الأربعاء، 29 يناير 2020


من ألبير كامو إلى ماريا كازارس : (الرسالة24)*
ترجمة : سعيد بوخليط

يوم الثلاثاء10 غشت 1948

عزيزتي،
افتقدتُ أخباركِ،هاتفتُ قبل قليل جانين غاليمار فأخبرتني بأنكِ ترقبتِ رسائلي حتى اللحظة الراهنة.لذلك أتأسف لأني تركتكِ تعتقدين تلكئي عن الكتابة إليكِ. لكن بما أني لست متأكدا من عنوان منطقة جيفرني،فقد آثرت مراسلتكِ على عنوانكِ الخاص، وضمان تعقب أثر الرسالة.طبعا،خلق ذلك عائقا سخيفا.أتمنى،أن الارتياب لم يتمكن منكِ إبان الفترة، وبوسعي رسائلي مع أنها قد تكون ساذجة،إخباركِ كمْ بقيتُ مهووسا بحضوركِ طيلة هذه الأيام.والآن ستكتبين إلي أليس كذلك؟افعلي ذلك باستمرار،إن استطعتِ.لازال يفصل بيننا شهر طويل….أخبريني ما تفعلينه حاليا،وما تفكرين فيه،أحتاج شفافيتكِ.هل أعجبتكِ منطقة جيفرني، وهل والدكِ في أفضل حال، هل يتمتع باستقرار هادئ؟ كيف تقضين يومياتكِ؟ فيما يخصني، أتوجه كل يوم بعد الظهيرة للسباحة وسط قناة مائية كبيرة تبتعد عن  محل إقامتي بحوالي كيلومترين. التيار المائي قوي جدا بحيث يصعب الطفو فوقه.أغوص بأقصى سرعة، نحو عمق  يقارب خمسمائة ميتر، ثم أصعد ثانية عبر الاستعانة بحبال تشدُّ السفن. ثم أرتمي ثانية معيدا الكرَّة.غير هذا، أقضي ما تبقى من الوقت، في الكتابة. هكذا،أنهيتُ اليوم مجموعة تعديلات على نص مسرحية الجحيم، وأوكلتُلكِ دور ابنة القاضي(1).أتمنى بهذا الخصوص،الصفح من والدكِ.لكن لا تحملينهَمَّا،لأن التغييرات التي أضفتها ليست كبيرة.بحيث يلزمكِ فقط الانكباب على استظهار القليل من مقاطع النص الإضافي.فيما يتعلق بهذا الموضوع،لقد جعلتكِ جريدة "نضال" تصرحين عبر حوار بأن الحفلة الراقصة لمسرحية جحيم قادس مجرد إعادة اقتباس لروايتي(2).غير هذه الإشارة،يظل مجمل الحوار رائعا!
ابتداء من يوم غد، سأشرع في كتابة نص المسرحية الجديدة.إنها طريقتي الوحيدة حتى أتغلب بخيالي على طول فترة هذا الشهر. لم تغيبي عن بالي تماما وحينما أعثر عليكِ ثانية فلن يكون بوسعي حينئذ سوى الدفع قليلا بالزخم الذي يضعني أمامكِ. في الانتظار،أعيش إلى حد ما كما لو أصمَّ و ضعيف  البصر،وأمتلك عينين فقط من أجل اكتشاف هذه البلدة الجميلة الماثلة أمامي.نعمة هي الغرفة الموجودة في أعلى المنزل.سأنتظركِ هناك.
لكن حاليا،أترقب خاصة رسائلكِ.لقد انقضى حاليا أسبوعان ولم يصلني شيء منكِ.أحاول انطلاقا من هنا، وأنا بعيد تخيلكِ وإعادة رسم صورتكِ. لكنه وضع منهك لأني عشقتكِ على هذه الأرض،وبالتالي أحتاجكِ أرضا،وليس تخيُّلا. فلينقضي زمن هذا الشهر سريعا،كي يعثر من جديد أحدنا في الثاني على سنده، ثم وثوق أحدنا في الآخر، حتى النهاية، هذا ما أتمناه وأتطلع إليهكلما فكرتُ في الرجوع،إلا وارتعد شيء داخلي.
اكتبي بسرعة حبيبتي، عودي سريعا،ولتفكري في شخصي بقوة،مثلما أفعل معكِ.لاتنسي ''انتصاركِ"(إنه انتصاري، مبدئيا، غير أني أردتُه لكِ!).
أحبيني.
هوامش :
*ألبير كامو/ماريا كازارس :مراسلات(1944 -1959)،غاليمار،2017
1-فعلا ستلعب ماريا كازارس دور فيكتوريا، ابنة القاضي،في مسرحية حالة طوارئ،من إخراج الثنائي جان لوي بارو ومارلين رونو شهر أكتوبر 1948، وعرضها في مسرح مارينيي. صار اسم فيكتوريا اللقب الثاني للممثلة، بحيث توقع غالبا رسائلها بالحرفين الأولين لاسمي ماريا/فيكتوريا :MV.
2-"يلزم التوضيح،بأن مسرحية حالة الطوارئ،مهما قيل حولها،ليست بأي شكل من الأشكال اقتباسا لروايتي"(''تنبيه'' من طرف ألبير كامو،على ظهر الطبعة الأصلية لمسرحية حالة طوارئ،غاليمار،20نونبر1948).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق