حوار مع محمد بنيس :
يلزم الإقرار بالحق في الشعر
ترجمة : سعيد بوخليط
تقديم :كان الطفل محمد بنيس يستمع إلى
القصيدة التي تنشدها جدته وسط المنزل العائلي في مدينة فاس، يتهدهد على أصوات وإيقاعات
هذه القصائد، ولم يتوقف منذ تلك الحقبة عن ترويض الكلمة والقول.ثم
بين رفوف مكتبة القرويين،الجامعة الشهيرة بفاس،انكب على قراءة الشعر العربي. هكذا،امتلك الذائقة وشرع بدوره
يكتب،ساعيا مع مرور الوقت صوب وجهة تطوير فنه.فكان منجز قصيدته باللغة العربية.
يعتبر بنيس البالغ حاليا واحد
وستين عاما،أكبر شاعر مغربي لازال على قيد الحياة.ترجمت نصوصه إلى اللغات التركية،والسلوفينية،
والبرتغالية، والرومانية، والهولندية،والإسبانية، والفرنسية، واليابانية، والإنجليزية،
والإيطالية….حصل على عشرات الجوائز منها جائزة فارس
الفنون والآداب الممنوحة من طرف الدولة الفرنسية، ثم جائزة فيرونيا الإيطالية، أو
أيضا جائزة العويس الإماراتية تثمينا لمختلف عناوين نتاجه.
ناهزت نصوصه مايقارب ثلاثين إصدارا،
تنوعت بين الشعر،والنثر.عرفت مجموعاته الشعرية، نجاحا
كبيرا :"نهر
بين جنازتين"،"شيء عن الاضطهاد والفرح"، "صحراء على حافة
الضوء".نفس الأمر ينطبق على دراساته النقدية،
مثل : ''الحق في
الشعر''، ''الشعر العربي الحديث".أيضا، ترجم قصيدة ستيفان
مالارميه :'' رمية نرد''،وكذا أعمال الكاتب التونسي عبد الوهاب المؤدب
والشاعر الفرنسي جاك أنصي.
محمد بنيس الأستاذ بكلية الآداب في
الرباط، بادر أواسط سنوات الثمانينات، صحبة فريق من المثقفين إلى تأسيس دار النشر
توبقال.
إنه الشخص الذي نجح في إقناع
اليونسكو بالإعلان عن يوم عالمي للشعر،الذي يُخلد كل يوم 21مارس 1999.أيضا،أطلق مبادرة تأسيس بيت للشعر
في المغرب.
حينما حضر محمد بنيس إلى الجزائر
قصد المشاركة في تظاهرة :محمود درويش، حياة قصيدة.صادفناه
داخل المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر،بصدد تأمل العديد من اللوحات.
س- كيف هي وضعية القصيدة في
المغرب؟هل حافظت على نفس الخاصية كالسابق؟أم تغيرت الثيمات؟
ج-ارتادت اليوم القصيدة المغربية
فضاءات جديدة. لقد تأتى
لها، تقريبا،تمثُّل فضائها الخاص. تلتقي أجيال عدة حول هذا البحث المنفتح على ثقافات شعرية واتجاهات
أخرى في ذات الوقت،وأجد بأنه من المحفز جدا رؤية شباب منفتح على الآخر.ثم
الأهم حضور الصوت النسائي،مما أرسى لبنات معطى جديد.سياق ميز العقد الأول من القرن
الواحد والعشرين.تعدد خطاب المرأة.وأضحت
هناك شجاعة بخصوص تصور العلاقة بين المرأة والرجل وما يتعلق بوضعها داخل المجتمع.
س-أنتم من بين الأعضاء المؤسسين
لبيت الشعر في المغرب، لكنكم غادرتموه . لماذا؟
ج- حاولت إلى جانب أصدقائي،غاية 2003،إنجاز عمل
جديد في المغرب دون اكتراث لاهتمامات السياسيين. لقد توخينا إضفاء نَفَس
آخر فيما يتعلق بحرية القصيدة والشاعر.حققت بمعية أصدقاء، يعتبرون من
كبار الشعراء، أشياء جميلة سواء بالنسبة للمغرب والبلدان المغاربية أو العالم
العربي.نظَّمنا أول مهرجان عالمي للشعر،تجربة غير مسبوقة في العالم العربي. لكن حاليا،اختلف الوضع.تدخل
السياسيون وتجنبت خوض صراعات في هذا المضمار لأني رفضت تحوّل بيت الشعرإلى مكان
للمواجهات والكراهية والمؤامرة، وقد تأسس أصلا كي يستمر فضاء للقاءات، والسلام
والأخوة.إذن،داهمتنا هذه الذهنية،وتحاشيت تماما التماهي مع ذلك.
س-هل أغلق بيت الشعر؟
ج-لا.إنه مفتوح دائما.لكنه
يشتغل على إيقاع السياسيين.اخترنا الانتصارللقصيدة.حدث
استبعادي تماما لأسباب أجهلها.مع ذلك، أنجزت فعليا كل العمل. اكتسح بيت الشعر من طرف أحزاب
سياسية.هكذا حال النمط المغربي.نحن مرضى بفكرة السلطة، والحظوة
وسرقة تصورات الآخرين.لقد أوضحت مع أصدقائي إمكانية
تقديم عمل بديل،حر يسمح لنا بالانفتاح على العالم.
س- ماهي الحدود بين الشعر
والسياسة؟
ج-وجدت المسألة كارثية،داخل اتحاد
كتاب المغرب.بالتالي تعارض ذلك مع حلمي وأنا شاعر شاب قرأ تاريخ
الشعر،والتقى الشعراء عبر أعمالهم.لقد تخيلت باستمرار ضرورة اتسام
فضاء لقاء الشعراء بالحرية.بعدها توضح لي شيئا ثانيا حول
السياسي وليس السياسة.إن كانت للشاعر مواقفه السياسية،فهذا
لايعنيضرورة امتثاله لحقيقة سياسية معينة. فللقصيدة سياستها الخاصة.ليست القصيدة مجرد تكملة لخطاب بل
تجسد حيزا لمعرفة،ورؤية. حينما نجعل من القصيدة وصفا أو إضافة والشاعر فقط شخصا يستعيد
رسالة السيد،أقول لا نكون لحظتها في حاجة إلى هذا الشاعر، ولا تلزمنا تلك القصيدة. في العالم الحالي،يدرك المشتغلون بمصير
الشعر دلالة القول الشعري،ثم الجانب المتفرد للقصيدة الذي بوسعه تقاسمه مع الآخرين.يصعب
تحقيق هذا السعي،إلا في حالة وعي القصيدة باشتغالها الخاص على اللغة، داخل المجتمع،
وضمن نطاق التغيير.يجدر اقتفاء آثار كبار شعراء عصرنا.لاأتصور
كيف يمكنك أن تصبح شاعرا وأنت فقط تكرر ما سرد الآخرين عليك وفق عقلية الديكتاتور.
س-كيف يمضي حال الشعر في العالم
العربي بعد رحيل محمود درويش؟ هل يعرف تراجعا؟
ج-أنا لست من الذين يرغبون في تكرار تجربة
شاعر ما.فلكل شاعر شخصيته.خلال فترة، كرر درويش نزار قباني
قبل عثوره على طريقه الخاص. تلاقي القصيدة نفسها ضمن الاختلاف وليس بنية التماثل.لاينبغي
لأي شاعر التفكير في محاكاة درويش،بل أساسا الانكباب على امتلاك لغته الخاصة،
ورؤيته الذاتية، وطريقته الشخصية، وكذا أسلوبه الذاتي للتفاعل مع الثقافي ثم جل
التاريخ الذي يحيط به ويحدد مساره.
س- لماذا كافأت جائزة نوبل للآداب
مرة واحدة نصوصا كتبت باللغة العربية، أقصد منجز نجيب محفوظ؟
ج-من غير المنصف أن لاتُمنح جائزة
نوبل أخرى في الآداب لشاعر ثان أو رابع أو روائي يكتب باللغة العربية.نتوفر
على العشرات من الكتاب الممتازين جدا سواء بالنسبة للبلدان المغاربية أو الشرق
الأوسط.تتداول حاليا الأدب العربي لغات عدة….فيما يخصني فقد تُرجمت على الأقل إلى
عشرين لغة،و لست الوحيد.لايمثل ذلك مرجعية،لكن ينبغي
استحضار هذا المعطى دائما.في حين تظل الثوابت المهمة، قائمة
على اكتشاف الثقافات الأخرى، المشاركة في المهرجانات، ثم الترجمات.تمنيت
لو أن الأكاديمية السويدية توجت الشاعر السوري أدونيس بنوبل في الآداب(للإشارة فقد
فازت بها خلال تلك السنة أي 2009،الروائية الألمانية هيرتا ميلر).
س- لقد كتبتم حول الفن التشكيلي.هل نعتبر ذلك اهتماما أم شغفا؟بل إن قصائدكم استثمرت من طرف تشكيليين كما
فعل قريشي مع درويش؟
ج-خلال طفولتي، لم أكن أمتلك الوسائل
كي أكون فنانا تشكيليا. آمنت دائما بوجود فنان من هذا الصنف يسكن ذاتي.أخذ
في التبلور منذ لقائي بأصدقائي التشكيليين المغاربة والأجانب.لم أبادر إلى الرسم احتراما لهذا
الفن.لذلك،لم أنكب على تطوير هذا النزوع الذي يعكس جانبا آخريمثل دواخلي.لقد
تشكلت القصيدة المعاصرة انطلاقا من العلاقة مع الفن التشكيلي منذ شارل بودلير،الذي
جمعته صداقة مع أوجين دولاكروا.إنه تراث للعمل بين الفنانين
التشكيليين والشعراء. لكن،في نفس الوقت،يكمن شيء يتقاسمه الاثنان، يتجسدفي طريقة عملهما
حول المادة،أحدهما حول المادة اللغوية،والثاني ينصب اهتمامه على المادة
البلاستيكية،الألوان والفضاء.حينماتصلني دعوة فنان تشكيلي،اهتممت
سلفا بعمله، فإني لاأقدم تصورات أو شروحات،بل أنخرط في عشق هذه المصاحبة للتشكيل،
وأرى بكيفية مختلفة اللوحات على نحو شعري،بالقصيدة ،ليسبالتأكيد وفق الدلالة الرومانسية.هكذا
أنجزت أعمالا كثيرة مع فنانين تشكيليين،أصدقاء، مغاربة،عرب و أوروبيين.أذكر
على سبيل المثال،الخطاط مهدي قطبي،والفنانين التشكيليين ضياء الزاوي وكوليت دوبلي
وكذا بعض الرسامين اليابانيين والكنديين. أبقي على لقائي مع هؤلاء مفتوحا،بحيث لايمكنني التكهن بأي شيء.
س-هل تعود لكم فكرة تخليد يوم
عالمي للشعر؟
ج-لقد أنجزت جل مقتضيات المهمة.فقد
كان من المتعذر تصور أن بلدا عربيا يمكنه تقديم طلب من هذا النوع والاستجابة له. استُمع إلى صوت الشعراء.هو
أمر جيد بالنسبة للجميع. للأسف،لم تعد دلالة اليوم كما الشأن مع فلسفة فكرة البداية. لكن،لايهم.
س- لقد كتبتم خطابا تحت
عنوان : ''الحق في الشعر''.إذن تطالبون بهذا الحق.
ج-تماما.يتم الحديث حاليابالنسبة لمشهدناالثقافي،عن
زمن الرواية.أنا أقول إننا نعيش حاليا لحظة زمن
الأدب،لاروايةولاشعر. وإن أعلنت الرواية الحرب على الشعر،فالقصيدة تنأى عن ذلك. تصاحب القصيدة الممارسات الأدبية والفكر
المعاصر.تنعم بالحياة دائما. يعتبر الاهتمام المكرَّس للشعر نفسه،الذي تحظى به اللغة.تحافظ
القصيدة فعليا على اللغات.فهذه الطاقة الاستثنائية التي تستمدها
القصيدة من اللغة تبقي هذه الأخيرة حية.بوسعها حينئذ الانسياب مشحونة
بالقوة، ثم الرحيل نحو فضاءات أخرى.يلزم الإقرار بالحق في الشعر ضمن
سياق أضحت معه العولمة عمياء تخرب قيم الإبداع الكبرى.تحظى مختلف الأجناس الأدبية الأخرى
والفنية بمكانة في مجتمعنا وبالنسبة لحياتنا البشرية.فالقصيدة التي نطرحها تمثل منبعا
أساسيا للحياة،وكذا هذا الخطاب الذي يوحدنا ويسمح لنا بالذهاب ضمن سياق الغامض واللامكتَشَفواللامرئي.يلزم
إذن الاحتراس من دعوتهم إلى خوض حرب ضد القصيدة ومن ثمة نسيانها.
-هامش :
مرجع الحوار :
Publié par El
Watan :30decembre 2009.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق