الأحد، 18 يونيو 2017

قصيدة: (لو كنتُ أنا خديجةَ)
للشاعرة المصرية: شهدان الغرباوي



سامح الله (خديجة)
جمعت أسماكَ الأرضِ
وبأصابعها العشر، أطعَمَتها الطاغيةَ
فتضخّم.

في ذِكْرٍ، صادفَته
بين جوقةٍ، ذَوَّبَ (ابنُ الفارض) نفوسَهم  في كؤوسه الدوارة
وجنَّنَهم مقامُ "الرست".(1)

مَجْذُوبٌ فيهم مُشرَب بسمرة
أنفهُ منتصبٌ، في دعوةٍ صريحة لا تحتمل التأويلات
وعسلُ عينيه، جبليّ

(جلجامش)(2)
غنيٌّ عن التعريف
 مُتْرَبٌ بتوابلَ حارقةٍ
ووَسَخهُ جليل.

يقولُ الأوّلون:
(إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنْ الْإِيمَان)(3)
وخديجةُ لا ترضى
وأقول أنا:
الْبَذَاذَةُ أعشابٌ وحشية، تنمو في تربة مباركة
(لا يمسّها إلا المطَهرون)
الْبَذَاذَةُ  مزيجٌ من (حَبَقٍ بهيجٍ) وغواية
الْبَذَاذَةُ كُحْل العارفين.

 واحدٌ كجلجامش
إن مدّ يدهُ، عَلِقَت.

يقول الرواة:
خرجا معاً
وما كانت (خديجةُ) لتلِجَ الحَضْرةَ حتى تنطقَ بالشهادتين ثم تُريق على رأسها أربعين كوزاً من الماء الحيّ
وتنتفُ زغَبها بقسوةٍ، ثم تدهنُ موضِعَه بخلاصةِ "نبات السعد"(4)
وما كانت لِتُريه وجهَها حتى تُزجّجَ حاجبَيها (على الشَعرة)
 وتُصفّف جديلتَيها،  نظيفتَين حدّ السأم
خسارة!
زجاجةٌ كاملة من عطرِ  "Chanel"     
تضيعُ في الهواء(5)
وخسارة "منقوع الحمص البائت"(6)
الذي أفسَدهُ الانتظار.
يقولون:
سارت وراءه إلى "جاكوزي" للصَفوة
وانتظرتهُ بالمنشفةِ على البوابة، يوماً كاملاً
وعندما عاد إليها، كان القمرُ قد انكمَش.

لو كُـنْت أنا (خديجة)
لتركتُ شَعري على عواهنه
وشفتيّ بغير تحفظات
وأطلقتُ أشواكي في وجهِ العالم
ثم اختلطتُ بالذّاكرين
 وبظُفر سبّابتي،خَمشْتُ نخاعهُ الشوكيّ
مِن ثَمّ، التقطتهُ على ظهري، ومشيتُ به إلى كهفٍ غامض في أولِ الزمان.


تقول النبوءة:
في الكهفِ
سأجعلُ بيني وبينه مسافةً رأسية
فأكونُ واقفةً، وهو جالسٌ على الأرض
أو أكونُ جالسةً
وهو منبطحٌ
جلجامش، حَرثٌ لي
آتيهِ أنّى شئتُ
هذهِ فرصةُ التاريخِ ليصوّبَ أخطاءه الفادحة.

ـــ تجَرّد
ولا جُناح عليكَ إن أنت لم تُحرق البقرةَ الحمراءَ وترشّ الماءَ على رمادها
لتتطَهّر(7)

أو أنك لم تعقِد النيةَ
ثم تغسلُ كفيكَ بالماء ثلاثاً
وعُسَيلتكَ، بيدكَ اليسرى
وتتوضّأ وضوءك للصلاةِ، مؤجّلاً قدمَيك
وتُريق الماءَ على كاملِ جسدكَ مبتدئاً بالنصفِ الأيمنِ ثم الأيسر
ثم أن تغسلَ قدميك

ولا عليكَ لو لم تذهَب إلى الكنيسة
ليغسلَ الكاهنُ رجلَيك ويرشُمهما بالزيتِ(8)

ولا أن تغمرَ كاملَ جسدِكَ ثلاثَ مراتٍ في نهر "الغانغ"،ثم تشربَ منه شربةً واحدة(9)

فقط،
اغمِسْ أنفكَ في مُجمل سوائلي
أنا غولة، صنعني الربّ من طينةٍ مزينةٍ بالشوائب
أمتَصُّ الوِلدانَ  وأردّ عليهم دَينهم
بكلماتي، أتوبُ عليهم
ثم أرسلُهم مُخلَّدين إلى الفراديسِ العُلا.

لو كنتُ (خديجةَ)، كانَ مستَحقاً لي أتلذّذ بغاباتٍ سبع، أصنعُها على عيني


الغابة العليا؛
*
هذه رأسٌ أجعلُها من أجرانِ حَبّ الرشاد(10)
أمرّر أصابعي فيها ببطءٍ، فتُزهر "الفياجرا الحمراء"(11)

 الغابة الثانية؛
*
أحبّ رائحةَ خليطِ التبغ البريّ، والقرنفل والخُزامى البيضاء
ذلك ما يلفِتُني في (ليوناردو  دي كابريو)
إذن
سأجعلُ لشاربكَ الكَثّ رائحةَ الــــــ  "Wild Tobacco "by Illuminum

الغابة الثالثة؛
*
لحيتكَ بغيرِ تهذيبٍ، سباقاتُ خيلٍ
وإنكَ تحتها لَطَودٌ
إذن
سأُعفيها.

الغابة الرابعة؛
*
إنى أرى في شماليها شجرتَي "أفوكادو" ــــــ غابة صدرك ــــــ
جفّت أوراقُهما وأُصيبَ اللحاءان بـــــــ "البطالة الاحتكاكية"(12)
بقواطعي الأماميةِ سأخدشهُما ليجودَ اللحاءان بالشهدِ الطازج
ثم أنالُ قيلولتي بين الأحراشِ
بعيداً عن أشرارِ الملائكة والشواردِ الحرة.

الغابتان الخامسة والسادسة؛
*
 في البدء كانتا معاً فقَصَمهما الدهماء:
ـــــ الإبط الأيمن؛

من "تابوتِ العهد"(13) أخرَجتُ لوحَين حجريين سأثبتهُما في لحمكَ مكتوبٌ عليهما:

 1ـــــ "لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي"(14)

ــــ الإبط الأيسر؛

جمعتُها من الصدور وسأجدلُها بأغصانِ غابتِكَ السادسةِ فيتعلّم القارئون أصول الــــــ "étiquette"

1ـــــ  {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}(15)

الغابة العظمى؛
*
بُشرى يا كلّ ثَيّباتِ العالم ويا كلّ أبكاره
آن لكُنّ أن تكفُفن عن التنقيبِ في بطونِ كتبِ التاريخِ الطبيعيّ و"الأنثروبولوجيا".
ففي هذهِ البقعةِ المباركةِ سأضعُ الآن
"حَجرَ الفلاسفة"(16)
وأنتَ يا جلجامش، إذا سألنكَ عن "عشبةِ الخلود"(17)
فقُل لهنّ إنه ــــــ لِغَفلتكَ الذكوريةِ ـــــــ سلَبَتكَها الأفعى وأعادتكَ إلى بلدكم يداً وراء ويداً قُدَّامَ

قُل لهنّ أن يسترحنَ من إرهاق (جوجل) في البحثِ بالمغاراتِ القديمة وأسفلَ المسطحاتِ المائية
ومن إنفاقِ (الجيجابيتس) على (ويكيبيديا) وصفحاتِ "الأندرجراوند"
واذكر لهن أنه بتائي المربوطةِ، حزَّمَتْ وليفَها
ورَقَّصَتهُ على أبخرةِ مزاميري تارة
وتارةً أخرى على موسيقى (نوال)(18)
ثم دَلَّكَت جسدَه بزيتِ الخردلِ فاندلعَت دورتهُ الدمويةُ وانتصبَ، مُجهزاً عليها بطلقةٍ بائنة
ثم دسّ لي العُشبةَ في حَمّالةِ الصدر
العُشبةُ التى سأنثرُها هاهنا
و أُمَسّدُها برفقٍ إلى أن يتنزلَ الحديدُ
(فيهِ بأسٌ شديد).
..................................
هوامش القصيدة:
(1)مقام موسيقي شرقي يفضل استخدامه في قراءة القرآن الكريم وحلقات الذّكر.
(2) بطل الملحمة السومرية وهو ملك أسطوريّ وثلث إله، ظل يبحث عن الخلود حتى مات.
(3) البذاذة تعني الرثاثة في الملبس، و الرواية منسوبة إلى (رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم)
 رواها أبو داود عن أبي أُمامةَ بنِ ثعلبةَ الأنصاريّ.
(4)هو نبات يقلل ظهور الشَعر و يقضي عليه بتكرار الاستعمال.
(5)من أغلى العطور الأنثوية الجاذبة للرجال.
(6) ينقع الحمص لمدة يوم كامل في الماء ويُصفّى  ويشرب الرجل ماءه لتعزيز القدرة الجنسية (إحدى التمائم العشر اليهودية  للعلاج التي أوصى بها الحاخامات)
(7) سِفر العدد، الإصحاح 19
(8)طقس مسيحي يقام في ذكرى "خميس العهد"
(9)نهر بالهند يقدّسه الهندوس ويتطهّرون فيه بهذه الطريقة.
(10) بذور نباتية تفيد في منح الفحولة والخصوبة.
(11)عقار طبي للمرأة من أعراضه الجانبية زيادة الرغبة الجنسية لديها.
(12) هي بطالة تنشأ بسبب نقص المعلومات لدى الباحثين عن العمل وأصحاب الأعمال الذين تتوافر لديهم فرص عمل".
د.رمزى زكى ـــــــ الاقتصاد السياسى للبطالة ـــــــ عالم المعرفة ص 29، 1997.
(13) التابوت الذي حُفظت به ألواح العهد، الوصايا العشر ويعرف أيضا بتابوت الشهادة وفقاً للتراث اليهودى (الخروج 26، 30،...)
(14) من الوصايا العشر
(15)سورة الجن
(16) مادة أسطورية يُعتقد أنها تستطيع تحويل الفِلزّات الرخيصة (كالرصاص) إلى ذهب ويمكن استخدامه في صنع إكسير الحياة.
(17)عشبة يعتقد أنها تمنح الخلود كما جاء في أسطورة جلجامش ظل يبحث عنها ومات دونها.
(18)  مقطوعة موسيقية للرقص الشرقي.
......................................
(*) اللوحتان، للفنان الإيرانيّ: بهمن محصص

هناك تعليق واحد: