الجمعة، 28 أبريل 2017

سبع قصائد

شعر: ليوبولدو ماريا بانيرو
ترجمة: محمد عيد إبراهيم



ترسيمُ قبلة

سأقتلكِ غداً عندَ بزوغِ القمرِ
حينَ يهمسُ لي أولُ الطيرِ المهاجرِ بكلمتهِ 

سأقتلكِ غداً قُبيلَ الفجرِ   
حينَ نرقدُ بالفِراشِ، ضائعينَ في الأحلامِ
ويبدو أن الجِماعَ أو المنيّ على شفتَيكِ
كأنهُ قُبلةٌ أو عناقٌ، أو عِرفانٌ

سأقتلكِ غداً عندَ بزوغِ القمرِ
حينَ يهمسُ لي أولُ الطيرِ المهاجرِ بكلمتهِ 
مستَحضراً لي موتَكِ مُسوَّغاً بمنقارهِ،
كأنهُ قُبلةٌ أو عِرفانٌ    
أو صلاةٌ لن يقطعَها الليلُ

سأقتلكِ غداً عندَ بزوغِ القمرِ
حينَ يعوي الكلبُ الثالثُ بالساعةِ التاسعةِ
جنبَ الشجرةِ العاشرةِ جرداءِ الورقِ والنُّسغِ
لا يعلمُ أحدٌ كيفَ لا تزالُ منتصبةً

سأقتلكِ غداً حينَ تسقطُ
الورقةُ الثالثةُ عشرة على الأرضِ الشقيّةِ
وتنقلبينَ أنتِ ذاتَكِ الورقةَ أو الطائرَ الغِرِّيدَ الشاحبَ
وهو يعودُ إلى سِرّهِ الليليّ البعيدِ

سأقتلكِ غداً، وقد تطلبينَ السّماحَ
لأجلِ لُحمتكِ الفاحشةِ، جنسكِ الداكنِ
فنتوءكِ سيكونُ حديدةً لامعةُ
وفي القبرِ سيهلّ السُّلوانُ بديلاً عن القُبلةِ

سأقتلكِ غداً عندَ بزوغِ القمرِ
سترينَ كم أنتِ جميلةٌ بعدَ موتكِ
والأزهارُ تُغطّيكِ، ذارعاكِ معقودتانِ
شفتاكِ مُحكَمتانِ كأنكِ في صلاةٍ 
أو تضرعينَ إليّ بكِلمةٍ

سأقتلكِ غداً عندَ بزوغِ القمرِ،
ومن الجِنانِ، كما تمضي الأسطورةُ،
تتوسّلينَ نيابةً عنّي وعن خلاصي

سأقتلكِ غداً عندَ بزوغِ القمرِ
حينَ ترينَ ملاكاً يتدبّرُ خِنجراً
كلّهُ عارٍ وصامتٌ عندَ فِراشِكِ المُصفَرّ

سأقتلكِ غداً، سترينَ أنكِ تقذفينَ
حينَ يدخلُ ذلكَ الباردُ بينَ فَخِذَيكِ

سأقتلكِ غداً عندَ بزوغِ القمرِ 
غداً سأقتلكِ لأحبّ طيفَكِ
وأجري إلى قبركِ كلّ ليلةٍ حيثُ
سُعارُ الجنسِ وأُحجِياتُ المنيّ
تشتعلُ من جديدٍ في قَضيبيّ الرَّجَّاجِ،
فتستحيلُ شاهدةُ قبركِ إلى فِراشٍ بدائيٍّ   
حيثُ يحلمُ المرءُ بالأربابِ والأشجارِ والأمهاتِ
حيثُ يلعبُ المرءُ بالنَّردِ ليلاً

سأقتلكِ غداً عندَ بزوغِ القمرِ 
حينَ يهمسُ لي أولُ الطيرِ المهاجرِ بكلمتهِ. 



النهاية

دخّنتُ حياتي، وما تبقّى من اللهبِ المفاجئ،
كانَ أعقاباً، تثيرُ  الرثاءَ، عميقاً، بذاكرتي:
كائناتٌ أخفقَت أن تراني، نِسوةٌ شَفِيفاتٌ،
دخانٌ في الأفمامِ، وفي كلّ ناحيةٍ،
صمتٌ، كالكفَن،
لمِا لم أُرِد أن يكونَ، حياةٌ
كالضبابِ، أو  سَفَرِ  السّفينِ على أمواجٍ خاملةٍ، أو  أولادٍ
يلبسونَ كابَ بحّارةٍ وقد تعلّموا خطأً.
لم يكن ثمةَ أحدٌ بالحُفرةِ، السّجنُ
كانَ خاوياً، وأفكّرُ
أن أندفعَ إلى هتكِ البابِ، أخيراً،
أنزعَ القُفلَ في النهايةِ، وأنضَمّ،
كَم كانت النسورُ عديمةَ الجدوى، والمِزلاجُ نفسهُ
جعلني أُغرَمُ بالجُزُر، تائقاً إلى العدَمِ،
كي أكتشفَ فحَسبُ
النورَ، ذلكَ الزاهدَ المبتسمَ.


عشتُ فراغاتِ الحياةِ

عشتُ فراغاتِ الحياةِ
التباساتِها، نسياناتِها، غباواتِها الأبديةَ،
وأتذكّرُ  سِرّها الوحشيّ
مِجَسَّها وهو  يهدهدُ بطني ورِدفَيّ
وقدَمَيّ المحمومتَين بالطيرانِ.
عشتُ غِواياتها، عشتُ خطاياها
تلكَ التي لن يغفرَها لنا أحدٌ.


غموض الشعر

تعلّمتُ أن أرى غموضَ الشعرِ
الغموضَ الذي يُسمّي نفسَه
غوايةً يشكّلُها العدمُ
في صمودٍ على بشارةٍ من سَمَكِ الزمنِ
بفمهِ الأدرَدِ
كاشفاً عن مَنبتِ القصيدةِ
في العدَمِ الطافي أمامَ القصيدةِ
وهو  ما يتميّز  عن العدَم
الذي تغرّدُ بهِ القصيدةُ
وهو  ما يتميّز  عن العدَم
الذي تنقضي بهِ القصيدةُ.


الشاهد، هنا، جيفة
الشاهدُ، هنا، جيفةٌ:

بعدَما تلهثُ القصيدةُ، وتموتُ
يختبرُ  الهُراءَ الذي كُتِبَ
أو ما تمنّى أنهُ كُتِبَ
كنظيرٍ للعدمِ في النهايةِ.



يطمعُ في الغلّ، بل الضغينة

لا شيءَ نقيٌّ كالضّغينةِ
ينبوعٌ ينهمرُ  كصفراءِ الكَبدِ الذهبيةِ
حيثُ تنبعثُ آلافٌ من الأزهارِ 
تشطأُ من أعشابِ العدمِ الوحشيةِ
آلافٌ من الزنابقِ المرتجّةِ
كألفِ كذبةٍ.
وإني شَبيهٌ بمَن كذبَ.
§       

ولأني كما هو  معروفٌ
بالشعرِ  وحسبُ
أمضي كي أموتَ على شفتيكَ
كالصهيلِ وقد فترَ 
في نهايةِ الطِرادِ. 


تقويم "ييتس**"
قد يحميني اللهُ
بأكثرَ  مما لدى اسمهِ
قد يحميني اللهُ
أن أطعنَ في السنّ
ويتزلّفُ مني الجميعُ يناديني الجميعُ
بالفارغِ من اسمهِ.

فمَن أنا؟ مَن أنا؟
لم يكن بمقدوري أن أفعلَ
غيرَ  ما كانَ
ــــ لأن غرامي كانَ
أن أُردّدَ أغنيتي الكاملةَ ــــ
كمجنونٍ مطلَق.

أضرعُ إليكَ
حتى لو  أمهَلَني الزمنُ لأموتَ
واسمي مَسطورٌ
على شاهدةِ قبري، آملُ
أن يقولوا ذاتَ يومٍ
فوقَ جثتي الباردةِ:
ــــ لم يكن معطوباً!
...........................
(*) ليوبولدو  ماريا بانيرو Leopoldo María Panero (1948/ 2014) شاعر إسبانيّ، والده وأخوه شاعران. سجنه فرانكو لانضمامه إلى أحزاب متطرفة. أدمن كافّة المخدرات، من الكحول حتى الهيروين. وظلّ يُعالج من الاضطراب النفسي في مصحّات طيلة حياته. حاول الانتحار مرتين. لم يتزوج. أصدر قرابة 20 كتاباً، بين الشعر  والقصة والمقالات، منها: النهر  الأخير  معاً، الرجل الأخير، ضدّ إسبانيا وقصائد عن لاحبّ، نظرية الخوف، قصائد عن الانتحار، هيروين وقصائد أخرى، رقصة الموت. (م)
(**) وليم بتلر ييتس: شاعر  ومسرحيّ أيرلنديّ (1865/ 1939)، نال جائزة نوبل 1923. وقصيدة بانيرو هنا نوع من المعارضة لقصيدة ييتس (ضراعة للسنّ الطاعن). (م)
(***) اللوحة، للفنان الإسبانيّ: دينو فالس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق