السبت، 17 ديسمبر 2016

سوزان باشلار

بقلم : سعيد بوخليط
http://saidboukhlet.com


أوشكت الحرب العالمية الأولى على الاندلاع،حينما ارتبط غاستون باشلار وتزوج ب ''جين روسي" أستاذة تنتمي لنفس بلدته.زواج، لم يستمر سوى قليلا جدا،فهذه السيدة التي عانت صحيا باستمرار،فارقت الحياة يوم 20 يونيو 1920نتيجة إصابتها بالسل الرئوي،بعد أن أنجبت للفيلسوف باشلار، ابنته الوحيدة سوزان يوم 19أكتوبر 1919، في منطقة فوانيVoigny ،تلك القرية الصغيرة المنتمية لمنطقة شامبانيا.
لحظة تراجيدية ومحنة جد قاسية،لم تمنع فيلسوف العلم والأدب وفيزيائي الخيال،من الحصول خلال سنة ترمله ذاتها أي 1920 ،على الإجازة في الفلسفة ثم التبريز سنة 1922 ،وتدريسه للفلسفة والفيزياء والكيمياء، في بلدته الأصلية ''بار-سور-أوب''Bar-su-Aube
مقولته الشهيرة :''لحظة مآسي الحياة الكبرى، فإننا نستمد الشجاعة من دعامة طفل''.تختزل ببلاغة أحد أبرز حكماء البشرية ،طبيعة الحقبة الصعبة جدا، التي عاشها باشلار مع بداية مساره الوظيفي والعلمي.
إذن، بعد رحيل الأم والزوجة روسي،تربت الصغيرة سوزان في حضن أبيها،وتقاسمت معه مختلف تفاصيل حياته انطلاقا من بداياته في منطقة ''بار-سور-أوب''انتقالا إلى ديجونDijon وباريس ثم تبوئه طليعة الفكر البشري،بحيث رافقته منذ طفولتها صوب أروقة جل مؤتمراته العالمية الفلسفية والأدبية والعلمية.تقول شهادة ل روجي روبو Rubaud،الذي عاين حضور سوزان في حضن والدها غاستون وقد قارب بالكاد عمرها ثمان أو عشرة أيام :((كانت صغيرة جدا، لما توفيت والدتها روسي نتيجة إصابتها بداء السل سنة1920،ولم تتجاوز بعد سوزان،سبعة أشهر)).
الصغيرة،التي صارت أحد أكبر المتخصصين في ظاهرية هوسرل، الشارحين لمنظومة منطقه والعارفين بطلاسمه،ثم بالطبع من بين أهم أساتذة الجامعة الفرنسية خلال القرن العشرين،درست سنواتها الأولى في ديجون ثم واصلت تكوينها في باريس على مستوى الفلسفة والرياضيات،وتتلمذت أيضا بعد إطار مدرسة أبيها،على يد كل من جورج كانغليم الذي وجهها نحو السوربون وكذا معهد تاريخ العلوم والتقنيات،وأيضا جان كافييJ.Cavaillé . 
باشلار، الذي أذهلته النزوعات المبهرة لابنته ،ولم تتجاوز سنها الخامس،سيكتب إلى أحد أصدقائه :((سأجعل منها عالمة)).هكذا برفقة أبيها ورموز آخرين للفكر،خلال القرن العشرين،وكذا كبار علماء الرياضيات الذين عاينت خصالهم عن قرب منذ طفولتها، تمثلت سوزان باشلار بشكل دقيق منجز وصنيع أهم مؤسسي العلم ومستوى طبيعة الاشتغال الذي يؤطرهم ويوجه آفاقهم. سياق،ألهمها مجموعة خصال جوهرية مثل ثقابة الفكر والعمق والصرامة والتواضع وتطلعها العلمي الرفيع.
هكذا،تحققت فعلا رغبة والدها،بالتالي يستحيل اليوم ونحن نؤرخ لتأسيسات العقل المعاصر،أن نذكر طبعا غاستون باشلار، دون التفكير مباشرة في سوزان، ليس من باب جبرية الأبوة البيولوجية، لكن أساسا بالاستناد على المشروعية العلمية.
سنة1957،ترجمت سوزان من الألمانية إلى الفرنسية كتاب هوسرل :  (المنطق الصوري والمنطق المتعالي)،بمتانة ورصانة وفهم دقيق لنص بذاك الحجم من الصعوبة والتكثيف.لقد استندت على خيط موجه يتمثل في مناهضة الهوسريلية للنزعة النفسانية  فأخذت بوضوح موقفا ضد التأويلات التي كانت سائدة حول الظاهراتية.
سنة 1958،درست في كتابها :''وعي العقلانية'' بالاستناد دائما على فلسفة هوسرل،العلاقات بين العقل والتجربة،وأقرت بأن كل علم عقلاني يتفرع ويتشعب.   
سنة 1969،أصدرت عملها المعنون ب :''المنطق والدلالة عند هوسرل''فأبانت سوزان من جديد امتلاكها آليات تقييم منطق هوسرل.   
أخيرا، أشرفت على نشر عمل والدها : "شذرات شعرية النار''(عن منشورات،p.u.f)آخر المسودات التي كتبها غاستون باشلار، قبل وفاته سنة1962
توج مسار الأستاذة الجامعية الرائدة،ونجلة أحد بناة العقل الإنساني،ب حصولها من الدولة الفرنسية تثمينا لعطائها العلمي النوعي،على وسام جوقة الشرف برتبة ضابط.
توفيت يوم 3نونبر2007 ،في باريس عن سن الثامنة والثمانين،ودفنت إلى جوار أبيها في قريتهما الأصلية''بار-سور-أوب''.
     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق