الاثنين، 27 يناير 2020


فؤاد العروي : لماذا تفلت منا جائزة نوبل كل سنة؟*
ترجمة : سعيد بوخليط

 يكمن الإبستيمي(النظام المعرفي/المترجم) الذي يقود بصفة عامة نحو وجهة نوبل، في تأمل مختلف القضايا وفق مناهج علمية، على عكس تأويلات الفكر السحري وكذا الدجل.
لقد أصبح الأمر مضجرا. خلال كل شهر أكتوبر، بالنسبة لنا نحن ساكنة البلدان العربية، والإسلامية والافريقية، بحيث نُمتحن كل سنة على مستوى إذلالنا الصغير.
أُعلن عن قائمة المتوجين بجوائز نوبل للعلوم، ولم يرد بين طياتها اسم واحد يشبه أسماءنا بكيفية أو أخرى.حصل بوعزة على نوبل في الفيزياء؟ ثم عبد المولى، كيميائي النخبة؟ هراء! يجيبنا السويديون.
مع ذلك لا تنقصنا المادة الرمادية. شاركت يوم الجمعة الأخير في لقاء عمل جرت وقائعه في باريس، قصد التحضير لندوة ستنعقد الشهر المقبل بجوار مراكش.اجتمع حول طاولة النقاش، خمسة مغاربة: أحد خريجي قدامى المدرسة العليا للأساتذة، وأستاذ في كوليج دو فرانس، وشخص لامع حاصل على شهادتين للدكتوراه(الفيزياء/الفلسفة)،ومهندس من طراز رفيع، ثم مخاطبكم هذا.حلق بنا النقاش بعيدا. إننا بالتأكيد لسنا أقل خبرة من الآخرين.
يكفي معاينة النتائج المذهلة لثانوية التميز المتواجدة في مدينة ابن جرير بغية تلمس هذا الأمر : نعم، لسنا أقل ذكاء مقارنة مع باقي العالم.بل على العكس!   
لكن ماذا بعد؟
على أية حال من المدهش ملاحظة بأن دولة صغيرة جدا مثل هولندا حصلت على الأقل عشر مرات على هذه الجائزة !نوبل في الفيزياء(بحيث عادت اثنان من بين أولى الجوائز الثلاثة التي دشنت تاريخ هذا الاستحقاق إلى الفيزيائيين بيتر زيمان وهندريك لورنتس)،ثم أربع مرات في الكيمياء(فاز العالم ياكوبس فانت هوف سنة 1901بأول نوبل المخصصة لهذا الحقل المعرفي)،ثم ثلاثة جوائز نوبل أخرى تتعلق بالطب.بينما حينما نستحضر العالم العربي الإسلامي، فلا شيء يذكر. لا شيء! 
ماهو الشعور الذي ينتابني وأنا في البلاد المنخفضة؟ مجرد أبله أتى من الصحراء يمتطي جَمَلا؟
حينما أتطلع إلى طلبتي داخل مدرجات جامعة أمستردام وأقارنهم بزملائي المغاربة خلال حقبة دراساتي في مدينة الدار البيضاء، فلاأرى قط أن البعض يمتلك دماغا أكثر من الآخرين، ولاأن ولعهم بالرياضيات أكثر فطنة (خلال اللحظة التي أتذكر فيها أسماء زملائي في صف الأقسام العليا للرياضيات لاسيما المتألقين، أكتشف أن جميعهم استطاع تحقيق مسارات مهنية رائعة سواء في القطاع الخاص أو العام، دون النجاح في تكريس ذات المسعى على مستوى البحث ويمثل هذا وجها من جوانب مشكلتنا؟ أي عدم إفساح المجال لمنظورات مهنية رائعة، تهمُّ البحث، أولا ثم أخيرا؟).
إذن لا تتعلق الإشكالية بأفراد.بل تستحضر الوضعية أساسا  ماصطلح عليه ميشيل فوكو ب :الإبستيمي .ليست القضية بمسألة أشخاص، لكنها تعتبر أعمق من ذلك بكثير، فهي غير منظورة ولا يمكن الإمساك بها.
يعتبر الإبستيمي الذي يقود نحو نوبل، طريقة عامة(مشتركة لدى كل ثقافة) قصد تأمل مختلف القضايا وفق مناهج علمية، تقطع مع الفكر السحري والدجل. 
إنه التمييز الفاصل بين العلم والايمان، فكل واحد منهما يتسيَّد مجاله. 
التوافق العميق حول ضرورة تبني العلم الحقيقي (لانتكلم هنا عن علم التنجيم، الميتافيزيقا أو السحر).  
التوجيه المستمر للاستثمار العمومي، ابتداء من المدرسة  غاية المختبرات الدقيقة، نحو مجال التعليم والمعرفة.
هو الاحترام الذي يتم الإقرار به للجامعيين والباحثين والعلماء، وليس صوب من يزعمون كونهم حراس الأخلاق أو يكتفون باستظهار مضامين عقيدة. 
تقدير الأفكار وليس الأشباح.
برنامج هائل لكنه ضروري إذا أردنا العثور في يوم من الأيام على طريقنا نحو ستوكهولم ونضع خاتمة لهذا الخزي السنوي.
*مرجع المقالة :
360.ma : 16- 10 -2019


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق