السبت، 20 يناير 2018

جورج ويا : أيها الرائع،ابق مثلما أنت!
بقلم: سعيد بوخليط
أخرجت أدغال إفريقيا الناعسة، من جوفها، وأنجبت أزقة مدائنها المنهكة فقرا وتعبا وتسلطا واستنزافا؛ دون استشراف وفي غفلة عن كل ممكنات الوقائع مجموعة من مهرة كرة القدم،الذين رسموا  بأقدامهم  أجمل اللوحات؛ فأسعدوا بكل سخاء وعفوية،الإنسان الإفريقي المنهك، المقهور بوقائع يوميات بربرية العسكر، وشراسة عنف شرذمة المستغلين الذي لايضاهى جشعه؛ وما يستتبع ذلك من مختلف تجليات الإذلال والاستعباد والحرمان.
وبقدر ما شكلت كرة القدم،بالنسبة للاعب الإفريقي بداية ،مجرد متعة عابرة،هروبا من شقاء طفولة غير رحيمة بتاتا؛ ثم سبيلا لا مناص منه ثانيا،فتصبح مسالك الكرة اختيارا واعيا تحكمه طموحات بعيدة؛فإنها تصير بعد ذلك نموذجا إنسانيا، ملهما القادمين مستقبلا.ربما اهتدوا،فوجدوا قبسا من نور شعلة، وسط تيه حلكة مدائن وصحارى  قارة؛تكالب عليها أعداء الأمل والحياة على الدوام،فاغتالوا ما شاءوا، وقتلوا ما قتلوا،واجتثوا ينابيع ما أرادوا .  
بالتأكيد،تاريخ الذاكرة الكروية الإفريقية؛مفتوحا باستمرار،قدر الثراء الجغرافي للقارة السمراء.بالتالي،يكفي من باب التمثيل الإجرائي لا غير،استحضار أهم الأسماء النموذجية: العربي بن مبارك (المغرب) ،طارق ذياب(تونس) ، رابح ماجر(الجزائر) ،روجيه ميلا(الكامرون)،عبيدي بيليه(غانا) ،محمود الخطيب(مصر)،حسام حسن(مصر) ،محمد التيمومي(المغرب) ،عبد المجيد الظلمي(المغرب)،كالوشا بواليا(زامبيا).كي نستوعب في المجمل،الإطار الاتيقي والخريطة الجينية للاعب الإفريقي :الموهبة الفطرية،المهارات الذاتية المذهلة،القدرة على التحمل،العصامية،البساطة والتواضع،الروح الرياضية،العمق والامتداد الشعبيين.
جورج ويا،موضوع حديثي هذا،يتأصل ضمن نسق لتلك الزمرة اللامعة،لكنه سيتميز عنهم حقيقة أكثر في مساره؛مما أهله سنة 1995للفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم ،فاستحق عن جدارة الكرة الذهبية؛ثم تتويجه لثلاث مرات بمرتبة أحسن لاعب إفريقي.أيضا،من جهة أخرى،يعتبر الكروي الوحيد الذي استطاع الارتقاء إلى أعلى منصب قيادي في هرم الدولة؛بحيث سيقود هذه المرة بلده ليبيريا سياسيا،بعد انتخابه مؤخرا من طرف الشعب،بمناسبة الاستحقاق الرئاسي،بنسبة 61.50% ،مقابل 38% حصل عليها منافسه بواكاي.
انتخابات تبقى استثناء نادرا جدا،قياسا لإفريقيا استأنست فقط على بشاعة دوامة الانقلابات الدموية ،ومرتكزات أنماط حكم توتاليتارية ذات شرعية قروسطية :أسرية وقبلية وعشائرية وأوليغارشية وتيولوجية ،مما حكم على قارة الرؤى الحكيمة ل: بن بركة ومانديلا  وعبد الناصر وبن بلة و ليوبولد سيدار سنغور وجوليوس نيريري و نيكروما و لومومبا ،كي تتخلف للأسف تاريخيا بآلاف السنين،عن أفق الوضع الذي بلغته راهنا،الأنساق المجتمعية للديمقراطيات المعاصرة.
رقمان معقولان،احترما ذكاء المواطن الليبيري،المتعطش للحرية والحياة بمفهومها المتكامل؛مما يؤكد بأن الانتخابات مرت وفق أجواء سليمة ونزيهة،راهنت كليا على الشرعية الدستورية والتناظر والمنافسة والاستحقاق المشروع.بمعنى،تلك القيم التي استلهمها وكرسها جورج ويا،منذ شبابه المبكر بكيفية أخرى فوق أرضية أرقى الملاعب الأوروبية،متباريا بكل ثقة مع منافسين أقوياء،امتلكوا كل المقومات الفيزيائية والنفسية والمادية.هكذا، جاءت أولى برقيات الثناء، من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ثم رئيس بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي.
إذن ابتداء من يوم  22 يناير،سيتقلد جورج ويا(51سنة)،رسميا مهمته الجديدة. سيمكث في القصر الرئاسي لمدة ست سنوات،خلفا للسيدة إدلين جونسون سيرليف،الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2011 ،والمرأة الوحيدة التي أشرفت على إدارة شؤون بلد إفريقي.للتذكير فقط،سبق لمهاجمنا الرائع،الترشح لأول مرة عام 2005 ،لكنه أخفق. ثم لاحقه ذات الإخفاق سنة 2011 ،حينما تنافس على منصب نائب الرئيس.  
ابن الفقراء الفذ،المنتسب إلى أسرة تألفت من اثنتي عشرة طفلا،صقل أولى مواهبه بين دروب مدينة مونروفيا العاصمة الليبرالية،ثم صار بكده وعمله الدؤوب،فخرا لإفريقيا مثلما وصفه الأيقونة نيلسون مانديلا.فهل يواصل عطاءه وإشعاعه،وقد تحول إلى ميدان السياسة بكل ما تطويه الكلمة عموما حسب دلالاتها في إفريقيا والعالم المتخلف،من جرائم في حق الشعوب؟أم يحافظ لا محالة على منظومة القيم الكبرى،التي استشرفها منذ الصغر بالعرق والسعي الطموح.طبعا،لن تكون المهمة سهلة في حدودها اليسيرة أو القصوى نظرا لعوامل عدة،لا داعي للخوض فيها.لكن، ما يشكل ربما حصنا حصنا،لجورج ويا،يكمن في السمعة الرمزية التي راكمها نوعيا داخليا وخارجيا.    
أولى كلمات السيناتور جورج،بعد فوزه،مخاطبا مواطنيه،جاءت كما يلي : ((بعاطفة كبيرة أريد أن أشكر الشعب الليبيري على اختيارهم لي،يا له من أمل كبير…. يمكنكم أن تثقوا بي لأنني أعرفكم وأنتم تعرفونني،علينا أن نشيد من جديد بنيتنا التحتية،وعلينا إعادة أطفالنا إلى المدارس،شعبنا يحتاج للخروج من الظلاميمكنني القول علنا أن الطريقة الفضلى للاحتفال بالليبيريين هي بتحسين حياتهم.واليوم أعلن أن تحسين حياة الليبراليين تعتبر مهمة استثنائية إن الذين سيختارون في الحكومة سيكونون مكرسين لفكرة العمل من أجل الفقراء والتحول الاجتماعي)).
مما لاشك فيه،أن سيرة جورج ويا،أكدت سلفا تمتعه بنزعة إنسانية عميقة،فكان يتبرع بأمواله لمساعدة اللاعبين الفقراء،ويتكفل بمصاريف رحلات منتخب بلاده،كما ظل من الشخصيات الفاعلة في مجال الأعمال المجتمعية وتعاونه مع صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة.
لأجل ديمومة ذلك،أتمنى حقا، أن لا يحترف جورج ويا،هذه المرة اللعب داخل مضمار مكائد دهاليز السياسة؛كي لا ينحرف عن مثال ويا،المحترف لرياضة كرة القدم،فأبهج قلوبنا سنوات أواخر الثمانينات وطيلة التسعينات.
بالتالي،أيها الرائع جورج ويا وفخر إفريقيا؛كما نعتك ''ماديبا''أي مانديلا الرجل الكبير والمحترم : ابق مثلما أنت،كبيرا ومحترما.  
 http://saidboukhlet.com/     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق