الاثنين، 24 أبريل 2017

قصيدة: رسالة الي بيير لويب
للشاعر الفرنسيّ: أنطونان آرتو
ترجمة الشاعر الكبير: أنسي الحاج



زمنَ كان الإنسانُ شجرةً بلا أعضاء ولا وظيفة،
بل من إرادة
وشجرةً من الإرادة تمشي
سوف يعود
لقد كانَ، وسوف يعودُ.
لأن الكذبةَ الكبري كانت أن يُجعَل الإنسانُ جهازاً عضوياً
التهاماً، إساغة
إرخاماً، إبرازاً
ما كان قد خلق نظاماً كاملاً من الوظائف الخفية

والتي تعصَى على حقل الإرادة المحررة
الإرادة التي تقرر لنفسها كلّ لحظة،
إذ هكذا كانت تلك الشجرةُ البشريةُ التي تمشي
إرادة تقرر لنفسها كلّ لحظة
بلا وظائف خفية، منقادة بوجهها اللاواعي.
مما نحن ومما نريد يبقى في الواقع شيءٌ قليل،
غَبْرة وطبيعةٌ تطفو

والبقية، يا بيير لويب ، ما هي؟

جهازٌ  عضوي للانتقام،
باهظٌ باللحم،
ويفرز،
وحيثُ في حقلهِ،
كالأشعة القُزَحية،
البعيدة،
قوسُ قزحٍ عُقِدَ الصلحُ بينه وبين الله.
تطفو،
تسبح،
الذرات الضائعة،
الأفكار،

حوادث ومصادفات في مجموعِ جسدٍ كامل.
ماذا كان بودلير،
ماذا كان ادغار بو، نيتشه، جيرار ده نرفال؟
أجساداً
أُكلَت،
هُضِمَت،
نامَت،
شخَرت مرة كل ليلة،
أفرزت

بين 25 و 30000 مرة،
ومقابل 30 أو 40000 أكلة،
40 ألف رقادٍ
40 ألف شَخرة
40 ألف فم حامض ومُقرٍّ عند القيام
على كلّ منها أن يقدم 50 قصيدة،
حقيقةً ليس ذلك كافياً،

والتوازن بين الإنتاج السحريّ، والإنتاج الاوتوماتيكيّ
بُدٌّ عن أن يكونَ موفراً،
أنه مفقودٌ فقداً مطلقاً،
لكن الواقعَ البشري، يا بيير لويب، ليس ذلك.
نحن 50 قصيدة،
الباقي ليس نحنُ بل العدم الذي يكسونا،

يضحك منا أولاً،
يعيش منا بعد ذلك.
وهذا العدم ليس لا شيء،
ليس شيئا ما،
إنه أشخاصٌ ما،

أقول بشرٌ  ما.
حيواناتٌ بلا إرادة ولا فكر خاص،
أي بلا ألم خاص،
بلا تقبّلٍ فيهم لإرادةِ ألمٍ خاص،
ولم يجدوا طريقة أخرى ليعيشوا
غير تزوير الإنسانية.

ومن الشجرةِ الجسد،
لكن الإرادة الخالصة التي كنّاها،
يصنعون إنبيقَ البرازِ هذا،
هذا البرميل للتقطير السلاحي،
علّة الطاعون،
وجميع الأمراض،
وهذه الناحية من الضعف النّغْل،

من الخَسفِ الورائي
التي تميز الإنسانَ المخلوق.
ذات يوم كان الإنسانُ ساماً،
لم يكن غيرَ أعصابٍ كهربائية،
شُهبان فوسفورٍ أبديّ الاشتعال،
لكن ذلك دخل في الأمثال،
لأن البهائمَ ولدت نفسَها فيها،

البهائم،
نقائص مغناطيسية محمولة بالولادة،
هذه الثغرة الجوفاء بين مِنفَاخَين بالعنوة
التي لم نكن،
كانت عدماً
وأصبحت شيئاً ما
وسقطت حياة الإنسان السحرية،
سقط الإنسانُ عن صخرتهِ الممغنطة،
والوحي الذي كان الأساس
صار الصُدفةَ، الطارئَ،
النُدرة،
سُمو الكمال،
سُمو الكمال ربما
لكن بإزاء كلّ هذه الكَومة من الهول
حتي ليفضلَ أن لا نكونَ قد ولدنا قط.
لم تكن تلك الحالة العَدَنية،
كانت الحالة الخُطة،
العاملة،
العمل
بلا زوائد، بلا خسارات، في دورة لا تُروَى.

لماذا لم تحافظ هذه الحالة على نفسها؟
للأسباب التي من أجلها
جهازُ البهائم العضوي، الذي صنعتهُ البهائمُ لنفسها،
الذي خلفَ الحالةِ منذ قرونِ
سينفجر.
تماماً للأسباب ذاتها.
أكثرَ حتميةً هذه من تلك.

أكثرَ حتميةً انفجارُ جهازِ البهائم العضوي
من انفجارِ العملِ الأوحد
في جهدِ الإرادةِ الوحيدة والتي لا يمكن وَجْدُها.
إذ الواقعُ أن الإنسانَ الشجرة،
الإنسانَ الذي بلا وظيفة ولا أعضاء تُبرّر إنسانيته،
هذا الإنسان استمرّ
تحت رداءِ الخِداع للآخر،

الرداءِ الخَدّاعِ للآخر
استمرّ في إرادته،
لكن الخفيّة،
دون تورّط ودون اتصالٍ بالآخر.
وما سقط هو ما أراد أن يحيط به ويقلّده
وعما قليل
بضربةٍ قوية،
بغتةً،
يكشفُ عن بُطلانه،
لأن مُنخلاً كان سيوجَد بين أولِ الرجالِ الأشجارِ  والآخرين،
لكن الآخرينَ انبغَى زمنٌ، دهورٌ من الزمن لكي يستحقّ الذين بدأوا أجسامهم،
كالذي لم يبدأ ولم ينقطع عن استحقاقِ جسمه،

لكن في العدم
ولم يكن هنالكَ أحدٌ
ولم تكن هنالكَ بدايةٌ

ثم؟
ثم.

ثم ولِدَت النقائصُ بينَ الإنسانِ والعملِ العقيمِ عملٍ سَدّالعدم.
قريباً ينتهي هذا العمل.
وعندئذٍ تنهارُ الصُدفة.
صُدفة العالم الحاضر.
المبنية علي التشويهات الهضمية لجسدٍ جزّأته عشرة آلاف حرب،
والشر،
والمرض،
والبؤس،

ونقص المواد الغذائية، والأشياء ذات الضرورة الأساسية.
إن متبنّي نظام الاستغلال،
والمؤسسات الاجتماعية والبورجوازية
الذين لم يعملوا قط
لكنهم كَدّسُوا حبةً حبةً منذ ملياراتِ السنين ما سَرقوهُ
ويصونونه في بعضِ الكهوفِ المنيعةِ
التي تحميها البشريةُ كلها
باستثناء قلةٍ منهم

سيجدون أنفسهم مضطرين لاستفراغِ قواهم
أي للمقاتَلَة،
ولن يستطيعوا ألاّ يقاتلوا
لأن إحراق جثتهم الأبدي هو الذي ستنتهي به
الحربُ، هذه الحربُ، الغامضةُ التي تجيء.
لذلك أعتقد أن النزاعَ بين أميركا وروسيا،
وإن هوسُفِّعَ بقنابلَ ذرية،

ناقِهٌ بجنبٍ ومقابلَ النزاعِ الآخر
الذي
دفعةً واحدة
سيندلعُ
بين مُنبتّي إنسانيةٍ هضميةٍ
من جهة،

ومن الأخرى
إنسانُ الإرادة الصافية وندرة مشايعيه وتابعيه
لكن الذين يملكون القوة
  الأزلية
  لأنفسهم.

.................
(*) مجلة شعر، العدد 16، سنة 1960.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق