ترجمة : محمود صبح
مراهقة
لو تأتين وتمضين بعذوبة
من طريق أخري،
الي طريق أخري،
لو أراك
ولا أراك بعد مرة أخري،
لو تعبرين من جسر
الي جسر آخر
- الخطوة قصيرة،
والنور المهزوم جذل -
فيا لي ، كيف أصير
ان نظرت الي مياه النهر تحتي
ورأيت في المرآة
عبورك ينساب ، يتلاشي .
***
الحب الأخير
حبي يا حبي ،
والنداء يرن في الفراغ
وها أنت وحيد ،
لتوها خرجت من كانت تحبنا
لتوها خرجت ،
وها هي أذرعنا ما تزال ممدودة ،
ويشكو النداء في حنجرتي،
يا حبي
اسكت ، أرجع الخطي ،
اوصد الباب بأناة
ان لم يكن قد أوصد باحكام ،
تراجع،
اجلس هنا واسترح ،
لا ، لا تصنع لضجيج الشارع
فهي لن تعود
لا يمكن لها أن تعود
لقد رحلت الي الأبد ،
ها أنت وحيد ،
لا تمعن النظر ولا تترقب
وكأنك تحل في كل شيء ،
فها هو الليل يرخي سدوله ،
ضع وجهك في يديك
اتكيء ، استرح
فها هو الظلام يلفك بعذوبة
ويمحوك بكل أناة ،
وأنت مازلت تردد الأنفاس ،
نم أن تستطع
نم قليلا قيلا وشيئا فشيئا
مرتخيا منحلاً في هذا الليل الذي
يضمك شيئا فشيئا ،
أفلا تصغي لي ،
لا ، انك في صمم
وانك السكون المطلق
آه ، أيّها النائم ، آه
آه ، أيها المهجور ، آه
آه ، ليت أني أقدر علي ألا استيقظ ابدا .
كلمات الفراق
كلمات المرارة
أجل ، أنا بذاتي وليس غيري ،
سمعتها
حين كانت ترن كالأخريات
كانت تؤديّ النغم ذاته
كانت ترددها الشفاه ذاتها
الشفاه ذات الحركة ذاتها
لكنها لم تكن تتغني
فالكلمات من قبل كانت تتغني علي شفاهها ،
أواه ، ليتها كانت نغما ساجيا
لكنت اصغيت اليها وأنا في الحلم
والعيون مغمضة،
غير أنيّ سمعتها
كان نغمها النهائي مثل صرير مفتاح
لدي اغلاق الباب
سمعتها وبقيت في مكاني أبكم بلا حراك
سمعت خطواتها تبتعد
ثم أغلقت الباب بصمت
وجلست بلا بكاء ولا أنين هادئا
بينما كان الليل يحلّ ليلا طويلا
وأسندت رأسي علي يدي
وقلت ....
لم أقل شيئا
حركت شفتي بنعومة
بنعومة عذبة
ورسمت بهما الشكل الأخير لثغرها
هذا الذي لن أناديه من بعد أبدا
لأنه كان الحب الأخير ،
أفما تدري ؟
كان الأخير ،
نم ، أسكت
كان الأخير ،
وها هو الليل ....
***
لمن أكتب ؟
لمن أكتب ؟
يسألني المراسل او الصحفي او الطفيلي،
لا أكتب للسيد صاحب البدلة الممطوطة
ولا لشاربه الغاضب
ولا حتي لمؤشره الواعظ النشاز
بين موجات الموسيقي الحزينة،
ولا أكتب للعربة ولا لسيدتها المحتجبة
(من بين الزجاج، مثل شعاع بارد،
لمعان منظاريها)
أكتب لمن لا يقرأونني ،
لهذه الامرأة التي تعدو في الشارع
وكأنها تمضي لتفتح أبواب الصبح ،
أو لهذا الشيخ العجوز الذي ينام
فوق مقعد هذه الساحة الصغيرة
بينما شمس الغروب بحنان تخيم فوقها،
فتحيط به وتلفّه بشعاعها الناعم ،
أكتب لجميع الذين لا يقرأونني
من لا يعنون بي
ولكنهم يحذروني (مع أنّهم يجهلونني)،
أكتب لهذه الطفلة التي كلما مرت بي تنظر الي
فهي رفيقة مغامرتي بالعيش في هذه الحياة ،
ولهذه المرأة العجوز التي، وهي جالسة علي باب دارها،
قد رأت الحياة،
فهي أمّ ولود لأرواح كثيرة وأيد تعبة،
أكتب للعاشق
لمن مرّ والهمّ في عينيه
لمن لم يسمعه
لمن لم ينظر حين مر
وأخيراً لمن وقع سأل ولم يسمعوه،
اكتب للجميع
أكتب خصيصا لمن لا يقرأونني
منفردين أو مجتمعين،
أكتب للصدور والأفواه والآذان
حيث، دون أن تسمعني، تكون كلمتي.
***
لكنني أكتب كذلك للقاتل
لمن ارتمي فوق صدر ، مطبق العينين،
فابتلع موتا وتغذي ثم نهض وقد جّن،
أكتب لمن هوي من المهانة كبرج
فمال علي العالم ،
أكتب للنساء الميتات
وللأطفال الميتين
وللرجال المحشرجين،
أكتب لمن فتح في صمت مفاتيح الغاز
فهلكت المدينة بأسرها
فبزغت كومة من الجثث،
أكتب للفتاة البرئية
بابتسامتها
بوسامها الغّض
حيث عبر جيش من الغزاة،
ولجيش الغزاة الذي
بغارة أخيرة مضي ليغرق في المياه،
ولهذا المياه وللبحر اللامحدود،
لا ، ليس للامحدود بل للبحر المحدود
بحدوده الانسانية
كصدر حيّ ،
(الآن يدخل ، طفل يسبح،
فالبحر وقلب البحر في هذا النبض)،
أكتب للنظرة الأخيرة
للنظرة الأخيرة المحدودة جداً
حيث ينام في حلمها أحدنا ،
جميعنا ننام
القاتل والمظلوم،
الوالد المدبّر والوليد ،
المرحوم والنديّ،
جاف الارادة والمقنفذ كالبرج ،
أكتب للمهدد والمهدد ،
للطيب والحزين ،
وللصوت من غير مادة
أكتب لك أيّها الإنسان غير المؤله،
فأنت وان لم ترد رؤية هذه الحروف ،
تقرأها ، تقرأ هذه الحروف،
فلك ولكلّ ما يحيا فيك
أنا أكتب .
................
المصدر : مختارات من الشعر الاسباني المعاصر، ترجمة الدكتور محمود صبح ، دار الشؤون الثقافية العامة، وزارة الثقافة والاعلام ، العراق - بغداد ، الطبعة الثانية 1986.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق