السبت، 13 مايو 2017

خمس قصائد
للشاعر ة السورية
رشا صادق



أبعد من الحافّة
ما الذي يأكلنا غيرُ أفواهٍ تبشّر بالعدم
ما الذي يحكّني ويحكّك إلى أن نُمحى تماماً
من يسوّر الهاوية ويفتح لنا شرفاتٍ
نقفز منها مرّةً واحدةً فقط؟
نحن في هذا المكان
حيث نقدّم أنفسنا طوعاً على المائدة
كي يأكل – أولئك الذوّاقةُ ــ
قطعةً من الرِعشة حول الخاصرة
نحن المُملّحَين بكثافةٍ، أنا وأنت.
يا لطعمكَ الحرام
يا لطعم الطعنة في القلب
يا لذّةَ الخراب
ما زلتُ أبحث عن لسانٍ، لكنّني أعرفُ هذه الحلمة
وأعرفُ
أزمنة الموت حين ننام عاريين في الدم.

في مداي أنتظرُ أن أصبحَ أطولَ، أحدَّ
في مداك أنتظرُ أن تصبحَ شجرة
أمّا إله الجسد الأنثويّ فيلعب طائشاً بأسمائنا
مقتبِساً رواياتٍ لم تُكتَبْ عنّا
لكنّها تحمل رائحةَ شهوة.
ماذا سنفعلُ في الحبّ؟
ربّما أقطع ليمونةً وأجلس للأبدِ أراقب النصفين
وأنتَ،
برأسكَ مغموراً في الحِمض وفي الخلّ
ودوداً في موتك الخاصّ
تلعقُ رائحةَ عشّاقي عن جسدي
وتلعنُ الوقت
كم مرّةً يُسمَح لنا أن ننسخَ الرعشةَ من جسدٍ
ونهزّها على جسد؟
حالةُ سكونٍ يا حبيبي ليس إلّا
عطالةُ القلب حين يتكثّف إلى تفّاحةٍ عاصية
عماء اللونِ حين لا تراني ولا أدهشكَ...

تفتِنني النصالُ، تولدُ بأعضائي وأعضائكَ معاً
تقطعُ حلمي وحلمك بعدلٍ
لكنّ الطريقة التي تحلم بها توحي بصهوةٍ عالية
أمّا حلمي فيمكن أن يكون فراشةً لا غير
من يموت الآن عنّي،
وأنا أركضُ في الوحشة التي تشبه السعادة
على الحافّة المثلّمة للكلمة
بين دمي ودمك
بين الحبّ واللاشيء
هَبني موتاً واحداً فقط،
موتاً نظيفاً كطعنةٍ، كرشفةٍ واحدةٍ من كأسِ سمّ
كلمة: أغفر لك

في العتمة، دوماً في العتمة
رأسي على جسدكَ الأرضيّ،
أرضيٌّ حدّ أنّ رائحته ترابٌ وعمرَه مطريٌّ
أسألك إن كان عليّ أن أصغي للسنابل البريّة تنمو
وأسمعَ كلّ هذا الضجيج
أسألك إن كنتَ خبزي، ثمّ أفتّتُ الهواءَ
الجوعُ، منزاحاً من حلمي إلى يديك، أنام.
يا حبيبي.


تشريح النساء
نحن الممهوراتِ بغبار الطّلع وأشياءَ أخرى هشّةٍ، كالريش، يذروه هواءٌ أليفٌ ويبعثرنا في فراغٍ أزرق.
نحن اللواتي مهورنا نقطة دمٍ على كفّ، وثوبنا جنائزيّ، واقفاتٍ حيناً على كتف الريحِ محمولاتٍ حيناً على عُرف فرسٍ متكئاتٍ على اللاشيء راكضاتٍ في عين القدر جالساتٍ واليدُ على الخدِ وفي الصّدر حنين.
باذراتُ الملح في السرّة نحن، ساقياتُ العين نهّالاتُ الشهيق زارعاتُ الشّموس على سرّ الجسد قاطفاتُ الحزن حاصداتُ الزمن الرتيب في كلّ المواسم. يا ملحُ يا قمحُ يا خميرةَ النساء في لبّ القلبِ هذا الخبزُ له طعمنا له عَرَقنا له لوننا الحنون ولنا جوعنا الأزليّ.
نحن اللواتي لا نقصّ شعرنا أبداً ولا يُرى لنا ظلّ، نتدلّى من عنق الهاوية وندّعي أنّنا قرطُ لؤلؤ، نلبس الخفّة ونموت تحت وردة، دمنا على مبسم الفراشة والرحيق مرٌّ، مرصوفاتٍ حلمةً فوق حلمةٍ يداً فوق يدٍ نوماً فوق نومٍ قامةً فوق قامةٍ سماءً فوق سماء بابلُ الجسد المنخطف كالمسرنَم شرفةٌ للسقوط لأعلى وأعلى وأعلى كونشيرتو للحطام.
هذا اللحنُ هذا اللحن، نحنُ أوتار الكمنجات المقطوعة نحن كمانٌ مهجورٌ في الزّهر في الزّهر المهزوم في الزّهر على شفا العالم في الزّهر الذي ينمو على بسمةِ الرجل في الزّهر الذي في الفراديس في الزّهر العالق على ثياب الملائكةِ حين تنام قليلاً كثيراً في رطوبة الحكايات في آخر الحكاية أنّنا سنموتُ سنصيرُ العصافيرَ سنرفّ من الخشب سعيداتٍ سنونواتٍ تطير نطير.
نُرضِعُ  طفلةَ رحمنا نرضِعُ طفلةَ الغجر طفلةَ الذئاب طفلةً الحجرِ طفلةَ البردِ طفلةَ الكفّ طفلةَ العين طفلاتٍ لم يُعرفْ لهنّ أسماءُ ولا سنُّ لبنٍ حليبنا مبقّعٌ بالسمّ حليبنا كالرحيق حليبنا معموديّةُ النساء للنساء حليبنا آخرُ ما بقي من أنهارِ عدنٍ حليبنا أبجديّةُ النساءِ نكتبُ بحرف الحليب غير المرئيّ على الجسد الخفيّ كنّا هنا نكتبُ بحرف الحليب الأبيض على الوجه الأبيض كنّا هنا نكتب على الصراخ على الماء على المِزقة في الرّحم.
مريماتُ التفّاح نحن، نبري أصابعنا إلى إبرٍ وندخل في السمّ لنخيط النهد والنهد إلى تفّاحة كاملةٍ المنذوراتِ للتفّاح نحن في أديرة التفّاح في الضوء القليل في رائحة العتيق ننزف كلّما قُطفتْ تفّاحةٌ عن الغصن هذا الدمُ من النهد الأيسر هذا الدم من النهد الأيمن هذا الدم من التفّاح السرمديّ.
نحن الأبديّاتِ على استدارة التفّاح طيّباتٌ نطعم أكبادنا للريح صابراتٌ نيبّس قطوعَ النهد نيبّس خثارَ الدم باقياتٌ نملأ الجرن ببذور التفّاح ونموت من جديد.
نفتُق الحرفَ الذكرَ عن الحرفِ الأنثى نقسّم الماء إلى بحرٍ وإلى باردٍ-مغليّ نقسّم الأضلاع إلى أوطانٍ وإلى كسورٍ نجرّد الشريان عن الوريد.
جاراتُ النوارس نحن حبيباتُ الفراشاتِ مرايا الكلامِ حبّةُ القلب.
المخضّباتِ بالأزرق الملكيّ نحنُ،الرقيقاتِ في الهواء الخفيف، كالريش، نمسك غبار الطلع.


قدّاس منتصف الصيد
غداً سينتهي كلّ شيء
غداً
أيَّ غدٍ، غدٍ ما، ليس له رائحتي ولا رائحتكَ
الزينةُ تسقطُ عن ذراعيّ، كراتٌ حمراء وذهبيّةٌ تفرّ في كلّ الاتجاهاتِ، عيونٌ زرقاء وخضراء تتدحرجُ معها. جهاتي قليلةٌ: جهةٌ للبكاءِ، جهةٌ للقلب!
لم يكن عيداً، لكنّ الصنوبرَ يوحي بغابةٍ، والغابةَ بآلافِ أيائلَ، والأيائلَ بأبواقٍ تعلن الصيدَ...
صِيدوني، أنا المقطّعة في جسدي، أنا الغابةَ في دمي، أنا الصراخ على فمي
صِيدوني، أنا الأيل الذي عاش قرناً أطول من عمره
صيدوني، أنا القرون المتشابكة في الشوك، العالقة في وقعِ الخطا، خطا أجيالٍ من الأيائل المرهفةِ كالكآبةِ تنتحر إيلاً بعد إيلٍ على حافةِ العالم البهيّ.
هذا اللحمُ يسترخي على قضبانِ صلبه، متعباً من العالم يطارده بقطعانِ كلابٍ وبالملحِ المتأهّبِ للجرح. سأغمضُ عينيّ ريثما تأكلوني لقمةً لقمة، سآكلُ أصابعي لأنّها كتبتْ على جبيني أسماءَ كائناتٍ لا تليقُ ببشاعةِ العالم، كُلُوها أيضاً. طعمُ الدمِ يسيل من فمكم إلى فمي ويتفكّك...

لا أهربُ، أعرفُ أنّ موتي هنا بينَ العظمِ والعظم. كلّ ما سأفعله هو أن أتمسّكّ بذروة الشجرةِ كنجمةٍ أخيرة. أريد لضوئي الأخيرِ أن يذوقَ طعمَ الريحِ الحرّةِ وطعم الفراغِ الفاره، أن يسكر، أن ينتشي بنفسه إلى آخرِ وجودٍ في آخرِ كونٍ وعندها فقط سأصرخ: أنا ملكة هذا العالم... وأقفزُ عن حافّة نفسي.
أنا ملكةُ هذا العالم، ملكةُ هذه الحافّةِ التي تهدّدني لا مرّةً بل مرّتين، ملكةُ الأيائلِ البيضاءِ النافرةِ من جنسها تحدّق في عريها بعيونٍ قرنفليّةٍ مترقّبةً الثلج الأمهق الحنون، ملكةُ القرون المنحوتةِ إلى آلاف النساءِ الطوطميّاتِ، ملكةُ العيونِ الضائعةِ في اليباس، ملكةُ كهوف الجليد وحلكةِ القلب...
لن أهرب، سأخلعُ تاجي وعظامي وأمشي في الغابة إلى حيثُ تفغرُ أفواهَها تلكَ التفاحاتُ المتوّحشةُ وتحكّ أعضاءَها بي لتلدَ مسوخاً يعضون ثدييّ ويمتصّون دمي...
ها جلدي شاحبٌ كأنّما بعدَ بكاءٍ مأتميّ، ها رائحتي تلاشتْ وكأنّك لم تحفظها قطُّ، ها يداي تتقصّفانِ كحبّتي بَرَدٍ، ها قلبي تنفخُ عليه ليتنفّسَ
لكن....

أيّها الصائدونَ، الهواةُ وأولئكَ المحترفونَ سلخ الوريدِ عن الوريد
أيّها العالمُ الخشنُ بملحه وبالكبريتِ وبالبرابرة
أيّها الحبيبُ الأليفُ، الأشدّ ألفة
أنا أمشي في موكبِ الحرير وأتلفّتُ، من خلفي أيائلي التي لا تُعدّ ترفلُ في دمها المخضّبِ وتسيرُ الهوينى على خطوي ورغبتي. سأنكرُ ما تبقّى، سأنكرُ أنّكَ فرشتَ لنا هذا الحرير على الثلجِ الذي لم يسقط بعدُ، أنّكَ نقّيتَ الطريقَ من الحصى وربّتَ على شعرنا مُطَمْئِناً تحتَ ذبحة السكين، أنّكَ طويت فساتيني وعلّقتَ حزنَ أيائلي على المسامير للذكرى، أنّكَ أيضاً رسمتَ خطّ النهايةِ وأضأتَ لنا الزينةَ والمصابيحَ كي تخفّفَ قليلاً من وحشةِ الموت...
سأنكرُ، علّك تخدعُ الموت....
أنا في النومِ، في نومِ الأيائلِ المرهَقِ، أمسكتُ تلكَ السكينَ وحفرتُ اسمي على ظهرك. حينَ نزفتَ كبستُ الجرحَ بلساني وانتظرتُ أن تشفى، لم أدلّكَ على الوجع المركّزِ في القلبِ ولا على الدمعتين... قلتُ لكَ غداً، أيَّ غدٍ، سأصلُ إلى منتهى الأيائلِ حيثُ أعانقُ العاجَ الأزليّ وأموتُ بصمتٍ. لم تصدّقني ولم تستطع يداكَ العالقتان في الأفخاخ أن تشدّاني من نومي الخطيرِ لأرجعَ إلى أوّلنا الفردوسي وإلى أناي التي بلا أيائلَ مجنونةٍ وإلى أناكَ العاشقة...
لم أستيقظ ولم تعرف أنّني أنامُ بعينين مفتوحتين من زمنٍ حكيمٍ كنتُ أخافُ فيه على نومكَ أن يسرقَه العابرون...
لم أستيقظ ولا أريدُ أن أنهرَ أيائلي بالصمتِ في صرختها ما قبلَ الأخيرة. أيائلي الحزينة، الحزينة للغايةِ، تختارُ أن تنحازَ إلى موتها بكبرياءٍ لا أن تأكل لحمي...
لم أستيقظ ولا أريد أن أوقظكَ. الذين جاؤوا لصيدي يمسكون للتوّ أطراف قلبي ويبدؤون بسلخي...
لم أستيقظ ولا أريدُ أن ترى. اتفقنا منذُ أعيادٍ بعيدةٍ ألّا نهايةَ للشِعر وألّا يخلعَ القلبُ زينته. للحقِّ، لم ينتهِ النبيذ ولا الشمعُ ولم تخفتْ خضرةُ الصنوبرة، لكنّني متعبةٌ كأيائلي المهترئةِ أحدّقُ فيكَ تقفلُ باباً ليس بابي وتنامُ فأركض أركضُ أركضُ وتسبقني كائناتي وقلبي وأيائلي إلى بلادِ الوحشة.

متعبةٌ أنا من لملمةِ عيوني كلّ يومٍ
متعبةٌ من تدريبِ أيائلي على الموتِ كلّ يوم
متعبةٌ من مسرحيّة قتلكَ كلّ يوم
متعبةٌ من المشي تحدوني أيائلُ وقصائدُ وسحرةٌ وماكرون وصيّادون وشاحذو سكاكينَ ومتفرّجونَ وفضوليّون وحروبٌ وترابٌ وجرائدُ وعظمٌ ومقابرُ وسلالاتٌ لكن وحدي، وحدي في زحمةِ نفسي
يا حبيبي، يا حبيبي الأليف...
أيّها العالمُ الموصوفُ من قبلُ...
أيّها الصيّادون، أنفسكم...



عِلمُ المخلوقاتِ الوحيدة
على الشامةِ أسفلَ بطني
سيسقط رأسكَ.
رتّبتُ للبلادِ أن تهجرَ أظافرها
للكهنةِ أن يصطحبوا كستنائي للقيامة
للراقصاتِ أن ينمنَ قليلاً
لحضني، أن يلملمَ دمكَ
وأنتَ.
لا مَن يقرأُ العلاماتِ الآنَ
ليدلّني على الاتجاه الآمنِ للسكّين،
سأفكّر كثيراً
باليمين،
بفمي،
بالطير الأعمى على كتفي،
بكتفي ذاتِها مسنودةً على عظامكَ،
بساقيّ تتقاطعانِ فوق الحفرة،
بتشكيلةِ اللحمِ والدم،
بالشامةِ ذاتها التي تقلّبها بين يديكَ
وتسمّيها باسمكَ.
سأفكّر أكثر،
بكتابة اسمكَ
بكتابة طنين الأذنِ وجلبةِ الإشاراتِ ورقصةِ النحلِ
بكتابة قصائدَ هلاميّةٍ لم تأخذ أشكالها بعدُ
بتسميّة كلّ الكائناتِ بأسماءٍ جديدةٍ
حتّى أنتَ!
حتّى حلمتيّ!
أعترفُ لك:
أنّني أشرّح حلمتيّ مرّتين في اليوم
وأعرفُ اللحظةَ التي ستنقضّان فيها عليكَ
كلبوتين رومانيتيّن
وتمزّقانكَ،
المسرحُ فارغٌ مع ذلكَ، أنا إمبراطورةٌ بلا عشّاق
أطعمتُ غنائمي للأسُودِ
وكنتُ وحدي.
حدّق جيّداً في تاريخي
حدّق في مخلوقاتي الوحيدة:
البلادُ المستوحدة، السّباحةُ في نهرٍ وحيدٍ،
كوكبٌ،
جسدٌ بلا سرّةٍ، كذبةٌ، قبيلةُ أنوثةٍ،
ذرّة ملحٍ،
وموسيقا
لا تغمض عينيكَ قبل أن تتعلّم فنّ الاختفاء في رائحتي
قبل أن تتجانس في الشامة مع الموتِ
وعصيرٍ آخر
قبل أن تعدَّ الشامات...



عيون الزمن الأخضر
سأمسك البلاد من شَعرها وأجرّها لحدائق الموتِ
سأمسكَ باقاتِ الجنائز وأرميها للعروس
سأمسك الخواتم وأرميها مثنىً مثنى في العين
ورائي أمّهاتٌ لم يُعرَف لهنّ قتلى، إجاصٌ لم ينبت على شجرٍ
جنودٌ مهترئون،أنبياءُ يابسون، لصوصٌ، مغنياتٌ
آباءٌ لنهودِ عاصيةٍ راكضة من بنتٍ لبنتٍ
وأبناءٌ منسوبون للذئب.
يا حبيبي
يا حبيبي
كم رغبتُ أن أعصر الزمن الأخضر لنشربه بعد الظهرِ
وأن أطرد كلّ أولئكَ الموتى من إبطيّ.
في زمني الأخضر تحدّق بي وأدلّك عليّ
أشرح لك
القلبَ الأيسرَ، الهواءَ، الوداع، عصَبَ الحبّ،
النوم، آدمَ، انسيابيّة الأفاعي، وخزةَ الحبّ،
امرأةً اسمها السرُّ، الشفة النيئة، النزفَ، ذبحة الحبّ،
ولا شيء.
في زمننا الآخرِ نعيرُ أعيننا للحرب.
كم رغبتُ أن ننظر بالفراغ مطرحَ العين
وأن نبتسم، قليلاً، ثمّ ننام
أن يفلتَ الذئبُ الذي يسرق العين ويلهو بها
ألّا نبالي بالناسِ خلفي،
أولئك الذين يقطفون العيون طازجةً للحبّ
ويموتون.
يا حبيبي لماذا نِمتَ؟
إن بكيتُ سأبكي لكَ أيضاً...
هو الخروج عن عادة الملحِ ما ألهم الماءَ أن يقضم ساقي
هو الخروج عن عادة الأخضر ما أوحى للزمن
أن يعبثَ بشاماتي
أمّا أنت فبقيتَ مرهفاً في الخراب
أصابني ما يصيبُ النهد حين لا يصبرُ على حليبه ويتوحّش
قضمتُ حلمتيّ حتّى آمنوا بي
قيّدوني في آخرِ موكبِ الجنائزِ، الخواتمِ،
الأبناءِ الذين لم يشبعوا من عظام أمّهاتهم قطُّ،
الإجّاصِ الملعونِ بوحشة الفراديس،
العيونِ التي لبسها بالتناوبِ جنودٌ ولصوصٌ وأنبياءٌ،
لا أغنياتٌ،
الأجسادِ التي ليس لها تشكيلٌ أنثويٌّ ولا سمتُ ذكر،
الذئابِ الأليفةِ ألفةً خضراء...
مَن يبالي لو أنّي قطفتُ من جوعكَ إجاصةً
وغفوتُ قليلاً، كثيراً
وحملَتني الأكفّ إلى طريقٍ لا يبعدُ عن القلبِ
بمقدار ثَقبٍ
أسقط في الثَقبِ
أسقطُ في حموضةِ النهد
أسقطُ في الورق البياض
وأرتكبُ كلّ ما سبق من كلماتٍ
أسقطُ في قلبكَ، بالطبعِ
أسقطُ في الزمن الأخضرِ، ويتبعني
موكبٌ من بلادٍ وأمّهاتٍ وموتى... إلخ... إلخ....
...........................
(*) القصائد من مجموعتها الشعرية الجديدة: (تشريح الخوخ/ محاولات غير  مكتملة لتعريف السكّين). دار  (أرواد)، 2017

(*) اللوحات، للفنانة المصرية/ السورية: شلبية إبراهيم 

هناك تعليق واحد: