الاثنين، 19 سبتمبر 2016

مفاوضات مع الموتي : مارجريت أتوود

تأملات كاتب حول الكتابة
ترجمة: عزة مازن





(....) أن نسجل العالم كما هو. أن نكتب الماضي قبل أن يذهب جميعه طي النسيان. أن ننقب عن الماضي لأنه قد غمره النسيان. أن اشبع رغبتي في الانتقام. لأنني أعلم أنه لابد أن أواصل الكتابة وإلا أموت. لأن الكتابة تعني المغامرة، وبالمغامرة وحدها نعرف أننا علي قيد الحياة. كي نضفي النظام علي الفوضي. كي أبهج وأعلم (وهو ما لم يعد يحدث غالباً بعد بداية القرن العشرين، أو ربما يحدث ولكن ليس بهذا الشكل). كي أسعد نفسي. لأعبر عن ذاتي. لأعبر عن نفسي في جمال. كي أبدع عملا فنيا كاملاً. كي أكافي الأخيار وأعاقب المذنبين، أو العكس، كما جاء في دفاع ماركيز دي ساد، الذي يستخدمه الساخرون. كي أرفع مرآة في مواجهة الطبيعة. كي أرفع مرآة في مواجهة القارئ. كي أرسم صورة للمجتمع ومساوئه. كي أعبر عن المسكوت عنه في حياة العامة. كي أسمي ما لا اسم له. كي أدافع عن الروح الإنسانية واستقامة الإنسان وكرامته. كي استهزئ بالموت. كي أكسب نقوداً أشتري بها أحذية لأولادي. كي اكسب نقوداً أستطيع بها أن أسخر ممن سبق وسخروا مني. كي ألقن الأوغاد درساً. لأن الإبداع شيء إنساني. لأن الإبداع تشبُه بالإله. لأنني أكره فكرة العمل في وظيفة. كي اقول كلمة جديدة. كي أفعل شيئاً جديداً. كي أخلق وعيا قوميا، أو ضميرا قوميا. كي أبرر فشلي في الدراسة. كي أبرر رؤيتي لنفسي وحياتي، فلا يمكن أن أكون كاتباً دون أن أنجز بعض الكتابة. كي أجعل نفسي أكثر جذبا للآخرين مما كنت عليه. كي أحظي بحب أمرأة جميلة. كي أحظي بحب أي أمرأة علي الإطلاق. كي أحظي بحب رجل وسيم. كي أصوب عيوب طفولتي البائسة. كي أخيب أمال والدي وأحبطهما. كي أغزل حكاية رائعة. كي أسلي القارئ وأسعده.كي أسلي نفسي وأسعدها. كي أمضي الوقت، مع أنه كان سيمضي بحال من الأحوال. ولع مجنون بالكتابة. ثرثرة قهرية. لأنني أجد نفسي مدفوعاً إليها بقوة خارج إرادتي. لأن بي مساً. لأن ملكاً يملي عليّ ما أكتب. لأنني وقعت في قبضة ربات الفن. لأنني أحمل في أحشائي طفلاً من ربات الفن وأرغب أن ألد كتاباً ( وهو جانب ممتع من كتابات تبادل الجنس التي انغمس فيها الكُتاب الرجال في القرن السابع عشر). لأن لدي كتباً بدلاً من الأطفال (وهو ما يردده كثير من نساء القرن العشرين). كي أخدم الفن. كي أخدم اللاوعي الجمعي. كي أخدم التاريخ. كي أبرر ما يفعله الله بالإنسان. كي أتقمص الأفعال المناهضة للمجتمع والتي كان يمكن أن أعاقب عليها في الحياة الواقعية. كي أتقن حرفة يمكنني بها أن أنتج نصوصاً. كي أزعزع المؤسسات الراسخة. كي أعلن أن كل ما يحدث هو صواب. كي أجرب أشكالاً جديدة من الإدراك الذهني. كي أبتدع خدوراً للتسلية يدخلها القارئ ويستمتع (مترجمة عن صحيفة تشيكية). لأن القصة تمسك بتلابيبي ولا تتركني (دفاع البحار القديم). كي أفهم نفسي وأفهم القارئ. كي أتغلب علي انقباض نفسي وحزنها، من أجل أولادي. كي أفضح الأخطاء أو الفظائع المروعة. كي أسجل العصر الذي أعيشه. كي أشهد علي الأحداث المرعبة التي عشت بعدها. كي أتحدث نيابة عن الموتي. كي أحتفي بالحياة بكل تعقيداتها. كي أمدح العالم. كي أفسح مجالاً للأمل وخلاص الإنسان. كي أرد بعضاً مما وهبني إياه الآخرون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مفاوضات مع الموتي: تأملات كاتب حول الكتابة، مارجريت أتوود، ترجمة وتقديم: عزة مازن، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلي للثقافة،الطبعة الأولي 2005، ص 23:22.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق