الأربعاء، 10 مايو 2017

خمس قصائد
للشاعر ة التونسية
سامية ساسي


شَعرة العجين
كيفَ أُفسّرُ لرجُلٍ يُسرّحُ شَعري بأصابعِه و يُغنّي
أنّني أَخافُ المِشطَ؟
*
*
كيفَ سأجعلُ شاعرًا يُصدّق أن رائحةَ التوت الأسود التي يحبُّ في شَعري
خرافةٌ ورثتُها عن جدّتي التي ماتت بجدائلها السمراء. 
وعلّمتني أن الشِّعْرَ
كما الشَّعر،
من يدٍ إلى يدٍ يموتُ. 
و الموْتُ يُفسدهُ السّوادُ. 

*
 *
كيفَ أُقنعُ رجُلاً يتهاوى كلّ ليلة، كطفلٍ، في حِجري
أنّ الخيوط البيضاء الرّفيعةَ، التي تتقطّع في كوابيسهِ،
ليست جسْرًا. 
هي خصلات شَعري التي تتساقطُ فأجمعُها كلّ صباح، قبْل قُبْلتهِ بقليل،
من المغسَل،
من الحائط،
من العجين،
من لُعاب الأدوية،
من غبشِ الصّوَر،
من المعاطف القديمة،
من الكتب التي لم تعدْ كتبًا. 
و أحتفظُ بها في مخدات الصوفِ تحتَ خدّه،
في حقائب القماشِ الملوّنة،
وفي جذع المشمشةِ تحتَ رِجلهِ. 
كيفَ إذن؟
كيفَ لرجُلٍ ينامُ الآن ملْء رأسه، بلا كوابيس، على ركْبتي النحيلة
أن يصدّق أنّني قد أموتُ صلْعاءَ غدًا. 
بلا مِشطٍ،
بلا شيْبةٍ واحدةٍ،
يسحبُها من بيْن أصابعه
وتَسْحبُني، وحيدةً، أسفلَ الجسرِ في كوابيسهِ
كشعْرةٍ تقطّعت، خطأً،
وسط العجين.


حَمْلٌ كاذب
الشّاعرُ الذي قال: حفنةُ الماءِ في جيْبي الضّيّقِ: بحرٌ.
كُذِّبَ حتّى الموْت.
المرأةُ التي على رَفِّ الشّاعرِ،
رأت الشاعرَ في بطْنها: بحرًا
وماتت عَجْفاءَ.
* * *
تقولُ الحكايةُ:
امرأةُ الرّفِّ،
سقطت عنِ الرّفِّ.
صيْحةٌ بحّاءُ واحدةٌ، وانتهى الأمرُ.
وجهها الذي ارتطمَ بالأرضِ،
لم يتأذَّ.
كاحلُها، تحتها، سليمٌ جدا.
رقبَتها أيضًا.
بطْنُها...
إنّها تفقدُ بطْنَها.
حَمْلُها الذي طُرِحتْ بسببه إلى الشّمس
حتّى الموْت،
يذهبُ هكذا هادئًا مع أوّل بحّةٍ.
حِمْلُها الذي يأتي الآن
مكتومًا،
ستحملُهُ وحيدةً جوْفاءَ،
لتُعيدَ ترتيبَ الرّفوفِ من جديدٍ،
بلا بطْنٍ ، رُبّما.
لكن، ببحْرٍ عندَ كلّ رفٍّ.
كلّما زارها الشاعرُ ضيّقًا،
دسّتْهُ في جيبِهِ
فلا يتأذّى،
حينَ تسقطُ امرأةُ الرّفِّ
عنِ الرّفِّ.


من يبيعني زهرة كستناء بريّة؟
البارحة، عبرتُ الجسرَ حافيةً،
كانت الرّيحُ باردةً في فراشي،
كان النبيذُ نتنًا في الأفواه العاشقة،
الشِّعرُ ، أيضا،
لُفافةٌ مُبلّلة بين أسنان نخِرةٍ.
صديقي الصّامتُ كجسرٍ، قال:
خُذي وردةً و اعبُري!
قال أيضا: لا شيء تفعلُه وردةٌ حمراءُ بجسر!
وكانت نافذتي بلا ستائرَ،
ورأيتُه،
رأيتُ الجسرَ ينحني،
فقط،
لأن زهرةَ كستناءَ بريّة،
حين عبرتُ حافيةً،
سقطَت من شَعري
في قاع الفِراش البارد.





من حكاياتي النسوية المملة
أعشقُ كقرويّةٍ .
قد ألدُ كأرنبٍ،
نفسَ الرّجُلِ في كلّ مرّةٍ .
  *
حينَ كانت العاشقاتُ
برِجْل فوْق أُخرى،
يعلّقْنَ ألف رَجُلٍ بيْن نهدٍ وضِمادةٍ،
ويُطْعِمْنَ قططَ محلاّت التجميل شحْمَ بُطونهنَّ،
كنتُ برَجُلٍ واحدٍ
أُجهضُ دمي كاملاً.
 *
اللّيلةَ أيضًا،
وأنتَ في البارِ المُجاورِ وحيدًا
تُعدُّ لأجلي تلكَ الخلْطةَ الغريبةَ، التي أُحبُّ،
من دمكَ،
لم أُغيّر تسريحةَ شَعري.
كنتُ أنزفُ،
أنزفُ من أعلى عيوني حتّى أسفلِها.
وخارجَ صالونات الحلاقة،
غيّرتُ لأجلكَ دمًا بِدمٍ.
وكأرنبٍ قرويّةٍ ألدُكَ في عروقي 
نفسَ الرّجُل،
في كلّ مرّة.


صفيرٌ  صفير
فيما يفكِّرُ ، وحيدًا، في شوارعَ أخرى،
أجمعُ صفّاراتٍ في انتظارهِ،
وأهذي،
كمدينةٍ بلا بَواخرَ ولا قطارات.
 *
يقولُ الهذيان:
المُدُنُ، إناثٌ.
الصَّفيرُ، شوكةُ الرّيحِ في فمِ الشّيطان.
و أنا الأنثى التي تهجٌرها الملائكةُ في اللّيالي العِجاف.
أسدُّ أذنيَّ بجناحات الفَراش.
و أجمعُ الكثيرَ من اللُّعبِ.
لعبًا للبنات،
فساتينَ بيضاءَ قصيرة،
كتبا للطبخِ و الزينة،
كرات من الصّوف،
أضعُها كلّ ليلة عندَ العتبة،
و أنتظرُ.
أنتظرُ حارسًا ليْليًّا
يأخذُ كلَّ العشبِ و الحليبِ الإضافيّ.
يأخذُ الزّفيرَ والصَّفير،
وشهقَة الشيطان في فمي.
ويتركُ لي صفّارةً.
صفّارةً واحدةً تحت الغطاء
تنفخُ الرّوحَ ريحًا في جسدي.
وأهذي،
كمدينةٍ مُشوّهةٍ
بلا حارسٍ
ولا صفّارات!
...........................
(*) القصائد من مجموعة شعرية جديدة، لم تصدر  بعد.
(*) اللوحات، للفنانة المكسيكية: فريدة كالو



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق