قصائد، للشاعر الأمريكيّ: روبرت بلاي
ترجمة: محمد عيد إبراهيم
روبرت بلاي
يعدّ الشاعر روبرت بلاي (مواليد مينوستا، 1926) من أبرز شعراء أمريكا فترة
بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى الآن. برز صوته في ستينيات القرن العشرين
لمعارضته حرب فيتنام، وبعد قرابة أربعين عاماً كان على الدرب نفسه معارضاً حرب
العراق 2003، كما كشف لعبة سقوط البرجين 2001. نال شعره جوائز عدّة، مثل: جائزة
الكتاب القوميّ 1968 عن ديوانه "نور حول الجسم". كما ترجم عدداً كبيراً
من الشعراء، معرّفاً بمنجزهم الفنيّ: كبير (الهند)، حافظ (إيران)، نيرودا (تشيلي)،
خمينيث (إسبانيا)، ريلكه (النمسا)، وغيرهم.
في شعر بلاي المزيد من التأمل ودعوة للناس للأم جراحهم فيجعلهم أكثر اتصالاً
بالأرض ورغبة في الحبّ لا القتل. يحفزهم ليكونوا "محاربين داخليين" كلّ
همهم أن يكتشفوا فردانيتهم البدائية ويفتّشوا عن أصولهم بعيداً عن أيّ سلطة أبوية.
كما يستخدم الأسطورة الروسية التي تنادي ببحث الرجل داخله عن الذات الأنثوية
الكامنة فيه. يسجّل ما ينبغي أن يظلّ حياً، في محاولة لتوظيف العام بالخاص، حيث
يؤثّر شعره في مواقفه وتؤثّر مواقفه في شعره. مع ذلك لا يريد للقصيدة أن توغل في العقل، يجب
على الشاعر أن يكون لعوباً في شعره، يقول: (الشعر/ شعرنا سيبارك الجميع). كما
صرّح: (على كلّ من لديه أدنى قدر من الإحساس أن يتعمّق في ثقافة الإسلام، لم
تغيّرنا في شيء 11 سبتمبر، فقد تجد مغفّلين يطيرون بطائرة في برج، لكنه من دون
تأثير حقيقيّ على ثقافة الإسلام العظيمة).
***
اللوحة، للفنان الليبيّ الكبير: عمر جهان
صلاة
إلى أبي
يدكَ، لا تزالُ
عصبيةً، تلتوي
شرقاً وغرباً.
الجسمُ الذي فيكَ
المُصرُّ على الحياةِ
هو الصقرُ العجوزُ
الذي منه يُعتمُ العالمُ.
إن لم أكُن معكَ
حين تموتُ، فهو العَدلُ.
أمرٌ طيب.
ذلك الجزءُ منكَ
قد نظّفَ عظامي
أكثرَ من ذي قبلُ.
لكني سألقاكَ
في الصقرِ الشابِّ
الذي أراهُ
داخلَ كلٍّ منا
أنتَ وأنا، سيُرشدكَ
إلى ربِّ الظلامِ،
الذي سيهبكَ
الحنانَ
الذي تريدهُ هنا.
***
قطّة
بالمطبخ
سمعتَ يوماً عن الولدِ
الذي سارَ جنبَ
الماءِ الأسود؟ لن أقولَ
أكثرَ.
فلننتظر بضعَ سنواتٍ.
مطلوبٌ منهُ أن يدخلَ.
يمشي رجلٌ أحياناً جنبَ
بِركةٍ، فتمتدّ
يدٌ وتشدّهُ أن يدخلَ.
لم تكُن هناكَ
نيةٌ، بالضبطِ. كانت
البِركةُ مستوحشةً، أو تحتاجُ
إلى
"كالسيومَ"، والعظامُ قد تُجدي. فماذا حدثَ، إذن؟
كانَ شيءٌ قليلٌ كريحِ
الليلِ، رخوٌ،
يسعى بطيئاً، في تنهّدِ
امرأةٍ عجوزٍ
بمطبخِها في آخرِ
الليلِ، تُقلقِلُ حولَها
الأواني، وتُشعلُ ناراً،
فهي تُعدّ الطعامَ للقطّةِ.
***
من
أكلتهم أمريكا
صرخةُ من أكلَتهُم
أمريكا،
والآخرون الشاحبون المُتسامحون
المُخزَّنون ليُؤكلوا فيما بعدُ
وجيفرسون
من رأى الأملَ في
الشوفانِ الجديدِ
تواصلُ البيوتُ الوحشيةُ
بشَعرٍ طويلٍ نامٍ بينَ
أصابعِ أقدامِها
والأقدامُ تنهضُ ليلاً
فتجري عبرَ الطرقاتِ
البيضاءِ الطويلةِ مع نفسِها
تقلبُ السدودُ نفسَها
وتريدُ المُضيَّ واقفةً وحدَها بالصحراءِ
الكهنة يُسقطون رؤوسَهم
أولاً في الأرضِ
اللحمُ الواهنُ
ينبسطُ بحِسِّ المُجرمِ في
الآدابِ الجديدةِ
وهو سببُ الحزن في هذهِ
القصائدِ
الجريُ الميتُ الطويلُ
عبرَ الحقولِ
الجُرمُ يسقطُ
أرضاً
ونورُ أوجهِ الصغارِ
يشحُب بالسادسةِ أو السابعةِ
سينفكّ العالمُ تواً إلى
مستعمراتٍ صغيرةٍ بمَن بقِي.
***
القطار
المدفون
احكي لي عن القطارِ الذي
قالَ الناسُ إنهُ دُفِنَ
جنبَ انهيارٍ ثلجيٍّ ـ
أكانَ من جليدٍ؟ كانَ في
كولورادو، ولم يرَ أحدٌ
حدوثَهُ.
دخانٌ التَفُّ من
المحرّكِ صاعداً في
خفّةٍ عبرَ أعالي شجرِ
التنّوبِ، والمحرّكُ قَرقعَ.
كانَ الناسُ كلّهُم
يقرؤون ـ بعضُهم
من ثورو، والبعضُ من
هنري وَارد بيتشر.
والمحرّكُ يدخّنُ وهو يقطعُ
رأسَهُ.
أسألُ متى كانَ ذلكَ. هل
كانَ بعدَ
الثانويةِ، أم العامِ الذي
افترقنا فيهِ؟
اقتحمنا ذلك المكانَ
الضيّقَ، وسمعنا الصوتَ
فوقَنا ـ ولم يتحرّك
أسرعَ القطارُ.
لم يتّضِح ما صارَ
بعدئذٍ. هل كنتُ معكِ
جالسينَ لا نزالُ
بالقطارِ، نرقبُ أن تستمرّ
الأنوارُ؟ أم أنهُ قد
دُفِنَ القطارُ الحقيقيُّ؛
فخرجَ قطارٌ شبحٌ يواصلُ
تقدّمَهُ ليلاً...
***
الحياة
في آخر الزمان
العذوبةُ بالغةٌ في
أصواتِ الصغارِ،
والسُخطُ شديدٌ آخرَ
النهارِ،
وراحةٌ كبيرةٌ عندَ
مرورِ القطارِ.
لا أعرفُ سببَ صياحِ
الديكِ دائماً،
أو رفعَ الفِيلَةِ
أجسامَها دائماً،
أو سماعَ القطاراتِ
ليلاً.
الطفلُ الجميلُ هبةُ
اللهِ،
والصديقُ وريدٌ بظَهرِ
اليدِ،
والجرحُ مِيراثٌ من
الريحِ.
يقولُ بعضنا: نعيشُ في
آخرِ الزمانِ،
مع أني أحتملُ وصولَ
ألفِ كاهنٍ
وثنيٍّ غداً ليُعمِّدوا
الريحَ.
لا نحتاجُ فعلَ شيءٍ من
أجلِ يوحنا. فالمَعمِدانيُّ
يضعُ يديهِ على الأرضِ منذ
زمانٍ طويلٍ
فيصبحُ ماءُ الينابيعِ
عذباً حولَ مئةِ ميلٍ.
أمرٌ سديدٌ ألاّ نعرفُ
ما يقولهُ
الديكُ في منتصفِ
الليلِ، أو لماذا نحسُّ
براحةٍ كبيرةٍ عندَ
مرورِ القطارِ.
***
ضفاف
الثلج، شمال المنزل
تقفُ جروفُ الثلجِ
الكبيرةُ
بُعيدَ ستِ أقدامٍ من
المنزلِ...
وتسرحُ بعيداً الأفكارُ.
يتخرّجُ الولدُ في
المدرسةِ الثانويةِ
ولا يعودُ يقرأُ الكتبَ.
ينقطعُ الابنُ عن نداءِ
البيتِ.
تتخلّى الأمُّ عن مُرقِّقِ
العجينِ
ولا تعودُ تخبزُ.
وتحدِجُ الزوجةُ زوجَها
في ليلةٍ
ذاتَ حفلةٍ، ولا تعودُ
تحبهُ.
تهدرُ الطاقةُ النبيذَ،
ويسقطُ الكاهنُ
فيغادرُ الكنيسةَ.
لن يقترب أبداً
مَن كانَ يتحرّكُ داخلاً،
فلا تلمسُ
شيئاً يداهُ، ويكونُ
أمانٌ.
يحزنُ على ابنهِ الأبُ،
فلا يغادرُ الغرفةَ
حيثُ ينتصبُ الكفنُ.
يهجرُ زوجتَهُ، وتنامُ
وحيدةً.
ويرتفعُ البحرُ طيلةَ
الليلِ ثمّ ينهدُّ، والقمرُ يواصلُ
وحدَهُ عبرَ السماواتِ
المنفصلةِ.
في الترابِ
تدورُ إصبعُ القدمِ
بالحذاءِ...
ويستديرُ ذو المعطفِ الأسودِ
فيعودُ
هابطاً التلَّ.
لا يعلمُ أحدٌ لمَ جاءَ،
أو عادَ،
ولم يصعد التلَّ.
***
ليلة
دُعي إبراهيم إلى النجوم
أتذكُر ليلةَ رأى
إبراهيمُ النجومَ
للمرّةِ الأولى؟ بكى إلى
زُحلٍ: "أنتَ ربي!"
وكم كانَ سعيداً! حينَ
رأى نجمَ الفجرِ.
صاحَ: "أنتَ
ربي!"، وكم انهارَ
حينَ شاهَدَها تغرُب. يا
صحابي، مثلنا هو:
نتّخذُ ربنا النجومَ وهي
تغرُب.
نحنُ رفاقٌ مخلصونَ
لنجومٍ خائنةٍ،
حفّارونَ، كحيواناتِ
الغريرِ، نحبُّ أن نحسَّ
بالوَسَخ وهو يتطايرُ
وراءَ مخالبنا الخلفيةِ.
ولن يُقنِعنا أحدٌ أن
الطينَ غيرُ
جميلٍ. هي روحُنا
الحفّارةُ التي تظنُّ هكذا.
ونحنُ على استعدادٍ
لقضاءِ باقي حياتنا.
نسيرُ بأحذيةٍ موحلةٍ في
حقولٍ مبتلّةٍ.
نُشبهُ المنافي بمملكةِ
الثعبانِ.
نقفُ في حقولِ البصلِ
رافعينَ أبصارَنا إلى الليلِ.
قلبي حبّةُ بطاطسَ
هادئةٌ نهاراً، وامرأةٌ
باكيةٌ منبوذةٌ ليلاً.
فبلِّغني، يا صاحبي، ماذا أفعلُ،
لأني إنسانٌ في غرامٍ مع
النجومِ الغاربةِ.
(*) ترجمة الشاعر : محمد عيد إبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق