السبت، 24 ديسمبر 2016

رباعيات أربع: رؤى أبو راوي
محمد عيد إبراهيم



رباعية 1

ثمة كوكبٌ أرضيٌّ طافحٌ بالبنفسج، البنفسجُ شخصيٌّ لا أملَ فيه، على الجانبين جيشان: جيشٌ إلى اليسار، نقيضُ مفهوم التقدّميّ، أصفرُ عسكريٌّ عدائيٌّ فيه أسودُ كامدٌ، ضمنَ معدّاتٍ تشرعُ في العدوان. جيشٌ إلى اليمين، نقيضُ مفهوم الرجعيّ، كله وردٌ وأزهارٌ تنفجر، يرتقبُ فرحاً مع ابتساماتِ أولاد يلعبون أو  في طريقهم للّعب. وبينهما رقعةٌ واسعة، فيها أحمرُ للدماء الطالعة، دماءٌ نقية لا شِيةَ فيها، فيها أسودُ للدماء النجسة، لا ترعوي أن تخضّ قلوبنا بما لا تستطيعه القلوبُ. أزرقُ نادرٌ  يكاد يختفي، من صَرعة الدماءين. أما الرقعةُ أغلبها فمسرحٌ لصراعِ الدماء،كأوردةٍ في سبيلها للتهتّك، أم هي سماءٌ تكاد أن تحطّ على الصراع، أم ملعبٌ لقوى جبارةٍ بدائية في طريقها لكسر  هِمّة السماء أن تضعَ حبلَ أزهارٍ  على الأرض!


رباعية 2 

حطّـت مجنزرةٌ على الأرض، هرولةٌ في ما لا يجدي، أو  في ما يُجدي إلى حدّه الأقصى، بألوانٍ تشفّ عن عظام المجنزرة، وهي نقيضُ أهدافها. ألوانٌ كلّها بهجة، لكنها بهجة (المنتصر) الذي يظنّ نفسَه (مُحرِّراً)، وهو غاصبٌ زنيم، بدلالةِ هذا الأحمرِ الدمويّ المنسالِ أرضاً تحتَ أقدامِ المجنزرة، فيصبغ الأصفرَ  الذي يملكُ الأرضَ بحفنةِ ألوانٍ في ختامها نحو  الأسودِ الباهت، بينما ظلّ طائرٍ  أسودَ كالأجلِ يحوّمُ فوق الأصفر، لمعاونةِ المجنزرة في محو أصفرِ  الرقعة، يسعيان كلٌّ مِن المجنزرةِ (في الأرض) والطائرِ (في السماء) لاحتلال الرقعة بألوانها السبعة كطيفِ قُزحٍ خليّ البال، كطوابع الآمالِ قبلما تصل إلى أصحابها، مُلاّكِ أو ملائكةِ الأمل والأرض والعِرض. والمؤسّي أكثر، تلك الرقعة الخالية في نهاية الأرض، بالأصفر  الباهر، وهي تنتظر  المذبحة!



رباعية 3

ها هنا شبح الموت، مونيطور المذبحة، ماموث القتل والدمار، هامة الهزيمة، ولو كان في هيئة النصر، النصر  الزائف المهيمن بلونٍ رماديٍّ كابٍ، ضمنه خيوطٌ من الدماء، عروقٌ من الدماء، انفجاراتٌ من أشعةٍ مَهمّتها القضاءُ على الحياة، على براءةِ الحياة، وهي تحلمُ، وقد كانت في فضاءٍ أزرقَ بهيٍّ، يحلمُ أن تمضي الأيامُ بما فيها، بكلّ ما فيها، من فرَحٍ أو  ترَحٍ، من ألمٍ أو  أملٍ، من نعيمٍ أو  نقيضهِ، الجحيم، فهي مجرد حياة، يعيشها من يعيشُ، وينتظر  منها نتائجَ الحلمِ، أياً كانت، في صبرٍ يليقُ بحياةٍ كالجميع، لكن ذلك الدبّ الأسودَ الدمويّ اللئيمَ سيلتهم كلّ شيءٍ، بل وفي هناءٍ، إذ تقطُر من ثيابهِ الدماءُ، أو  هي ربما نقاطُ دماءٍ من محبّي الحياة، لكنها كرشاشِ أطفالٍ يتوهّمون بألعابهم أن يعبثوا بالموت، فهو  في النهايةِ ليسَ غيرَ  لعبةٍ، لعبةٍ وإن  كانت بغيضة!


رباعية 4

الحصيلةُ النهائية: آدم وحواء، في ثيابِ الشهداء، آدمُ أكبرُ حجماً، حواءُ أدقّ حجماً، كلاهما تخرّ من قلبيهما الدماءُ، قانيةٌ تشخبُ، حمراءُ كدمِ البكارة، حمراءُ كدمِ الولادة، حمراءُ كدمِ العودةِ إلى باطنِ الأرض، تلك التي لفِظَتهما يوماً على أملِ الحياة، فلم يجدا غيرَ  أملِ الموت. في السماءِ  بقايا من الأحلام، بقايا من الآمالِ، بقايا من الأرضِ، لكن رعبَ الموتِ بادٍ على الملامح، رعبٌ لا يليقُ بإنسانٍ أن يراه، فهو  رديفُ الشرّ، الشرّ  الذي لا ينتهي إلا بمذبحةٍ، الشرّ  القائم القادم  من الغربِ، الشرّ  الذي لا نراه إلا كموتٍ قاطعٍ باترٍ، الموت الذي ليس نهايةً طبيعيةً، بل مبتَسَرة. وآدم، كعادتهِ، يتقدّمُ المرأةَ، لكن كأُضحيةٍ، يحضنُ الحياةَ في رمَقٍ أخير، وحواءُ تتبعهُ، كأُضحيةٍ أيضاً، وبينهما حيوانٌ مقيت، كأميبا كريهةٍ، لا هي أصلُ الحياةِ، بل نقطةُ الموتِ الأخيرة!

(*) هذه رؤية فنية للفنان الليبي الكبير: معتوق أبو راوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق