طبعا،في أفضل حال.مع افتراض أنه إذا كانت الصحة مثلا تثير انزعاجنا فلستُ مبتهجا على هذا المستوى.لقد بادرتُ إلى قص شعري حدّ مستوى الصلع تقريبا،فأصبحت مثيرا للاشمئزاز، لكن شبابي تجدد وانتقص عمري بخمس سنوات.لن تتحملي مظهري الجديد، مادمتِ تفضلين الشَّعْر الطويل.
إلى اللقاء، ياعشقي الغالي.وإن كنتُ لاأستطيع قول ذلك.بل أقول سأنتظركِ يوم الخميس،بمطلق فؤادي،لكني أخشى أن يكون مجرد وهم.تذكري باستمرار الشخص الذي تجلبين إليه الكثير،واتركيني أقبِّلكِ كما أشعر بكل لذتي وعشقي.
 
                         (الرسالة رقم 9)      
*الأربعاء 12يوليو 1944
ماريا حبيبتي،
أتشوق دائما لحضوركِ غدا رفقة بيير غاليمار.مع ذلك إن لم يحدث الأمر فعلى الأقل أريد أن تتسلمي هذه الرسالة وتعرفين مكان تواجدي.أرجوكِ أن تأتي وتدركين حاجتي إليكِ.حتى خارج إطار حبنا،يعتبر حضوركِ ضروريا بالنسبة إلي في هذه الفترة.أنا جد متذمر،على جميع المستويات،إنه اعتراف يكلفني حين التصريح به.
يمكنني أن ألتمس منكِ التفكير في حسراتنا،إذا حدث لي أمر ما ،ثم تركنا هذه الأيام تتوارى.فالفترة غامضة جدا،ونجهل تماما الأيام القادمة.كل تلك الساعات التي مضت،نفكر فيها حاليا بالدموع والغضب.أيضا،أكابد أزمة وأعيش شكوكا لم أعرف مثيلا لها منذ سنوات.لذا يبدو لي طبيعيا المناداة عليكِ،ولاأشعر بالخجل جراء ذلك.لاتتركي هذا النداء دون جواب،حينذاك سأشعر حقا بالخزي.
أحس بالوحدة والخواء،لقد أمضيتٌ يومين أو ثلاثة فظيعة.علاوة على ذلك،أنا مضطر كي أبذل هنا مجهودات كبيرة قصد مساعدة هذين المجنونين اللذين نعشقهما معا(أعلم بأن جانين أحاطتكِ علما بكل شيء).صارت حيثيات الوضع شاقة جدا،وبالنسبة إلي،أنا من يؤدي سلفا ثمن كل هذه الشهور حيث أمضيتُ حياة أعجز بخصوصها أن أصيغ لكِ فكرة صائبة،فقد صار كل شيء أكثر صعوبة.فلتأت عزيزتي،أرجوكِ،بأقصى سرعة ممكنة.التلهف لرؤيتكِ، تحول حاليا إلى هوس.يبدو أني لا أطمع حاليا سوى في القليل من السعادة الحقيقية ثم يمكنني لمسها.لحظتها يضمحل ماتبقى.
إلى اللقاء،حبيبتي.أعتقد بأني لن أكتب لكِ أي شيء بعد هذه الكلمات،أحس بقلبي جافا جدا.أحضنكِ بكل روحي.
* المصدر :
. Albert Camus/MariaCasarés :correspondance (1944-1959) ;Gallimard ;2017
                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق