السبت، 14 سبتمبر 2019


خمس قصائد
للمخرج الإيطاليّ: بيير  باولو  بازوليني
ترجمة: محمد عيد إبراهيم


بيير باولو بازوليني، شاعر ومخرج وقاص ومسرحيّ وروائيّ ورسّام إيطاليّ (1922/ 1975)، شارك في تحرير مجلة أدبية سيتاتشو (الغربال) لكنه اختلف مع مديرها لميوله الفاشية، ثم سافر إلى ألمانيا، ولبغضه الفاشية استحال شيوعياً، فسجنه النازيون، لكنه هرب عائداً إلى بلدته كاسارسا عام 1942، كتب روايته الأولى (الشريد)، لكنها صودرت لما بها من إيروسية فاضحة، كذلك أخرج عدة أفلام لكنها أيضاً مليئة بالإيروسية، خاصة المثلية، وآخرها فيلم (120 يوماً في سدوم) المعتمد على رواية الماركيز دو ساد بالاسم نفسه، وقد قُتل في حادثة سيارة، قتله مراهقون بدعوى أنه (شيوعيّ قذر).


يوم وفاتي
في مدينةِتريستي[1] أو أودين[2]،
على طولِ طريقِ الزيزفون،
وفي الربيعِ
حين يتبدّلُ لونُ أوراقِ الشجرِ،
سأسقطُ ميتاً
أشقرَ وطويلاً،
تحتَ الشمسِ اللاهبةِ،
وأُغمضُ عينَيّ،
مخلفاً السماءَ برونقها.

تحتَ الزيزفون الأخضرِ الدافئ
سأسقطُ في ظلمةِ موتي،
مشتتاً الزيزفون والشمسَ.
سيركضُ الأولادُ
الوسماءُ ناحيةَ النورِ
حيثُ أضيعُ للتوّ،
طائرين من المدرسةِ
بشعورهم المجعّدةِ على حواجبهم.


أغنية الأجراس
حينما يفقدُ المساءُ نفسَهُ في الينابيعِ
تبقى قريتي لوناً حائراً.
وإني لبعيدٌ، أذكُر ضفادعَها،
القمرَ، وهِزّةَ صراصيرها الحزينةِ،
صوتَ نجومِ المساءِ وهي تشحُب في الحقولِ.
أموتُ على أغنيةِ الأجراسِ،
غريباً، غيرَ هيّابٍ،
في طيراني العذبِ فوقَ السهولِ،
إنني روحُ الغرامِ
العائدِ إلى موطنهِ من بعيدٍ. 


أمٌ وابن
أبي على مَبعدةٍ
في رَحمِ السماءِ،
نرنّمُ إليكَ كأنهُ حلمٌ
من قلبِ الأرضِ.

تباركَ اسمكَ،
المتساقطُ من شفاهِنا
نحوَ شفاهِ إخوتنا
ليسامحونا.

أعطِنا خبزَنا كلّ يومٍ
حتى يومِ وفاتنا
حينَ ننضَمّ إلى السماءِ
ولا نحيا من جديدٍ.


لصوص
عائداً معَ أمكَ،
ألا تزالُ تحسّ بالقُبلاتِ
التي نسيتُها على شفتَيكَ
كاللصّ؟

آهٍ، كلّنا لصوصُ!
أليسَت الدنيا ظلاماً في الحقولِ؟
ألَم نسرقُ
ظلالَ شجرِ الحورِ في أكياسنا؟

ستركضُ الأرانبُ
من دونِ عُشبٍ الليلةَ،
كشفاهِنا المسروقةِ
فقبّلْ أولَ نجمٍ للمساءِ.


إلى بلادي
ليسَت شعباً عربياً، لا شعبَ بلقانٍ، ولا شعباً غابراً
بل أمةٌ حيةٌ، أمةٌ أوربيةٌ،
وماذا نحنُ؟ هي أرضُ المواليدِ، الجياعُ، الفاسدون،
يعملُ الساسةُ كمُلاّكٍ للأرضِ، كحكّامٍ رجعيين،
كمحامين حقراءَ بشُعورٍ منسابةٍ للخلفِ وأقدامٍ كريهةِ الرائحةِ،
بيروقراطيو السوقِ الحرةِ مثلَ عمّاتكَ وأعمامكَ المتعصّبين،
الثكناتُ، الملتقياتُ، الشاطئُ العموميّ، كلها فوضى دنيئةٌ!
الملايينُ من صِغارِ البورجوازيةِ كملايينِ الخنازيرِ
يدفعُ بعضهم بعضاً وهُم يرعونَ قربَ المباني المنظّمةِ
بينَ بيوتِ مزارعهم المتهدّمةِ الآنَ كالكنائسِ.
لأنكَ كنتَ موجوداً لكنكَ الآنَ لم تعد؛
لأنكَ كنتَ واعياً وصرتَ الآنَ لا واعياً.
ولأنكَ كنتَ كاثوليكياً ولم تعد تفهم
أن شرّكَ هو الشرّ كله: خطيئةُ كلّ شرٍّ.
فاغطسْ في بحركَ الجميلِ ودعِ العالمَ حراً.

ترجمة: محمد عيد إبراهيم



[1]تريستي: ميناء شمال شرقيّ إيطاليا، على البحر الأدرياتيكي. (م)
[2]أودين: مدينة تقع شمال شرقيّ إيطاليا، على حدود النمسا. (م)
(*) الرسوم الخمسة لبازوليني نفسه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق