ثلاث قصائد
للشاعر السويديّ: توماس ترانسترومر
ترجمة: محمد عيد إبراهيم
جنةٌ شبه منتهية
يقطعُ اليأسُ
مجراهُ.
يقطعُ الكَربُ
مجراهُ.
يقطعُ النَسرُ
حومانَهُ.
يقطعُ نورُ الشوقِ جريانَهُ،
حتى الأشباحُ تقطعُ سريانَها.
وترى لوحاتُنا ضوءَ النهارِ،
فحيواناتُنا الحمرُ من مراسمِ العصرِ الجليديّ.
يبدأُ كلّ شيءٍ في التطلّعِ حولَهُ.
نسيرُ في الشمسِ بالمئاتِ.
كلّ امرئٍ بابٌ شبهُ مفتوحٍ
يفضي إلى غرفةٍ للجميعِ.
تحتَنا أرضٌ لا نهائيةٌ.
يتلألأُ الماءُ وسطَ الشجرِ.
البحيرةُ شبّاكٌ على الأرضِ.
لحن سريع
أعزفُ "هايدن"
بعدَ يومٍ كئيبٍ
فأحسُّ بدفءٍ بسيطٍ في يدَيّ.
تُطاوعني المفاتيحُ. ترنُّ مِدقّاتٌ
واهنةٌ.
رنيمٌ أخضرُ، حيٌّ، ورائقٌ.
تنادي الموسيقى آذَنَت الحريةُ
فلا يدفَعَنّ أحدٌ ضريبةَ الإمبراطورِ.
أُقحِمُ يدَيّ في جيبِ "هايدن"
وأُحاكي أحداً يتطلّعُ هادئاً إلى
العالمِ.
أرفعُ رايةَ "هايدن" ـ فتعبّرُ:
"لن نستسلمَ. بل نريدُ
السلامَ".
الموسيقى على المنحدرِ كالمَشتلِ
حيثُ تطيرُ الصخورُ، تكرُّ الصخورُ.
علينا، تكرُّ الصخورُ
لكن تظلُّ ألواحُ الزجاجِ سليمةً.
اللوحة للفنان الليبي عمر جهان |
العالمُ ليسَ
مَحمياً... خلفَ الحائطِ تبدأُ الضجّةُ،
الحانةُ
في ضَحكٍ وشِجارٍ،
صفوفٌ من الأسنانِ، والدمعِ، عَجِيجُ الأجراسِ
وصهري الأهبلُ،
هادمُ اللذّاتِ الذي نرتجفُ منهُ.
الانفجارُ الكبيرُ
وسفينةُ الإنقاذِ تصلُ متأخّرةً،
تُجمّلُ القواربُ
أنفسَها بالممراتِ المائيةِ، والمالُ ينسلُّ إلى جيبِ الرجلِ الخطأ
تتكوّمُ الحاجاتُ
على الحاجاتِ
وتنضحُ أرؤسُ
الأزهارِ الحمرُ المحدقةُ بهواجسِ الحربِ.
من هناكَ وعبرَ
الحائطِ نحو المرسمِ
الفارغِ
في الثانيةِ المسموحِ أن نحياها من قرونٍ.
اللوحاتُ بأسماءِ "درسُ الموسيقى"
أو "ذاتُ الرداءِ الأزرقِ تقرأُ
رسالةً" ـ
كانت في شهرِها الثامنِ، يخفقُ قلبان في
جوفِها.
فوقَ الحائطِ خارطةٌ مُجعّدةٌ لأمريكا
قديمةٌ.
فتنفّسْ هادئاً... قماشةٌ زرقاءُ مجهولةٌ
مُسمّرةٌ إلى الكرسيّ.
تطيرُ الجيادُ الذهبيةُ المولّدةُ بسرعةٍ لا
تُصدَّق
ثم تقفُ على نحوٍ أبترَ
فكأنها لم تمتلك غيرَ طبعِ السكِينةِ.
الأُذنان تغنّيان، من الأسافلِ والأعالي.
ضغطٌ من جانبِ الحائطِ الآخرِ.
يجعلُ كلّ حقيقةٍ تطفو
فتكبحُ الفُرشاةَ.
مؤلمٌ أن ندخلَ الحائطَ، ما يجعلكَ تمرضُ
لكنهُ حتميٌّ.
فالعالمُ واحدٌ. لكن الحوائطَ...
والحائطُ جزءٌ من نفسكَ ـ
سواءً عرفنا أو لم نعرف لكنهُ حقٌّ لدينا
جميعاً
عدا أطفالِنا الصغارِ. فلا حوائطَ لهم.
تميلُ السماءُ الصافيةُ إلى الحائطِ.
كصلاةٍ إلى الفراغِ.
بينما يُديرُ إلينا وجهَهُ الفراغُ
هامساً:
"لستُ فارغاً، بل منفتحٌ".
...........................
(*) توماس ترانسترومر Tomas
Tranströmer:
شاعر حداثيّ تعبيريّ سورياليّ سويديّ (1931/ 2015)،
نال جائزة نوبل للآداب عام 2011. من دواوينه: أسرار على الطريق، جنة شبه منتهية، أجراس ومدقّات،
دروب، الرؤية في العتمة.(م)
(*) اللوحة، للفنان الليبيّ:
عمر جهان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق