ثلاث قصائد
للشاعر البولنديّ: زبيجنيف هربرت
ترجمة: محمد عيد إبراهيم
حكاية روسية
طَعِنَ القيصرُ أبونا في
السنِّ. لا يستطيعُ الآنَ خنقَ حمامةٍ بيديهِ. كان جالساً فوقَ عرشهِ فاتراً ذهبياً. لحيتهُ التي تكبُر فقط، إلى
أسفلِ الأرضِ وأبعدَ.
ثم حكَمَ شخصٌ آخرُ، لا
يُعرف مَن. اختلسَ العامةُ البصرَ من نوافذِ القصرِ لكن كريفونسوف كان يستُر
النوافذَ بالمشانقِ. فلم يرَ المشنوقُ شيئاً.
في النهايةِ حسناً ماتَ
أبونا القيصرُ الصغيرُ. ظلّت الأجراسُ ترنُّ، مع ذلك لم يخرُج جثمانهُ. فقد كبُر
قيصرنا في العرشِ. اشتبكت أرجلُ العرشِ برِجلَي القيصرِ. ذراعهُ ومُسندُ الكرسيّ
واحدٌ. واستحالَ فصلهُ عنهُ. ويا لها من فضيحةٍ أن ندفنَ القيصرَ مع عرشهِ
الذهبيّ.
حصاة
الحصاةُ
مخلوقٌ
كاملٌ
قرينُ
نفسهِ
متنبّهٌ
لحدودهِ
يملؤها
حسٌّ بمعناها الحَصَويِّ
بعطرٍ
لا يُذكّرُ أحداً بشيءٍ
لا
تُرعبُ أحداً ولا تُثيرُ رغبةً
حرارتُها
برودتُها
واحدةٌ
مفعمةٌ بالكرامةِ
أحسُّ
بندمٍ ثقيلٍ
حين
أُمسكها في يدي
وجسمُها
النبيلُ
تَخَلّلهُ
دفءٌ مخادعٌ
الحصاةُ
لا تُدجَّن
وإلى
النهايةِ سوف تنظرُ إلينا
بعينٍ
ساكنةٍ رائقة.
الشاعر
الشاعرُ ليسَ ملاكاً
الشاعرُ شاعرٌ.
لا يملكُ أجنحةً
فقط يدهُ اليُمنى
ذاتُ ريشٍ.
يضربُ الهواءَ بها
يحلّقُ بعلوّ ثلاثةِ
أشبارٍ
ليسقطَ فوراً.
وحينما يترجّلُ تقريباً
يندفعُ بساقيهِ
ليحوّمَ لحظةً
ملوّحاً بيدهِ ذات
الريشِ.
لو يقدر أن يتغلّبَ
على جاذبيةِ أَدِيمهِ
لعاشَ في عُشِّ النجومِ
لنطَّ من شعاعٍ إلى شعاعٍ
لو يقدر.
لكن النجومَ
حين فكّرَت ببساطةٍ
كونهُ ربيبَ الأرضِ
تساقطت في رعبٍ خالدٍ.
فغطّى الشاعرُ عينيهِ
بيدهِ ذاتِ الريشِ
لا يحلمُ بمزيدٍ من
الطيرانِ
يحلمُ بالسقوطِ
مثلَ برقٍ يُزيحُ
صورةَ الأبديةِ.
...........................
(*) زبيجنيف هربرتZbigniew Herbert: شاعر حداثيّ بولنديّ (1924/ 1998)، مسرحيّ، قاصّ، وناقد. موضوعه المفضّل:
الهزء من تاريخ الاستبداد. من دواوينه: خيط نور، مرثية للخروج، تقرير من مدينة
محاصرة، هرميس وكلب ونجم، ختام عاصفة. (م)
(*) اللوحة، للفنان السوريّ: نذير
إسماعيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق