ثلاث قصائد
للشاعر الفرنسيّ: هنري ميشو
ترجمة: محمد عيد إبراهيم
رجلٌ
ضائع
وأنا
راحِلٌ ضَيّعتُ دربي. وقد
تأخّرتُ
فجأةً فصَعُب أن أستديرَ
عائداً.
لقيتُ نفسِي وسطَ
مُنبَسَطٍ.
وعجلاتٌ
ضِخامٌ
تدورُ
في كلّ مكانٍ.
كانَ
مقاسُها طبعاً
أكبرَ
مئةَ
مرّةٍ عما لديّ. و
الآخرونَ
أكبرُ. أما أنا،
فعندما
اقتربوا،
همستُ بنعومةٍ،
كأني
أهمسُ لنفسي، من دونِ أن
أراهُم
تقريباً،
"لا تطحَنيني، أيتُها
العجلةُ...
يا عجلةُ، أرجوكِ لا
تطحـ
نيني...
يا عجلةُ، من أجلِ خاطري،
لا
تطحَنيني". وصلوا،
مُثيرينَ
رِيحاً
عاتيةً ومضيتُ
مبتعداً.
تهاديتُ. والآنَ، منذ
شهورٍ:
"أيتُها
العجلةُ، لا تطحـ
نيني...
يا عجلةُ، أرجوكِ ثانيةً،
لا
تطحَنيني".
ولم
يتدخّل أحدٌ! ولم
يستطِع
شيءٌ إيقافَها. وسـ
أبقَى
هكذا
حتى مماتي.
إني
ذاهب
في نشيدٍ من غضبي هنالكَ
بيضةٌ،
وثمةَ في هذهِ
البيضةِ
أمّي، أبي
وأولادي،
وفي هذا كلّهِ فرحٌ
مُمتزجٌ بحزنٍ، وحياةٍ.
عواصفُ كُبرَى أنقذَتني.
وشمسٌ مليحةٌ غَرّرَت بي،
بي كُرهٌ هنالكَ،
قويٌّ
وغابرٌ،
أما الجَمالُ فسيراهُ
المرءُ
لاحقاً.
لم أَعُد، في الحقيقةِ،
مُفرِطاً
بل تعَرّيتُ؛
لو أدركَ أحدٌ كَم ظَللتُ
من
عُمقِ أعماقي لَيّناً.
إني ذاهبٌ وقطنيٌّ
وثلجيٌّ
كأني جَرَسٌ.
أقولُ هذا وإني لَعلَى
يقينٍ منهُ.
في
شارع الموت
في شارعِ الموتِ،
صادفَت أمّي حقلَ ثلجٍ
كبيراً؛
ودّت أن تتكلّمَ،
لكنهُ الوقتُ قد تأخّرَ،
حقلُ ثلجٍ قطنيٍّ كبيرٌ.
نَظرَت إلينا، أخي
وأنا،
ثم بكَت،
بلّغناها ـــ كِذبةٌ
سخيفةٌ حقاً ـــ
أنّنا قد فَهِمنا.
فابتَسمَت
تلكَ الابتسامةَ
المجيدةَ،
لفتاةٍ صغيرةٍ،
كانَت هي فعلاً، هي،
ابتسامتُها الفاتِنةُ،
شبهُ
الحَيِيّةِ؛
ثم أخذوها نحو
شيءٍ غامضٍ.
........................
(*) اللوحة، للشاعر نفسه:
ميشو.
(*)
هنري ميشو Henri Michaux، (1899 ـ 1984)،
شاعر فرنسيّ من أصل بلجيكيّ، أحد وجوه
الحركة السوريالية في فرنسا، وكان شاعراً وفناناً تشكيلياً في آنٍ واحد. من
دواوينه: من كنتُ، ممتلكاتي، ثمة طير ، بربريّ في آسيا، ليل يسعى. (م)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق