الأحد، 14 يناير 2018

 حوار مع كاترين كامو*
ترجمة : سعيد بوخليط
saidboukhlet.com

تقديم :من أجل قياس مدى إشعاع خطاب ألبير كامو،فلا أحد بوسعه أن يكون مرجعية مثلى أفضل من الموقع الذي تشغله ابنته كاترين.المؤتمنة على آثاره وذاكرته،وهي التي تتلقى كل شهر عشرات الرسائل من قراء ينتمون لجنسيات مختلفة،كي يخبروها بأهمية كامو بالنسبة لحياتهم.داخل المنزل الذي اشتراه كامو في عمق قرية"لورمارين''،عند قدم السلسلة الجبلية"لوبرون"،كي يعثر ثانية على أجواء البحر الأبيض المتوسط،التي حظي بها فترة شبابه،تعيش كاترين محاطة بزمرة من الكلاب والقطط.ثم ألكسندر الذي يساعدها في مكتبهما المشترك المتواجد في طابق أرضي لبيت ريفي مضياف ودون تباه،من أجل تفعيل آثار والدها. منذ سنة1980 وعقب موت والدتها فرانسين،صارت كاترين ذات التكوين المعرفي في مجال المحاماة المالكة الفعلية لحقوق ألبير كامو.مهمة مرهقة،مثلما تصفها،سواء نتيجة مجمل العمل الذي ينبغي إنجازه وكذا قيمة هذا الأب الشهير :((لقد خشيت دائما أن لا أكون عند المستوى المطلوب،حتى لا يقال بان ابنة كامو بلهاء،والخوف من تخييب ظن قرائه الذين يحبونه)).لكن حينما تستعيد كاترين شريط : ((سبع وثلاثين سنة في محلها هذا)) ،مجندة لخدمة ما خلفه والدها من متون ،نراها سريعا ،تشرع في  الكشف عن التماسات عديدة تبرز السمعة العالمية لألبير كامو،وكذا سعادتها بالانكباب على بعث نصوص تمنح : ((الشخص الشجاعة والأمل)). 
س- ماهي نوعية الطلبات التي يلزم صاحب حقوق إرث ألبير كامو الإجابة عنها؟
ج-وددت لو أتمكن من أن اشرح لكم ببساطة ما يرتكز عليه عمليلكن عندما أتواجد في مكتبي،صباحا،يكون من المستحيل تصور وتيرة يومي.ضمن عشرين طلبا أتلقاها كمعدل يومي،يَرِدُني كل شيء متصل مباشرة بالإشراف على مؤلفات أبي،الترجمات،عرض مسرحياته،الاقتباس السمعي البصري،استعمال الأرشيفات،إلخ.لكن أيضا تصلني التماسات غير منتظرة وأحيانا مؤثرة إلى أقصى حد.أستحضر مثلا رسالة أستاذة روسية تدعى "أولان-أود'' من منطقة سيبيريا الشرقية،تخبرني من خلالها بأن مسرحية سوء تفاهم ستعرض على ضفاف بحيرة بايكال بمناسبة ذكرى مئوية ولادة أبي. أجبتها بخطاب،قرئ احتفالا بتلك المناسبة.
س-ماهي المعايير التي تستندون عليها للإقرار بموافقتكم أو عدم تفاعلكم معها؟
ج-أحاول التحلي بالموضوعية، لكني أعلم جيدا بأني لن أكون كذلك مادام الأمر يتعلق بأبي،وأحبه.يعتبر حق تفويض التصرف في الإرث،قسرا اعتباطيا.أقوم بواجب التصدي والحيلولة دون أي توظيف تعسفي لنتاج وكذا صورة أبي.قبل ثلاث سنوات،التجأت شركة سويدية تصنع اللٌّعب الجنسية،إلى استلهام إحدى مقولات ألبير كامو،وهي تود الإعلان عن إشهار لإحدى منتجاتها،لكني اعترضت على بثهامثلما أن الاستشهاد كان خاطئا !غير هذا،لا أتردد في منح ثقتي،ما إن يبدو لي الملتمس صادقا.حينما يطلب ممثلون هواة الترخيص كي يؤدوا عرضا مسرحيا لإحدى مسرحيات أبي أمام الجمهور،أجيب دائما بالموافقة. ربما كنت كل شيء سوى أن أقوم بدور كاهنة الإلهة فيستاvesta،أوحارسة معبد،مادام أبي نفسه،جسَّد نموذجا معارضا مطلقا لزعامة طائفة ما،وأستاذا بخصوص اعتقاده على هذا المستوى.بعيدا على أن يكون سعيي بديهيا،مع ذلك أبذل قصارى جهدي كي أستحق قيم الإنسانية والأخوة،التي يقدمها عمل كامو إلى العالم قاطبة.
س-يتجلى هذا الصدى الكوني في الطلبات التي توجه إليكم؟
ج- منذ أربعين سنة تقريبا مدة امتلاكي حق التصرف في حقوق أعمال أبي،وأنا أتبين كل يوم،حضور ذلك،كما أن صفحة الفيسبوك المخصصة لألبير كامو التي أشرف عليها بصحبة مساعدي،صارت تمنحنا فيما بعد مقياسا لمدى هذا الإشعاع العالمي.بالتالي،مندهشة ومتأثرة،وأنا ألاحظ عمل وشخصية أبي يخاطبان جل الحضارات.من الولايات المتحدة الأمريكية،لكن أيضا أمريكا الجنوبية،وإفريقيا،والهند، واليابان،أتلقى كثيرا من رسائل القراء،شبابا أو أصغر سنا،كي يخبروني بأن كامو غير مجرى حيواتهم.لو استجبت سنة2013،بمناسبة الذكرى المئوية لولادة أبي،لكل الدعوات التي تلقيتها من أجل حضور تظاهرات مخلدة،لزرت وقتها كل أنحاء العالم !لكن يبقى الاستثناء بالنسبة لإحدى الدول الكبرى والتي لم تنظم داخلها أية تظاهرة رسمية احتفالية،ذات أهمية وطنية،أقصد تحديدا فرنسايواصل أبي إزعاج البعض عندنا،وهو معطى يسعدني بالأحرى.
س-لقد ساهمتم بأنفسكم في رعاية هذا الحضور لمؤلفات ألبير كامو بالعمل على نشر نصوص لأول مرة.مسؤولية جسيمة  
ج-في الواقع، جامعيون ومختصون آخرون في عمل أبي لا يترددون من جهة أخرى على إشعاري بذلك.لكن، من جانبي، أفكر أولا في القراء.لذا توخيت خلال فصل الخريف المبادرة إلى إصدار المراسلات العاشقة بين ألبير كامو والممثلة ماريا كاساريس، فقد وجدتها نصوصا رائعة، وكذلك أن لاينتهي الجمهور الكبير إلى نسيان ماريا، المرأة المذهلة بموهبتها وكذا نبلها.قرار اتخذته، مثل دائما، بالقلب والبطن أكثر من الرأس.حينما  أردت سنة 1990، إصدار كتاب  : le premier homme ،الذي اشتغل عليه أبي خلال فترة اقتراب رحيله عن هذا العالم،قاومت تحفظات العديد من الشخصيات، القريبة مني،التي اعتبرت بأن إخراج مسودة غير تامة سيعمل على تشويه صورة ألبير كامو.اهتمت أولا غاليمار بطبع ألفي نسخة،لكن لم يمر أسبوع واحد على نشر العمل خلال فصل ربيع سنة 1994،حتى اقتضى الأمر طبعة جديدة. منذ ذلك الحين،استحوذ مضمون هذا الكتاب على قراء من العالم قاطبة،فقد انكب كامو بين طياته عبر تخيل مزدوج،على استعادة شبابه ومساره.فأن يبذل الجمهور الكبير كل ما في وسعه بهدف اقتحام نص غير مكتمل،مما يفترضه ذلك حرمانا من حق،هذا إشارة بالنسبة إلي على أن الأفراد يحبون بعمق نصوص أبي.
س- ما الذي يفسر بحسبكم، جوهريا،اقتحام هذه النصوص ليس فقط للحدود،لكن كذلك الزمان؟
ج-يبدو إلي،كي أشرح الأمر بكل بساطة،أنه مهما كانت اللغة والسياق التاريخي اللذين نقرأ  في إطارهما،نصوص أبي،فهي تخلق الجيد. تقدم صيغة تسلية معنوية، وتمنح الأمل ثانية إلى الإنسان.تكلم كامو من الكائن الإنساني مخاطبا الكائن الإنساني.والحال أن الإنسان،لم يتغير وجوده في العمق تماما، منذ حقبة الصيد والقطف لما قبل التاريخ.أيضا، تتجاوز رسالة أبي مختلف الثقافات، وكذا تعاقب التكنولوجيات والإيديولوجيات.يظل فكره مترسخا جوهريا في الحقبة الاجتماعية والسياسية :من المؤثر ملاحظة أن مواقفه المتخذة ضد الظلم والقهر شكلت،في ظل الأنظمة الاستبدادية اليوم كالأمس،إلهاما أساسيا بالنسبة للعديد من المعارضين المناضلين في سبيل استتباب الديمقراطية.هي وضعية فترة الحرب الباردة في بلدان المعسكر الشيوعي،كنت متأثرة حينما شارك هنغاريون في الثورة المناهضة للاتحاد السوفياتي في بودابست سنة 1956 ثم قدموا إلى ''لورمارين''سنة 2006،بعد مضي خمسين سنة على الحدث كي يضعوا على قبره باقة تقول :((إلى ألبير كامو،تعترف هنغاريا بالجميل)).راهنا، وفي بلدان الشرق تلك،يستشهد باسم كامو المعارضون للطبقة الحاكمة الذين تحولوا إلى الشعبوية، بعد نضالهم السابق ضد الشيوعية.أوصاف وعبارات لكامو كانت أيضا حاضرة تلوح بها أعلام صغيرة رفعها المتظاهرون فترة "ثورة المظلات"في هونغ كونغ سنة 2014،التي فضحت تصلب الوصاية الصينية.وعلى صفحتنا في الفيسبوك،تنهال علينا منذ شهرين مئات الرسائل من تركيا،بعث بها مدونون على الأنترنيت بالإشارة إلى كامو بخصوص مقاومتهم للسلطة المطلقة التي يتوخى أردوغان توطيدها.أحيانا أشعر وأنا أتيه بين تفاصيل عمل يقتضي اشتغالا مثابرا،سيبقى بالرغم من كل حبي لأبي، نتاجا ليس لي.لكن حينما أقرأ هذه الرسائل المتأتية من تركيا أو أمكنة أخرى،أتذكر بأن مقولات الأخوة التي أساهم في تعميمها تتجاوز أهميتي الفردية كثيرا.
* المرجع :
Charles Giol : les hors-serie de l obs 
Numéro 97 ;pp :73 -75.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق