الخميس، 30 مارس 2017

سبع قصائد

للشاعر الفرنسيّ: بيير  ريفيردي
ترجمة: محمد عيد إبراهيم





معبودةٌ
دميةٌ صغيرةٌ، عروسٌ دميةٌ ذات حظٍّ سعيدٍ، تكافحُ عندَ نافذتي، تحتَ رحمةِ الريحِ. نقَعَ المطرُ رداءَها، وَجهَها، ويدَيها، وقد شَحُبَت. فقدَت حتى ساقاً. لكن خاتَمها ظلّ، وفيهِ قوّتها. وعندَ حلولِ الشتاءِ تطرُقُ لَوحَ النافذةِ بقدمِها الصغيرةِ في حذائِها الأزرقِ، ثم ترقصُ، ترقصُ من الفرحةِ، من البردِ، لتُدفِئ قلبَها من جديدٍ، قلبَها الخشبيَّ سعيدَ الحظِّ. وترفعُ ليلاً ذراعَيها المتوسّلتَين ناحيةَ النجومِ. 


شتاء
عبرَ المطرِ الجليديّ الكثيفِ تلكَ الليلة، كانت ساحةُ البوليفار أشدّ إشراقاً، رجلٌ أسمرُ شابٌّ بوجهٍ أزرقَ. أَمِن البردِ؟ من نارٍ داخليةٍ تندلعُ من الكحولِ؟  
لكن حذاءَهُ الضخمَ امتلأَ بالماءِ وهو يتسكّعُ حولَ مصابيحِ الشارعِ. كانَ مثارَ فرحِ البناتِ وتَرحِهم. فيا لهُ من انفعالٍ ثقيلٍ! ومَن يرغبُ أن يأخذَهُ. 
يا أهلَ الشارعِ الذين يعيشون هذهِ الحياةَ القاسيةَ ولا يرغبون أقلّ، لا أفهمكُم! فأنا أحبّ الدفءَ، الراحةَ، والسكينةَ. 
يا مَن يزدَرون، تُخيفُونني!   



جنود
بعدَ التُهمةِ، بعدَ الجولةِ، عدتُ إلى غُرفتي التي يظلّ بابُها مفتوحاً.
جنديٌ غيري ينامُ في الغرفةِ عينِها.
حين أصحو، بدايةً، أخافُ. فثمةَ أحدٌ يتكلّمُ بصوتٍ عالٍ. كنتُ أظنُّني وَحدي، وأن يداً ستلمَسُني.
الكابوسُ نفسُهُ الذي يوحِّدُنا، ينبِّهُنا.   


عارٌ  أن ترى
حاولَ صعودَ الحائطِ المنحدرِ بطولِ الطريقِ، حائطٍ مغطّىً بالطّحالبِ، أسفلَ المِهبَطِ. أما واقياتُ ساقهِ! واقياتُ ساقهِ، فتحفظهُ، من الناسِ والأشواكِ!
ولا تزالُ الكلابُ تعوي بصوتٍ أعلى وقد كُسِرَ عكّازهُ. فبدأ يجري جنبَ الحائطِ صعبِ البلوغِ، ولدى دَورانهِ حولَ ركنِ الشارعِ الصغيرِ المهجورِ، ولّى الأدبارَ.    


الشفق
اتّسعَ الغروبُ في عَينَي القِطّةِ.
جلسَ كلانا عندَ النافذةِ يتطلّعُ، نسمعُ كلّ ما لا مكانَ لهُ إلا بأنفسِنا.
خلفَ الخيطِ الذي أقفلَ الشارعَ، الخيطِ الذي من أعلى، تقطعُ الأشجارُ زُخرفاً قد تبدّى في السماءِ.
أما المدينةُ، فأينَ المدينةُ الغاطِسةُ بأعماقِ الماءِ الذي يُشكّلُ الغَمامَ؟ 


وجهاً لوجهٍ
يمضي قُدُماً فتخونُ ثِقتَه صَلابةُ خُطوتهِ الجَبانةِ. لا يزالان يُحدّقان في قدَميهِ. كلّ شيءٍ يبرقُ في تِينكِ العينَين، من أفكارٍ وامِضةٍ شريرةٍ، تنيرُ مِشيتَه المترّددةَ. وقد قاربَ على السقوطِ. 
في الجانبِ الآخرِ من الغرفةِ تتبدّى صورةٌ معروفةٌ. تخرجُ يدهُ نحو يدهِ. لا يرى غيرَ ذلكَ، فيرتطمُ بنفسهِ، على حينِ غِرّة.    


سيرك الشارع
وسطَ الحشدِ ولَدٌ يرقصُ ورجلٌ يرفعُ أوزاناً. ذراعاهُ بأَوشامٍ زرقاءَ يصرخُ في السماءِ أن تشهدَ على قوّتِهم المُهدَرةِ.
يرقصُ الولدُ، بِخفّةٍ، في لُباسٍ ضيقٍ كبيرٍ عليهِ، أخفُّ من الكُراتِ التي يوازِنُ بها نفسَه. وحينَ يمرّرُ القبّعةَ لا ينفَحُهُ أحدٌ. لا ينفَحُهُ أحدٌ خِشيةَ أن يجعلَها أثقلَ. وهو بالِغُ النحولِ.  
...........................
(*) الشاعر  الفرنسيّ بيير ريفيردي (1889 ـ 1960) من أهمّ الشعراء الطليعيين في تاريخ الشعر. قصائده حميمة، لا شخصانية، بلّورية، غامضة، وبسيطة حدّ التقشّف. من دواوينه: قصائد نثر، ألواح سقف، حرية البحور، قلب من خشب. والقصائد المترجمة، من ديوانه: (قصائد نثر). (م)
(*) البورتريه، وجه الشاعر، للفنان الإيطاليّ: موديلياني.

(*) اللوحة المرفقة، للفنان الليبيّ: عمر  جهان. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق