للشاعر
الأمريكي:و. س. مروين
ترجمة:
محمد عيد إبراهيم
W. S. Merwin: ولد في نيويورك عام 1927. عاش بين إسبانيا وإنجلترا وفرنسا
والمكسيك. من كتبه: "التلميذ" 2001، وهو ترجمة "مطهر" دانتي،
"خرير النهر" 1999. نشر ديوانَين من قصائد النثر: "منجم الأطفال
الشاحبين" 1970، "بيوت ومرتحلون" 1977، أُعيد نشرهما في 1994. يعيش
في هاواي.
بداية
متواضعة
عندما تعلّم كيفَ يقتل
أخاه بحجرٍ، تعلّم كيف يستعملُ الحجر ليبدأ صنعَ السلالم. تبعاً لهذين السرّين
شكَرَ الحجر.
اهتمّ بالحجرِ لاحقاً.
وكان يحتفظ على الدوام بسرّ ما عليه أن يفعله. لم يُلمّح كثيراً إلى ما فعله تواً.
عليه أن يحفظَ أسراره الأخرى. سقط على ركبتيه إزاءه ثم لمسه بجبهته، بعينَيه،
بأنفه، بشفتيه، بلسانه، بأذنَيه.
ظنّ الحجرَ خالقَه. ظنّ
ذلك.
(1970)
حذاء
داخاو[1]
كان لابن عمي (له ابن عم
ثانٍ فقط) حذاءٌ نالَه من داخاو. حذاءٌ جميلٌ بالٍ. لم يكن من نوعيةٍ ممتازة في
المقام الأول، هكذا فَسّرَ. فالنعلُ مشقّقٌ منفصل سائباً عن الجزء الأعلى من
الجانبين، والجزء الأعلى منشطرٌ عن كتلةِ القدم. وليسَ به رباط ولا كعب.
يوضح أنه لم يسرقه فهو
ليهوديٍّ ماتَ. يوضح أنه ودّ شيئاً بسيطاً. يوضح أن الروس قد نهبوا كلّ شيءٍ.
أخذوا أيّ شيءٍ. يوضح أنه لم يكن من نوعيةٍ ممتازة ليبدأ به. يوضح أن الحرس أو
الكابو[2]
كانوا سيأخذونه لو به منفعة. يوضح أنه محظوظ أنه نال أيّ شيءٍ. يوضح أنه ليس خطأً
فالألمان هُزموا. يوضح أن أيّ امرئ كان يلقط أيّ شيءٍ. الكثير من الإخوة كان يريد
راياتٍ أو خناجرَ أو أوسمةً أو أشياءَ من هذا القبيل، لكن هذه النوعية لا تشدّ
انتباهه كثيراً. احتفظ به على رفّ الموقد فترةً موضحاً أنه لم يكن غنيمةً.
يوضح أنه لا يجدي أن يكونَ
انتقامياً. يوضح أنه لم يكن. لم يكن مثالياً لأيّ امرئ. كنا نشاركه أحدَ الأجدادِ
الألمان فعلياً. لكنه يوضح أنه سببُ أن رحنا نقاتلُ في تلك الحرب. فما حدث في
داخاو جريمةٌ لن نسمحَ لها بالعبور. لكنه يوضح أننا لم نكن نفعل شيئاً لنوقفَها
والحربُ دائرةٌ، كان علينا أن نكسبَ الحربَ بدايةً. يوضح أننا لم نفعل ما نحبّ أن
نفعله. يوضح أن الروس قتلوا أيضاً الكثير من اليهود. وبعد عامين أَبعدَ الحذاء في
أحد الأدراج. يوضح أن الغبار تجمّعَ عليه.
هو الآن في قبوٍ بصندوق.
يوضح أن التدفئة المركزية شقّقَته أكثر. سيُظهره، مع ذلك، في أيّ وقتٍ تطلبه.
يوضّح حالَته. يوضح أنه يصعُب أن يُريه له. يوضح كانت تمطر، ولم يكن هناك الكثيرُ
حين أخذَه. يوضح أنه لم يجد شيئاً ذا قيمة ولا يريد أن يلمحوه وهو يأخذ أيّ شيء،
إن كان ثمة شيء. يوضح أن كلّ ما بالداخل كان له رائحة. يوضح كم كان راقداً في الخارج
بالطين، ربما كما كان وقت خلعه. يوضح أنه ودّ أن يحتفظ به. بشيء مثل هذا.
عليك أن تذهب حقاً لتراه.
سيريك إياه. كل ما عليك أن تسأل. لم يكن حذاء جذاباً وأنتَ تنظر إليه، لكنك ستعرفُ
الكثيرَ من تفسيراته.
(1970)
سَجّاننا
يعتادُ سجّاننا وضعَ مصيدةِ
فئرانٍ في زنازين المحكومين بلياليهم الأخيرةِ. زنزانتُنا جيدةٌ؛ الفئرانُ نادرةٌ
ولا تشرُد كثيراً في الزنازينِ المشغولةِ. والسجّانُ يراقبُ المساجين.
وللدهشةِ، يقولُ، نرى قليلين
غيرَ مبالين بحضورِ المصيدةِ طيلةَ الليلِ. قد ينغمسُ عددٌ أكبرُ فيجلسونَ إليها
محدّقين، سواءً شغلَت أو لم تشغلْ أفكارَهم بانتظامٍ. سجّلَ نسبةً ستُحرّر
المصيدةَ، سواءً للتوّ أو بعدَ فترةٍ طولُها متفاوتٌ. ولديهِ إحصاءاتٌ أخرى عمّن
سيُهشّمُ قصداً المصيدةَ، عمّن سيحرّكُها (نحو بقعةٍ مفتَرَضةٍ، أقربَ احتمالاً)، عمّن
سيضعُ علامةً بالحائطِ لو اصطيدَ بالمصيدةِ فأرٌ، وعمّن سيضعُ علامةً إن لم يؤسَر
أحدٌ، إما لتبيانِ الحقيقةِ أو ليُسلّموهُ تُراثاً، كانتصارٍ صغيرٍ، أو
كذبةٍ.
وشهراً بعدَ شهرٍ، سنةً بعدَ
سنةٍ، يراقبهُم. كما نراقبهُ. ونراقبُ الآخرين.
(1970)
الطفل
الوحيد
يرتّبُ الطفلُ الوحيدُ
أمامَهُ ألعابَهُ.
"تعالَ، معي
العَب"، يقولُ لكلّ مَن يدنو منهُ. "تعالَ لترَي كلّ ما عندي من
ألعابٍ".
لكنهم ينصرفون عنهُ.
فيهشّم أُولَى هذهِ
الألعابِ.
ثم يجيءُ أطفالٌ آخرونَ
للمعاينةِ والعَونِ، وقتالِ من يُحطّمُ ألعابَهُ.
إن لم يكُن للطفلِ الوحيدِ
ألعابٌ، لصَنَعَها.
(1977)
ترجمة: محمد عيد
إبراهيم
اللوحات
للفنان الإيطالي: جورجو دي كيريكو
الترجمة جميلة فى معظمها والإختيار موفق .. شكراً لكما
ردحذف