الثلاثاء، 19 يوليو 2016

جورج تراكل: شاعر المشهد الجنائزي

ترجمة: سعيد بوكرامي (كاتب من المغرب)

تاريخ النشر: 1 أبريل 1999


ولد الشاعر الألماني جورج تراكل سنة 1887 بسالزبورج وفي سنة 1897 دخل الثانوية وفي سنة 1904، أخذ يلتهم أعمال نيتشه وديستوفسيكي وهولدرلين وبودلير ورامبو. ترك الثانوية فجأة وذهب للعمل في مجال الصيدلية. عمله هذا أفاده كثيرا في نسج ابداعه خصوصا المسرحي منه فقد اصدر عملين مسرحيين ثم بعد ذلك نشر عمله الهام "أرض الأحلام ". تابع دراسته في مجال الصيدلة. وبعد موت والده الذي أثر فيه كثيرا – وجد نفسه صيدليا تابعا للجيوش الألماني ومع إندلاع الحرب التحق بساحة المعارك ضمن الفرقة الطبية. لكنه سرعان ما تدهورت صحته وفي 3 نوفمبر 1914 يموت إثر صدمة قلبية أحدثها ابتلاعه لكمية كبيرة من الكوكايين.
مات جورج تراكل وهو لم يبلغ من العمر سوى 27 عاما مخلفا ورأءه رغم ذلك تجربة ثرية غنية وحساسية جديدة تضعه في مصاف الشعراء العظام.
أشعاره تغلب عليها مسحة الحزن والكآبة، ففي أغلب قصائده نصادف الألوان الداكئة والقاتمة، من الغروب الى الغسق الى الظلام الى الموت. وهذا انعكاس واضح لمحيطه الاجتماعي الواقف على حافة دمار الحرب التي دمرت ألمانيا وأوروبا معها ربما هذا المشهد الجنائزي هو الذي عجل بموت تراكل مبكرا.

الغربان

عند الظهيرة وفوق زاوية الغابة السوداء
تتسارع الغربان بصراخ قاس
ظلالهم تلامس أنثى الآيل
وفي بعض الأحيان نبصرهم يقفون بعبوس
آه كم يعكر هؤلاء هذه السكينة البنية
حيث يتلذذ الحقل متمددا
كامرأة رهينة هاجس جسيم
أحيانا نستطيع أن نسمعهم يصرخون
حول جيفة يتشممونها في مكان
وفجأة يوجهون نحو الشمال أفواجهم
ويتلاشون كما موكب جنائزي
في الهواء المرتجف بالنشوة.


لقاء


على طريق بلد أجنبي

ننظر الى بعضنا البعض

عيوننا المتعبة تتساءل:
ماذا فعلت بحياتك؟
أصمت، أصمت كف عن الشكوى
أصبح ما يحيطنا أكثر برودة
وبدا الغمام يتدافع في البعيد
أعتقد أننا محاورنا طويلا
لكن لا أحد سيرافقنا في هذا الليل


صمت


فوق الغابات البراقة والشاحبة
ذلك القمر الذي يجعلنا نحلم.

   

اليابسة تقفز على ساحل مستنقع قاتم
وتبكي بلا صوت في لجة الليل.
ينطفيء قلب وبهدوء
يتدفق الضباب ويعلو
عممت، صمت!
هذيان هائج
الثلج الأسود يغطي السطوح
أصبع أحمر يغوص في جبهتك
داخل الغرفة العارية تنزل قطع الصقيع
الزرقاء
ليست سوى مرايا العشاق الخامدة
قطع ثقيلة تفجر الرأس وتفكر بعمق
ظلال القطع الزرقاء على المرآة
تعكس ابتسامة باردة لعاهرة ماتت
وداخل روائح القرنفل تبكي
رياح المساء.

السبات

عليك اللعنة، أيها السم القاتل
أيها النوم الأبيض
هذه الحديقة الغريبة
ذات الأشجار الغسقية
المثقلة بالأفاعي والفراشات الليل
والعناكب والخفافيش
غريب! خيالك الضائع
في النوم.

قرصان الظلام

في بحر مالح بالشجن

   
تحوم طيور بيضاء على حافة الليل
فوق مدن فولاذية
آخذة الآن في الانهيار.

الأغوار

داخل الغرفة الجنائزية المفعمة بالظلمة
يرقد أبي وأنا مؤرق.
الوجه القاسي لميت
يرسل انعكاسات بيضاء كبريق شمعة.
الزهور محنطة والذبابة تطن
أما قلبي الأصم فينصت بلا إحساس
الرياح بهدوء تقرع الباب
فينفتح بصوت حاد.
في الخارج حقول السنابل تهمس
والشمس تتفرقع في السماء
دغل الأشجار مثقل بالثمار
بينما الطيور وفراشات الليل
ترتعش في الهواء
المزارعون يحصدون وسط الحقل
تحت أغوار صمت الظهيرة.
وفوق الجثة أرسم شارة الصليب
وبلا ضوضاء تضيع خطواتي بين
أحضان الخضرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع:
George Trakl ocuvres completes ED.
Gallimard. 1998.


ترجمة: سعيد بوكرامي (كاتب من المغرب)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: نزوي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق