إنجاز: فلورانس نوافيل
ترجمة : سعيد بوخليط
المغرب الذي يحل ضيف شرف على معرض باريس
للكتاب المنظم بفرساي بين(24- 27مارس2017)،تميزه حالة
فوران أدبي مما يساعد على تعدده الثقافي وكذا حرية ذات إيقاع جديد،وإن لم تبلغ بعد
المستوى المطلوب.
في هذه الليلة،بشارع محمد الخامس،وبالضبط أمام المسرح الملكي بمراكش،نحتشد
داخل رواق(6.4)، بحيث سيعرض ثلاث نساء عملهن
الفوتوغرافي،من بينهن نوال عماريش – ولدت
عام 1981في البيضاء-التي تقبض
ضمن تصاميم كبيرة ذرات رمل تنسل بين أصابع اليد.عماريش المولعة بالأدب،توضح لنا بأنها
درست المسرح والسينما،ثم خالطت أوساط الرقص قبل أن تكرس نفسها للتصوير.
بجانبها،يتبادل المدعوون الأحاديث عن أمسية البارحة في قصر سليمان. بحيث أشرف الفنان التشكيلي والنحات والكاتب ماحي بنبين،على حفل بيع
في المزاد العلني لبعض لوحات الفن المغربي المعاصر مما ساهم في جمع مبلغ 1500000درهم (مايقارب 140000يورو)لصالح جمعية تهتم بأطفال الشوارع.
دينامية مدهشة تميز المشهد الثقافي
المغربي !فبعد سنوات الرصاص خلال عهد الحسن
الثاني،ومنذ بداية سنوات 2000،تجلى فوران مس مختلف مجالات الإبداع.الفنون
التشكيلية في المقام الأول،لكن أيضا
الكتابة (نتحدث هنا عن أدباء الداخل،وليس المهجر).فحسب تقرير لمؤسسة عبد العزيز آل
سعود،صدر ما يقارب 2700 كتاب خلال سنة2015-2016 ،أي بزيادة ناهزت مائة
عنوان مقارنة مع السنة التي سبقتها.بالتأكيد لازال النشر بعد فتيّا – لم
يحصل البلد على استقلاله سوى سنة 1956وأغلب دور النشر لم تتجاوز بالكاد
زمانيا بعض عشرات السنين- لكنه بصدد الهيكلة.دائما نورد كمثال،ميزانية سياسة الدعم المخصصة من لدن وزارة الثقافة،المبرمجة
منذ أربع سنوات،والتي وصل دعمه للكتاب إلى نسبة 80%من تكلفة إنتاجه.الخلاصة :إذا
بقي مستوى ترجمات الكتب الأجنبية متواضعا،فإن الإنتاج في اطراد:((لا
يزداد فقط ،لكنه يرتفع صوب معايير عالمية))،يؤكد يونس أجراي ،مندوب رواق المغرب في
صالون الكتاب بباريس،معيدا التذكير بأنه:((خلال سنوات 1950و1960،وجد
عدد من
الكتاب المغاربة أمثال الصفريوي وادريس الشرايبي،سبيلهم إلى الظهور بفضل ناشرين فرنسيين))،ويضيف:((ليس مؤكدا دوام سياسة الحقن المتواصل
هذه،لكن في الانتظار،فإنها تساهم بخصوص إبراز
الناشرين الذين سيشكلون أبطالنا الوطنيين)).
نقطة أخرى إيجابية :حرية
الصوت :((اليوم،وبالرغم من كل شيء،يمكننا التعبير))،يلخص الشاعر والكاتب
عبد اللطيف اللعبي،الذي أنشأ سنة 1966بمعية جماعة من المثقفين والمبدعين
مجلة أنفاس:((التي دُونت
بالديناميت))،مجلة أثرت تأثيرا مهما جدا على
المغرب،لكنها ستُحظر سنة 1972،تاريخ اعتقال اللعبي ووضعه في
السجن إلى غاية 1980 .اليوم مرت خمسون سنة على خلق
المجلة،مناسبة تزامنت مع إصدار
منشورات ''سيروكو'' عملا تحت عنوان :موسم ملتهب،أنفاس بعد خمسين سنة.لقد ابتهج اللعبي
حينما اكتشف ثانية فكر أنفاس،مع المجلة الحديثة العهد''أسامينا'' :((التي
تنشر المقالات بثلاث لغات من طرف فريق نسائي،ثم تونسيات ومصريات،بحيث تعكس أصواتهن
نفس الفكرة المثالية التي استلهمناها خلال حقبتنا)).
أن تتجلى هذه الإبداعية ويتم التعبير
عنها،فلا أحد ينكر ذلك :((لنأخذ العمل الأخير ل ماحي بنبين المعنون ب : مُضْحك الملك،قبل عقود
قليلة خلت كان سينتقل بصاحبه إلى غياهب القرن الثاني))تشير ليلى الشاوني مديرة
منشورات الفنيك.تلك الأعذار غير مقبولة.سواء في دوائر النقد الاجتماعي ولا
الحميمي ،أي ماتعلق بالجسد أو
الجنسانية،كما أظهرت ذلك كتابات فاطمة المرنيسي أو بهاء الطرابلسي.
نفس الشيء،فيما يتعلق بالتاريخ المعاصر والسياسة:((فبعد سنوات الرصاص ثم هيئة الإنصاف والمصالحة،أدلى كثير من
الكتاب بشهادتهم أو عبر مضامين سيرهم الذاتية.من عبد القادر الشاوي إلى أحمد
المرزوقي،صاحب كتاب :
تازمامارت الزنزانة رقم 10،يشكل اليوم كليا هذا الأدب المنصب
على المعتقلات والذي يثير فضول الشباب،رافد ضمن الإنتاج المغربي)).
بخصوص الرقابة دائما،توضح ليلي الشاوني :((أطبع،وأبيع وأعيش هنا،بالتالي توجد جوانب لا أتجه صوبها :الملك، الأسرة الملكية…أيضا موضوع الدين يدعوك إلى
الالتزام بالحذر.غير هذا ،إذا صدر
كتاب في الخارج وحظي بمتابعة إعلامية كبيرة،ربما أضمر وقتها مجازفات،بأن يكون نصا
ينطوي على شيء من الإخلال بالنظام،بالتالي سيواجه صعوبات عند الحدود.لكن
للتخلص من ذلك، يكفي شراء حقوق المؤلف ثم
طبعه هنا. وحدها العناوين
المستوردة تخضع للرقابة. ذات مرة،قبل خمسة وعشرين سنة،واجهت
مشكلة بخصوص مسودة استطعت إخراجها من داخل السجن.منذ ذلك الحين،صدقوني،صب المراقبون تماما الماء على نبيذهم،ويبحثون
أحيانا عن النبيذ تقريبا)).ماذا تتوخى قوله من خلال ذلك؟ :((التهديد الإسلامي قائم ويلزم حقا
التصدي له ))أجابت باقتضاب.
بخصوص هذا الموضوع الملتهب،لايفصح الناشرون المغاربة الذين استفسرناهم،إلا قليلا.ربما لأنهم يعلمون أن الإعلام
الفرنسي مفعم بهذه الأسئلة،فقد فضلوا
التركيز على ثراء ماسيكون حاضرا في صالون الكتاب بباريس.التأكيد على تعددية الثقافات : العربية،الإسلامية، الأمازيغية، اليهودية والمتوسطية.أيضا إظهار كذلك أنه في المغرب،لانكتب فقط بالعربية (80%)أو الفرنسية(12%)لكن أيضا الأمازيغية(2%)
والاسبانية(0,6) والانجليزية(0,5) ،وباللغة العامية أحيانا.نستحضر هنا محمد برادة،الذي يعتبر بمثابة رائد الرواية المغربية الحديثة،والذي
جرب تقنيات حديثة حول الكتابة بل ويُغْني أحيانا سرده بالدارجة الفاسية.
يؤكد لنا إبراهيم العلوي،المدير السابق لمعهد العالم العربي في باريس(1987-2007):((يعيش
المغرب حاليا بليونة تعدده اللغوي،دون عقدة.فأن يكون كاتبا باللغة الأمازيغية مثل أحمد عصيد حاضرا بالمعرض تعتبر مسألة مهمة.قبل
مجيء الفينيقيين والبيزنطيين والرومان والعرب والفرنسيين أو الاسبان،كان المغرب أمازيغيا أو بربريا إذا أردتم،لكن هذا الكلمة
تعديل لتعبير''غير متمدن''.لذلك،نفضل هنا "أمازيغ"التي تعني ''الرجل الحر"(( .
باختصار،من بين كل وجهات النظر،يبدو المشهد مغريا.لكنه حقيقة يستحق الوقوف بجدية عند مختلف تبايناته.لأن كوابح قوية جدا وعوائق لازالت
تعطل القراءة في المغرب.يكفي الخروج إلى المدن كي نقيس ذلك.ندرة
المكتبات،عدم كفاية شبكة الحريات
العمومية،غياب العنصر البشري المؤهل وكذا سياسة شاملة تهتم بالقراءة :((من
المستعجل الاهتمام بتطور الطلب))يقر يونس أجراي.في المجمل، يقرأ المغاربة قليلا.أولا،لأن الكتاب مرتفع الثمن
(مابين70و 80 درهما،قياسا
لمرتب معدله في حدود 2000درهما).إضافة،إلى انعدام تقليد القراءة ماعدا الكتب المقرصنة
المصرية واللبنانية غالبا،وتباع على عجل في الشارع :((لايصادف الناس الكتب خلال يومهم،فقط
الجرائد.نسخة
يومية تقرأ غالبا من طرف ثلاثين إلى أربعين شخصا.لكن ليس الكتب)).مما
دفع أجراي إلى القول بأن الطلب يمكنه أن يحيا إذا أنعشناه :((الكتاب في المدرسة،معطى سيتبلور إذا برمجته إرادة سياسية.شهية القراءة، تهذب !)).
لهذا بالضبط تنتقل ليلى الشاوني
برفقة كُتّابها وجهة المدارس.ثم لكي تجعل عناوينها سهلة البلوغ،فقد وضعت مشروع كتاب الجيب بثمن 20 درهما يوزع على
مستوى كل الأكشاك،تقول بهذا الصدد:((أحد الكلاسيكيات كما الشأن مع
الخبز الحافي لمحمد شكري،صدرت أصلا
النسخة الانجليزية بقلم بول بولز سنة1973ومنعت داخل المغرب إلى غاية سنة2000،قد يقارب توزيعها 20 000أو30 000نسخة.لكنه كتاب الجيب ويظل استثنائيا.أما
بخصوص مسار ''عادي'' للكتاب فيروج في المكتبة مابين100أو 200نسخة)).
في المغرب،الذين يستعدون للسفر إلى باريس ينتظرون من رحلتهم كثيرا.سواء تعلق الأمر بالرواية أو
القصيدة،يتوخون أولا التعريف
بالإنتاج المكتوب بالعربية، يخبرنا إبراهيم العلوي :((هل تعلمون أن مؤلفات مثل القوس
والفراشة لمحمد الأشعري(2011) المتوجة بجائزة البوكر العربية أو نوميديا (2015)أول رواية للكاتب
الشاب طارق بكاري،التي بلغت القائمة النهائية
القصيرة لجائزة البوكر،لم تترجما غاية الآن إلى الفرنسية))ثم تستطرد ليلى الشاوني :((في فرنسا،يصدر
الناشرون كثيرا من الأعمال
التي لاتختلف عن مستحثات،لمؤلفين لهم اليد الطولى منذ عهد
ليس بالقصير.ثم يقولون :"لدينا جل الكتاب المغاربة
الذي يحظون بالاعتبار".أنا من لا اسم لها ولا إمكانيات،أريد حقا بيع حقوق كتّاب في باريس،لكني أريد أكثر الالتقاء
بأشخاص فضوليين نحو أدبائنا الشباب،الذين يعيشون ويكتبون في المغرب وينقلون صورة
بعيدة جدا عن الاكليشيهات،هؤلاء لايهتم بهم الناشرون الفرنسيون)).
*عبد اللطيف اللعبي : وفاء
كاتب
شاعر ومسرحي وروائي وكاتب دراسات، وصاحب مؤلفات للأطفال.ولد عبد اللطيف اللعبي في مدينة
فاس سنة 1942،ويعتبر الكاتب المغربي المعاصر
الأكثر أهمية.أعماله،أهلته للتتويج بجائزة غونكور للشعر سنة(2009)ثم
الجائزة الكبرى للفرنكفونية (2011)،لكن أيضا بسبب التزاماته النضالية.
مناضل شيوعي سابق،كان بمثابة النواة التي ضمت مثقفي اليسار المعارضين للنظام،حول
مجلة أنفاس التي تأسست سنة 1966 ،ضمنهم محمد خير الدين وتضمنت صفحاتها أولى قصائد الطاهر بن
جلون.صدرت أنفاس باللغتين
الفرنسية والعربية،وشكلت أساس ثورة في صفوف الأنتلجنسيا المغربية،إلى غاية حظرها
سنة1972،واعتقال اللعبي بتهمة التآمر ثم
التعذيب والسجن وبعدها المنفى إلى فرنسا.منذئذ شكل حلمه بالعودة إلى وطن
غاب عنه طويلا وبالتالي وضعه ككاتب يعيش في المنفى،رافدان موجهان لكتابات تستبطن الذاتي قصد فهم الآخر وكذا
تأمل العالم بهدف نحت الممكنات.
عشق اللعبي الكبير للأدب،وتطلعه اللانهائي سيعبر عنهما بين طيات عمله الأخير: ) (petites
lumières. écrits 2016- 1982،مصنف يبعث على الانتشاء تضمن أربعة
وثلاثين نصا متنوعا :مقدمات، مقالات،وقائع،دراسات نقدية،رسائل كتبت في السجن،رسائل موجهة إلى المنتخبين،اعترافات،حوارات.
مُهرب للقصيدة- ندين له بأنطولوجيا عن القصيدة الفلسطينية
وأخرى مغربية- فقد أمدنا اللعبي بأول ترجمة إلى الفرنسية لقصيدة الشاعر الفلسطيني
محمود درويش.إذا
كان اللعبي يكتب بالفرنسية،ويترجم من
العربية،فلكي يخبرنا أنه يعثر على لغته مع لغة الآخرين :في أوروبا، وإفريقيا تحت الصحراء، و أمريكا الجنوبية،أخيرا في كل مكان على امتداد بيته الرحب،المسمى أدبا
بالنسبة إليه.
من عمق تلك المقالات التي جاء تصنيفها غير مرتب تسلسليا،لكنها
ذات إيقاع ناظم،ينبعث ثبات كاتب وسط عالم متقلب. رجل يرفض مختلف أنواع ما تجاوزه
التاريخ والتوتاليتارية والبربرية،منطلقا من الكامن بعد داخل بلده.
وفق تناوب سمته الجسامة والتسلية،يتحدث اللعبي هنا (مقترحا
تأسيس ميثاق وطني للثقافة في المغرب)،وهناك (عن تَلَف بيت الشعر في رام الله)،تبهره
رؤية دولوز في التلفاز ثم شاردا في مصر،يثني على إيمي سيزار وكذا التشكيلي المغربي
ماحي بنبين.
يعمل اللعبي منذ سنوات 1960 ،دفاعا عن معركة النساء المغربيات من أجل مساواتهن في الحقوق،وكذا الاعتراف بكل مكونات الهوية الثقافية لبلده :((أمازيغي،لكن أيضا أندلسي،يهودي، صحراوي، إفريقي، متوسطي، ولما لا
غربي)).يسخر
بضجر،منتقدا الذين يمدحونه
بعبارات على منوال هذه
الفرنكفونية:((ذات
الممارسات المنتمية إلى عهد آخر))والتي قدمت صورة :((عن آلة في خدمة استثنائية لثقافة سداسية الزوايا والأضلاع،يجعل منها أداة هيمنة)).
إذن بعد سنة من صدور مجموعته الشعرية : L
arbre à poème (غاليمار).سيمثل عمله الجديد بوابة ولوج
أخاذة نحو نتاج عبد اللطيف اللعبي.
*ماحي بنبين :صورة مزدوجة : حياة والده
في بلاط الحسن الثاني،ألهم
الكاتب عمله : مُضْحِك الملك.
تسمى "الحديقة" في اللغة
الفارسية القديمة، باري- ديزا،كلمة تشتق منها''الجنة''. نفس المفهوم استعادته ذاكرتي ذاك
اليوم وأنا وسط حدائق المدينة.هناك،يعقد في الغالب مواعده الكاتب والرسام والنحات ماحي بنبين.القصر القديم الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع- صار اليوم
فندقا- يقوم على
نحو غير ملفت للانتباه داخل المدينة العتيقة في مراكش.تمتد شبكات ممراته وأدراجه الخفية
ثم غرف صغيرة في الهواء الطلق حول حديقة محاطة بأسوار عالية،شيء مذهل، وباذخ، إنها الجنة، بالمعنى الحرفي: ((أحب هذا المكان.أعشق أن أتخيله كما السابق،ملاذا للكتاب والفنانين أو بكل بساطة، أنا مولع
بالجمال)).يوضح ماحي بنبين،الذي يعكس هو نفسه الثلاثة خلال الآن ذاته.بشوش وشخص مرح،ويحب أن يبدع مثلما يفرط في الطعام،لذلك أجابنا ماحي بنبين
بكل صدق :((أيضا آتي إلى هنا،لأننا نتناول
طعاما جيدا)).
ولد بنبين في مراكش سنة 1959،بدأ حياته المهنية أستاذا للرياضيات
لمدة ثمان سنوات. فيما
بعد،امتثل لنزوعاته الفنية.اليوم،بوسعنا أن نتابع عرض لوحاته – حضور مكثف للمادة،مع أخلاط مذهلة
للرماد وشمع
عسل النحل والصباغة - في فضاءات تحظى بالاعتبار مثل متحف غوغنهايم بمنهاتن.فيما
يخص كتبه التي قاربت في المجمل عشرة منها "نوم العبد"(ستوك 1992) "مأتم
الحليب"(ستوك1992) ثم "ساحر مراكش"(لوب 2006)،توجت بالعديد من
الجوائز.لكن
أكثرها شهرة روايته"نجوم سيدي مومن"(فلاماريون،2010 )التي تحولت
إلى السينما من طرف نبيل عيوش تحت عنوان : ياخيل
الله(2012) ،بعد أن حصلت
سنة 2010على جائزة الرواية
العربية.
مع عمله : ''مُضْحِك الملك "الصادر حديثا،سيقرن صاحبه المتسم بصورة مزدوجة وبنوع من المهارة ميولاته
الثنائية : كاتب وفنان تشكيلي،ثم أيضا رسام يدوي دقيق. الموضوع المتجلي هنا– هذا الرواي المألوف لديه إلى درجة إمكانية قوله
''أنا''مكانه – ليس سوى محمد بنبين المعروف ب''الفقيه محمد''أو ببساطة ''الفقيه'': إنه والده. راو للحكايات أيضا،لكنه من
نوع خاص:((لمدة
خمس وثلاثين سنة،مابين 1965-1999،كان
والدي مضحك الحسن الثاني.جدي بدوره كان كذلك.فيما
يتعلق بي،بالكاد تملصت من الأمر)).ينبغي أن نفهم ب''مضحك''رجل ثقافة،وشخصية تضحك الآخرين بالتأكيد،لكنه أيضا مثقف في خدمة
السلطان.غالبا،يكون المضحك وحيدا مع الملك،بالتالي تقع على كاهله مهمة
ثقيلة :((ينتظر مني الملك الكلمة الجيدة،وسرعة
البديهة الثاقبة،ثم الربط المعرفي لوضعية ما مع أخرى جرت في بلاط خليفة ينتمي إلى
العصر الأموي ،ثم يلزمني تأثيثها بنوادر مثيرة)).
حياة البلاط رفعة وعبودية، هلع وإغراء،تملق وخضوع.يكتب بنبين :((ينبغي لك تخيل أن من يتمتع بحظوة
قد يتعرض لعقاب بلا مبرر،وتتأجج
الأحقاد حينما يرخي الليل ستائره)).إن إحساس الوالد التام بالمسؤولية مع التضحية بحياة الأسرة،مكناه
من القيام بمهمته جيدا…إلى حدود سنة :1972((لحظة
محاولة الانقلاب التي يصعب تصور إمكانية فشلها لكنها أخفقت مع ذلك،بحيث اكتشفنا وقتها أن أخي كان ضمن جماعة الانقلابيين !)).مفاجأة مهولة :((بينما والدي مختبئا إلى جانب
الملك،كان أخي يخطو الخطى داخل
القصر والأسلحة في يده.كل ذلك ليس شكسبيريا !)).
شكسبير أو كورني. مع ذلك لم يدم مأزق الوالد بين
ابنه والملك، مدة طويلة،بحيث سرعان ما
سيختار الفقيه بنبين صفه وينحاز إلى جانب الملك.هكذا بين المؤنس والأب ،انتصر الجانب الأول على الثاني بكل ماتحمله دلالات المفهوم
من معنى.نشوة
السلطة أو علاقة القرابة،ثم هاجس
زوال الحظوة :((تلك العبودية المقبول بها))بينما أرسل الابن،أخ ماحي بنبين،إلى جحيم تازمامارت حيث السجناء: ((شيئا ما أكثر من الجرذان وأقل من
البشر)).مكث هناك لمدة ثمان سنوات،وحينما أطلق
سراحه سيطلب رؤية أبيه.
التتمة،دائما زاهية الألوان،مدهشة،ورويت بطرقة جيدة،لكننا لن
نكشفها هنا أبدا.فقط تنبغي الإشارة،إلى أن وقائعها بعيدة عن ثأر تراجيدي،على العكس.
لقد استطاع ماحي بنبين التغلب على
النفور،بالسحر المرافق للزمن
والكتابة،ورؤية أبيه من الداخل بكيفية مختلفة،ليس كقاتل بل كإنسان يتمتع ب:((تذوق غريب
للحياة))،ويضيف ماحي بنبين :((لقد اكتشفت شخصية رائعة،هو مثقف جدا
ويتمتع بذاكرة خارقة.لذلك أحببته!)).
هذه الحكاية التي توخت الاعتذار وإصلاح ذات البين،فكر ماحي
بنبين منذ زمان طويل في سردها ،وهذا ماحدث حقا.أما التعليق عليها وسط هذه الحديقة الشبيهة بحدائق ألف ليلة وليلة،فقد جعلها مثل حكاية مشرقية على مستوى نكهتها وجمالها
وخيالها،لكن أيضا العمق والرصانة.
بعد قراءتها،سننظر بكيفية مختلفة إلى المنجز التشكيلي لماحي بنبين.أشخاص تشدهم أفخاخ وأسلاك وشِباك.وهذا ليس محض صدفة.
*عبد الله الطايع : أسباب
المنفى والشقاء
.
أربعة رسائل كتبها أو تلقاها أحمد. من أجل اكتشاف مصدر الألم الذي
يكابده ويعاقبه كذلك.تبادل رسائل يكشف عكس ماجرت عليه
الأمور طيلة خمسة وعشرين سنة 1990-2015 ،هكذا نجد شخصية مليكة الأم المستبدة،ثم العاشقين(فانسان و إيمانويل)،يعيش أحمد مغتربا بلا
مستقبل على الأراضي الفرنسية ولا يوجد أكثر من صديقه المسمى لحبيب ،من بوسعه
مداواة الجرح الغائر،لأحمد المحكوم عليه بالشقاء منذ الولادة.
نص الطايع المعنون ب : (celui qui digne d être aimé ) ،هي
"رواية" شخص ممزق بين أصله ثم توهمه العثور على خلاصه في جسد الرجل
الأجنبي وكذا لغته.صرخة معاصرة ضد الأغلال الاجتماعية
والسياسية التي لم تقف عند مجرد اختزالها إلى الموروث الاستعماري.
أحمد تذله صورة امرأة سلطوية جدا
تخصي، وتدير عالما لا يشكل ضمنه سوى نكرة
متنقلة.ابن منقطع لحوار مستحيل،ويتحدث عن
أمره لمن لا تتيح له سوى الهروب، بناء على اتهام قاتم.موت مليكة لم يخمد الغضب،بل انقلب لديه إلى غيظ.
لا يوجد خيط سميك بين طيات هذا الغوص
التائه صوب معرفة أسباب التعاسة.وجود شقي يقف حائلا أمام الحب.فالسعادة
محظورة عليه :((حتما السعادة لُبْس كبير…أو هي بالضبط بمثابة سجن ثان)).مخاطبا
إيمانويل،العاشق الفرنسي (المثقف الثري الذي وقع معه أحمد ميثاقا
واضحا،يجعله مع ذلك مسؤولا عن امتثاله للتشريعات الفرنسية،هذا التمثل للقيم
الثقافية الجديدة التي يستبعدها دون تبين للفروق الدقيقة) ،إقرار اقتضى منه أيضا انقضاء
عشر سنوات،حينما غاب كل أقربائه موتا أو اختفاء :((مع مرور الوقت،لاسيما في فرنسا،إنهاء علاقة،وتقويض علاقتي الحميمية،وإلقاء
الآخر أرضا،لقد منحني الحب متعة نادرة.لكن بإرادتي الذاتية،وجدتني وحيدا أكثر من أي وقت مضى.فلا شخص يمكنه احتجازي من خلال
مشاعره نحوي،مع مودته وجنسه.كنت وحيدا بتجلد.وحيدا
وحيدا)).
هذا العجز عن الحب،مرده إلى الأم وكذا موت المسمى ب لحبيب،الذي تعهده
بالرعاية،فهذا ''الأخ الكبر''الذي يعرف مبكرا جدا بأنه لا مخرج لمصير وضعيته
المنبوذة ومن تم الحكم عليه بالشقاء والخزي كما الحال مع الذين يحبون الجنس المثلي.وبجرأة بناء يستدرك الزمان
وتتقاطعه الأصوات،ويمنع تحويل أحمد إلى
بطل،الذي صار ببساطة مجردا عبر هذا الاستبطان المرعب،بحيث يزيل عبد الله الطايع
الحجاب عن ''التعاسة اللامتناهية''لمن خسر أرضه ولا يمتلك لغة خاصة كي يهتدي إلى سبيله.يفحص
''قلبه الديكتاتوري''الذي يجبره على ''عزلة معينة''.أحمد،نسخة من عبد الله الطايع،يتحدث عن سياق مغربي فرنكفوني
مغترب عن لغته وأرضه وكذا نموذجه الجنسي.عندما يتكلم عبد الله من خلال أحمد،فإنه يخبر عن مهمة
الكاتب لحظة معاناته النبذ،مطالبة تعيدنا إلى جان جينيه وهيرفي غيبيرGuibert حيث التطلع نحو مجد مؤلم. موجع وعنيد.
هامش :
الملف الثقافي لجريدة لوموند : الجمعة24 مارس2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق