الأربعاء، 17 مايو 2017

حياتي مع باشلار*
بقلم : عبد اللطيف اللعبي
ترجمة : سعيد بوخليط
اكتشفت عمل غاستون باشلار حينما كنت في الجامعة، بداية سنوات الستينات، بفضل أستاذي غابرييل بونور، الذي كان أيضا القارئ الأكثر إصغاء لأولى نصوصي.أي حظ بالنسبة إلي أن يرافقني خلال بداياتي صاحب مؤلف : (Marelles sur le parvis)،وهو كتاب استثنائي في النقد الأدبي خصص أساسا للقصيدة، أعيد قراءته بانتظام !لما انغمست قليلا بين ثنايا نصوص باشلار ،وقعت على مقطع من كتابه : شاعرية التأمل الشارد.حيث استشهد باشلار تحديدا بغابرييل بونور  وقد كتب عن إدمون جابيس مايلي :((يدرك الشاعر بأن حياة عنيفة،  متمردة ، جنسية ، متماثلة تمتد على مستوى الكتابة والتلفظ. تتوحد الفوارق المتغيرة ،وتلونات الصوائت المؤنثة الناعمة  والمتباينة ،مع الصوامت التي تضعف بنية اللفظة الذكورية.تتناسل الكلمات مثلنا وكأعضاء كائننا الأول.تبحث مثلنا عن تحققها وسط مملكة للحقيقة،وتمردها وحنانها وشوقها ونزوعها مثلنا يجتذبها النمط الأصلي للأندروجين)).
فيما بعد،وخلال فترة اعتقالي شعرت بالرغبة من أجل إعادة قراءة باشلار.مؤلفات كالذي أشرت إليه أعلاه أو شعرية المكان حدثتني أكثر عن داخلي.ظهر لي ،بشكل مفارق ،أن السجين وحده بوسعه حقا التقاط ما توخى الكاتب توضيحه.في كل الأحوال،رنّ كلام باشلار كثيرا،خلال تلك الفترة ،داخلي وبشكل قوي ،قياسا للفترة التي اكتشفته فيها.إن إنسانا محروما من حريته، ثم كونه شاعرا،لا يمكنه سوى أن يؤخذ من تلابيبه ،حين قراءته مثلا ،مايلي :((إن مقطعا شعريا كبيرا ()يعاقب الكلام الطارئ.أليس جعل الكلام غير متوقع بمثابة تمرن على الحرية؟أي سحر يعثر عليه الخيال الشعري حين استخفافه بأشكال الرقابة !قديما ،قننت فنون الشعر الجوازات الشعرية .لكن القصيدة المعاصرة أدخلت الحرية إلى جسم اللغة نفسها.بالتالي تتجلى القصيدة مثل ظاهرة للحرية)).
مع"اختبارات الصحة الأدبية "التي أتهيأ لها تقريبا كل عشر سنوات، يحدث لي الشعور بالرعب جراء التراكم ،مما يدفعني إلى القيام بعملية توضيب كبرى لخزانتي.كثيرة هي الكتب التي شكلت قسما من نصوصي الكلاسيكية خلال هذه الحقبة أو تلك أستبعدها  دون مبالاة كبيرة!لكن مؤلفات باشلار ظلت صامدة.عندما أعدت فتحها هذه الأيام ،ثم اكتشف على ظهر الصفحة أو تلك ختم إدارة مصلحة السجون(السجن المركزي بالقنيطرة) !وأقول مع نفسي هناك تجارب جليلة في الحياة تصاحبنا إلى أبعد حد.مؤلمة أو سعيدة ،تنتهي بأن تمتزج وتشكل نسيج حساسيتنا،وتيقظنا،وكذا كيفية وجودنا ،ثم أن نكون في عالم الأحياء.ضمن هذا النسيج ،شكل عمل باشلار بالنسبة إلي خيطا نفيسا ،وأصيلا مثلما بوسع أمي نعته وهي منكبة على التطريز.
* هامش :

Abdellatif Laabi :petites lumières ;écrits(1982-2016).2017 .PP180- 181.       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق