الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

رسائل الشاعر ستيفان مالارميه(الرسالة4)

                                           

                 رسائل الشاعر ستيفان مالارميه(الرسالة4)

                                                     ترجمة: سعيد بوخليط

*تقديم : تتمتع غالبا رسائل ستيفان مالارميه بقيمة مدهشة.فقد أبرز من خلال عرضها حدود الفكر والمادة،وكذا تصوره للشعر حسب رؤيته،والقصائد التي اختبر كتابتها،هكذا تتجلى بين طيات رسائله تلك(1862- 1871) إلى جانب أخرى انصبت حول الشعر(1872- 1898) معلومات لايمكن لأي جانب ثان ضمن حيثيات عمله بالمعنى الخالص للكلمة الكشف عن هذه المعطيات أو مجرد إتاحته المجال لتوقعها.

لاتشكل فقط رسائل مالارميه فكرا جديدا قدر عمقه،بل تتحدث عن ولادة هذا الفكر، تحولاته، مخاوفه، وتعمل على تصوير دراما فكر لم ترصد لنا قصيدته خطاب مأتمي- قصيدته الوحيدة الواضحة شيئا ما- بعد انقضاء خمس أو ست سنوات،غير خاتمة،بدت مظهريا هادئة تماما.

يقول مالارميه :الشعر تعبير،باللغة الإنسانية وقد استعادت إيقاعها الجوهري،وكذا المعنى المدهش لمناحي الوجود : هكذا تضفي أصالة على إقامتنا وتعكس المهمة الروحية الوحيدة.           

                           الرسالة (4)

إلى  أمي إليزابيت

بلدة سانس ، 31 يناير 1862

جدِّي العزيز،

بعد قراءة رسالتكَ البارحة،غمرني حزن كبير. بحيث استشعرت كأنكَ تقول لي :"أجيز لكَ القيام بهذا، لكن إن بادرت إليه ستغضبني ولن أكون سعيدا بما فعلتَه''.صيغة بدت   لي أسوأ من التالية : "أمنعكَ''. كلامكَ أوجعني.

لقد طمأنتني إشارة أمي وقد استخلصت من رسالتكَ وكذا رسالة جدتي العزيزة،بأنكما رغم عدم إبدائكما لأي تشجيع بهذا الخصوص،تتركان لي حرية الاختيار.

تحدثتُ مع أستاذ اللغة الانجليزية في بلدة سانس،بدا لي سلفا شخصا ناضجا، يمتلك منهجية ممتازة.يأتي خمس مرات في الأسبوع،بمعنى يوميا،باستثناء أيام الخميس،وتستغرق كل حصة من دروسه ساعة.لقد قدم لي العديد من التمارين والواجبات،وصحح بنفسه موضوعاتها ،كما وضع رهن إشارتي ترجمة من أجل تنقيح النسخ،بهدف عدم تضييع الوقت واستثماره حيزه في دروس تطبيقية،قواعد اللغة،المحادثة.أعلم بأن ذلك يقتضي نفقات،لكني سأتكفل بها. 

لقد أكد لي أمين الصندوق بأن داعيا من هذا القبيل لن يكون سببا يبرر تقديم استقالتي؛بالتالي توجد أمامي نافذة مفتوحة على إدارة السجلات،في حالة الظروف الطارئة والغامضة،غاية شهر يونيو،موعد أول اختبار.

أما بخصوص ماقلتَه جدي العزيز،ضمن نصائحكَ وملاحظاتكَ القيمة الموجهة إلي،بأني لاأشتغل مثلما يقتضي الأمر،فقد يكون رأيكَ صحيحا بالنسبة لعمل لايعجبني كالذي أباشره حاليا  داخل إدارة السجلات،مثلا أشتغل في غياب أمين صندوق.ثم هل بوسعي مع ذلك الانصراف إلى ذاتي؟سأصبح أستاذا مثلما كنت جابيا،وسأعمل ثمان أو تسع ساعات بدل ساعتين أو ثلاث.

أخيرا جدي،سأحيطكَ علما بخصوص مختلف دراساتي،وكذا التطورات التي حققتها.لذلك،سأكتب إليك باللغة الانجليزية،دون أن تكون مضطرا باستمرار،للرد عليها.سأبذل قصارى جهدي بكل الطرق حتى أكون جديرا بالحرية التي فوضتها لي أنت وجدتي،وقد رجعت ثانية للرسائل الثلاثة الأخيرة التي تلقيتها منكما حول هذا الموضوع الجسيم،فأعيد تصفح مقاطعها مرارا لأنها تلهمني الشجاعة،كي أتحمل وحدي وزر مستقبلي.

تيقن بأن عملي ثم نجاحاتي خلال يوم من الأيام ستجعلكَ تتغاضى عن شعوركَ الحالي بالتحسر،وأنت تفكر في مستقبلي،مثلما جرى الشأن مع أمي المسكينة وقد عوضتَ صحبة جدتي غيابها. لن تندم قط فيما يتعلق بقراري.كل ما أقوله لكَ،أخاطب به أيضا جدتي العزيزة،وأنا أضمر لكما نفس الحب والجميل.

إلى اللقاء جدي،أقبِّلكَ من كل قلبي،أنت وجدتي.

حفيدكما الذي يحبكما.

ستيفان مالارميه.             

*المصدر : رسائل مالارميه،غاليمار،1995  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق