(عيناهُ... بمياهِ السلام)
قصيدة، للشاعرة المصرية
شهدان الغرباوي
(1)
ماالذي سيحدث في الدنيا (يعني)؟
لو أنكَ أجهزتَ على رأسِ
التاريخِ ببلطةٍ
وأرحتَنا من لسانهِ الطويل.
إن هو إلا كاذبٌ، كسياسيّ من الحرسِ القديم
مشّاءٍ بنميمٍ كمثقفٍ ثوريّ، يطوف به على المقاهي الرخيصة
والحانات مُلَسِّنا على أولاد الناس .
.
وما الذى سيزعج (دائرة البروج)
لو أنك قطعتَ ساقَي الزمن من عند ركبتَيه
وأقعدتَه على ظهرِسلحفاة، تعاني من خشونةٍ في المفاصلِ
أو حتى قتلتَ السلحفاة
هل سيخسر النسقُ الكوني سُمعته لو توقّفَ هذا المطفّفُ عن
العَدْو قليلاً
لصّ اللحظاتِ الحلوة
ومقايضُها بالملل، والجلوكوما، والتجاعيد الغائرة.
.
وعن الصحراء الكبرى التى بيننا
ماذا لو كرمشتها في يدكَ، كورقةٍ مهملَة
ووضعتها في كيسٍ بلاستيكيّ أسود، ثم نبذته أمام باب الشقة
الفاجرة!
لا تستحي ان تلقى بجسدها عارياًأمام العامة
وأن تبسط أطرافها عن آخرها
لا لشيء إلا لتُباعد بيننا .
.
صدّقني
(لا يوجد ذبابٌ نظيف)
كلهم أولاد كلب
غير موجودين أصلاً
كلهم ظلال، أبناءُ ظلال
وحدك حقيقي، ووحدك أعلى.
.
دعك منهم
يا رجل
و(اشترِ دماغكَ)
ماذا سيحدث لو انك وَدَعَتهم جميعاً، وراء ظهركَ
وأخذت نَخبي كأسَ أكسيجين.
.
تَخفّف من ملابسكَ إلى أقصى حد
خذ راحتك على مقعد الــــ " Fauteuile"
مُيمِّماً وجهك شَطر الشمالِ
اخلع نظارتكَ القاسيةَ
وأغمِض عينيكَ
ارشُف رشفةً واحدة
ثم اهدأ تماماً
.
الآن افتحهما
وتأمل خيوطي العصبية، تتداخل فى دخانِ سيجارتكَ
شُفني
وأنا داخلةٌ في خُلوةٍ
وقد طهّرني ذِكركَ
وأدخِلني إليها، صِفريةَ الأبعادِ
خفيفةً كظِلكَ.
.
الآن، بدّلْ الكأسَين.
.
فى صِحتكَ
خُذ الشهقةَ بقوة
هوائي ربانيٌّ
عاصفٌ، ورؤومٌ
خُذها
واحفظها في نفسكَ على عدّاتٍ أربع :
واحدة
اثنتان
ثلاث
أربع
أَرِها جميعكَ؛ من خُنصر قدمك حتى منتصفِ رأسكَ
اجعلْ لشهقتيَ أصابعَ
أمهِلها أن تلمسَ أغشيتكَ الخلويّة، فتدلّلها وتؤخّر فناءها.
اسمحْ لها أن تتوغّل في هيولاتك (1)
فتذوقَ عسلَها وتغطسَ في حلاوته.
وأن تملأ فجواتكَ "السيتوبلازمية" بقهوةِ الصباح
وتتلو عليها أناشيدَ الأُنس، فتنظّم "ضغطكَ الإسموزي"
(2) وتضبطه على ذوقها ليخفّفَ تركيزَ مراراتكَ
القديمةِ وتأخذ كلّ السُكّر.
دعها تُحدِث فى جدرانكَ النووية، ثقوباً فسيحة، تنفذُ منها إلى
(نُوَيّاتِكَ) فتقضي أمتع أوقاتها، وتلفّ على نفسها "كروموسومات" (3)
مباركة لترقصَ بها في حفلِ الزفافِ الذى
ستدشّنه لكل Y على
كل X
(2)
الحفل الذى نسي أبواكَ أن يقيماه ليليقَ باستقبالكَ
بأصابعها، شَهقتي ستُعيد ترتيبَ (جيناتكَ الوراثية) على مزاجكَ،
وتجلوها بلمساتٍ نادرة، من عُكارة العالم
.
مزاجكَ ملكيٌّ وأحماضكَ النووية (DNA ) لا تقبل نقصَ الأكسيجين
شرفٌ لأصابعي أن تسكبَ فيها كل قبلاتِ الحياة فتعوضكَ عن إجحافاتِ الطبيعة.
أنا سأُعاين بأصابعي (جُزيئاتكَ) معاينةً شافية
وأُهدهدُ (ذراتكَ) بأصابعِ شَهقتي
ثم أمنحها كلّ الحرية، أن تمرحَ فى مداراتها وتراقص (إلكتروناتكَ)
و(كواركاتك الساحرة) (5) على فالساتِ "شوبان"
بعد انتهاء الرقصة، خُذ أصابعي واصعد بها إلى نصفِ دماغكَ
الأماميّ
حتى إذا ما بلغَت لديكَ "الوِطَاء" (6)
اعتصِره معها كثمرةِ المانجو الناضجة ، ثم انفق عليّ
كل ما تملك من
"الدوبامين"(7)
(فساعةُ الحظ لا تُعوض)
(3)
فى الخُلوة سأكون خارجي.
أنا في جلوسِ التشهُّد
وانت بعيييييد جداً
اقتربْ
لآخذَ معكَ الكأسَ
و معاً نشهَق، في وقتٍ واحد
تجلّ لي، في هالةٍ نورانيةٍ،هنا، بموضعِ سُجودي
أتأملُ قَسَماتكَ:
.
(*) هامتكَ، منجَم فضة
قطوفُها دانية
أذهلَتني عن الأكوان
فسَكِرتُ، وذهبَت أعضائي
فإذا نفسي فيضُكَ
وتجلّياتُ نوتتكَ الموسيقية.
.
(*) جبهتك مذكرة
جداً
عليها جَدولان من (دِبْسِ الرمّان)
فى لذوعتهما أشتعلُ
ويهرب رمادي ليستقرّ بمِنفضةِ
سجائركَ
جدولان مُجرمان
في لُذوعتهما
أضيع.
.
(*) عُقدة حاجبيكَ
صاعقةٌ
علِقَت بروحي
فتجلّت فيها، لهيبَ أسرار
وانسلّت على حصيرتها، وتَشرّبتني.
.
*نفوذ
أنفكَ يُنذرُ بمعاركَ ليليةٍ لا تعرف
الهدنةَ
نفوذٌ اصطفاني لحضرةِ أُنسهِ
وبرِفق رَبٍّ، فُكَ أزرارَ
زينتي
وأَلبِسني الخِرقةَ
(ذلكَ وَجدٌ مُغايرٌيا -"ابن عربي"- أملكهُ وأشاهدهُ
أتمايلُ فيهِ، على راحتي، وأهتزّ)
مجذوبةٌأنا، أُخِذتُ فى مقامِ عشقٍ
قابضةً على جَمرةِ محبتهِ
متلاشيةً.
.
(*) شفتاك من الـــ "Chocolate
noire"
دُكنتهما ذهبتا بالعناصر، حولي، وألقت بها في أفقِ العدم
بهما "تفرّدتَ " عن دواخلي
ورأيتُني فيما ترى الثملَى أقضمُ منهما -كقطةٍ صغيرة-
فالتَهمتَني، كُلّي
حتى لم يتبقْ مني سوى رائحةِ الكاكاو .
.
(*) أما عيناكَ فهما لي
وأنا أحفظُ سِرّهما
لن أبوحَ
إلا أمامَه وحدَه
يوماً ما، سنأتيهِ معاً
وسيسألُنا لِمَ بُعِثتُما متداخِلَين
وقد خلَقتكُما بعيدَين
سأقولُ له:
وحدكَ تعرفُ السِرّ، وسِرّ السِرّ
يا واجدَ نفسي
عيناهُ اصطَلمَتا (8) نفسي
طهّراتها بمياهِ السلام، وصَبّتا فى مَغطَسِها قارورةَ مِسكٍ
كاملة
بهما عرِفتُ الخُلوةَ، وعرِفتُ الشّطحَ
ورياحَ الصّبا
عرِفتُ الفناءَ، والفناءَ عن الفناءِ
بجلالِ مهابتهِما، اكتويتُ
مَزّقَني
الخوفُ أن تأفُلا
وأَوجَعَني الرجاءُ
تحتَ قهرِ سلطانِ
"السّحقِ والمحق"
رُحتُ فيهما وقُضِيَ الأمرُ
بجَسدِه، حَلَلتُ حلولَ سَرَيانٍ
فجئناكَ أحداً.
_________________
(1) جمع
هيولى وهو السيتوبلازم وفي الاصطلاح البيولوجي، هي المكون الرئيس الذي يملأ
الخلية،
(2) هو الحد الأدنى للضغط الذي يحتاج
ليتم تطبيقه على السوائل لمنع دخول المياه عبر غشاء نصف نافذ.
(3)هي
حزمة خيطية منظمة يتكون معظمها من حمض نووى منقوص الأكسجين (DNA) تقع
في نواة الخلية وتضم جميع الصفات الوراثية للكائن الحى " الجينات".
(4)الرمز
العلمى للكروموسومات التى تحدد الجنس، الذكر يحملxyوالأنثى تحمل xx
(5)جمع
كوارك و هي جسيمات اولية أصغر من الذرة وهى على ستة انواع منها ما يسمى الساحر.
(6)الوِطَاءُ:هوالجزء
من الدماغ الذي يتحكم بالمشاعر والانفعالاتوتواتر القلب وضغط الدم.
و الذي تجري فيه إثارةالرغبة
عن طريق الهرمونات لا سيما التستيرون .
(7)الدوبامين،
يعرف بـــ "هرمون السعادة "يفرز فى الوطاء (راجع هامش 6) وهو مادة كيميائية
تتفاعل في الدماغ لتؤثر علىكثير من الأحاسيس والسلوكيات وله دور رئيس في الإحساس
بالمتعة والسعادة والإدمان.
(8)وهل
يُملَك الوجد أم لا؟ اختلف الصوفية, فاختار ابن عربي عدم القدرة على ملك الوجد
فقال: "وعندنا أن الوجد لا يملك"
(9) الاصطلام لغة "اصطلمه:
استأصله. وهو الوله الغالب على القلب ،
وهو قريب من الهيمان". وفي الاصطلاح الصوفي يقول الشيخ السراج الطوسي: "الاصطلام:
هو نعت غلبة ترد على العقول، فيستلبها بقوة سلطانه وقهره".
ـــــــ اللوحات، للفنان
الإنجليزيّ، من أصل ألمانيّ: لوسيان فرويد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق