السبت، 6 مايو 2017

قصيدة
(فصل الشرّ)

للشاعر المغربيّ: وديع آزمانو



مقام أول

"أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله،
فإن قالوها عَصَموا مني دماءهم وأموالهم"
(حديث شريف)
.
..
"
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ.
مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا"
(إنجيل متّى)

.............................................
/
قد رُفعتِ الأقلامُ ؛ سيوفا 
جفَّتِ الصُحُفُ في دمٍ مركوزٍ 
ومن يومها، يكبُرُ العالمُ في الشرِّ
أليسَ انتخابُ الانسانِ 
خطيئةُ اللهِ القاتلة؟!
/
شكَّلتني من فتنةٍ 
ثمَّ أطلقت ملائكتكَ، يزرعونَ شوكَ الغيرةِ 
أطلقتْ شياطينكَ يخِزون بالشكِّ تفّاحة اليقين 
أطلقتْ أنبياءكَ يصهرونَ معدنَ الطِّينِ 
يفتِّتونَ الجسدَ بكبتٍ مبين
أطلقتْ جنودكَ 
يستفتتحونَ في كلِّ شاردةٍ 
حضوركَ 
ويرفعونَ في المهبِّ
جمجمتي 
ولا أرى غيرَ وجهكَ، 
في اصطفاقِ الظنون!
/
أنتَ خالقُ كلِّ شيءٍ
فما الشرُّ إذن؛ إن لم يكن التجلّي الأقصى
للحقيقة؟
/
قد ناديتهُ؛ اسجُد لي 
كن ناقصَ الطبيعةِ 
كن الخطأ، فأبى و استكبر 
وكنتُ من الخانعين 
/
هل عليَّ أن أقبلَ مشيئتكَ؛
أن أرزحَ في القيدِ مذ إشراقةِ كلمتكَ في الصُّحفِ الأولى 
أن أنحني دوما للطُّغاةِ و الكهنةِ و الأنبياءِ و الدجّالين 
أن أكون كما تشتهي؛ 
حماراً يركبهُ كلُّ سفَّاحي التاريخ؟ 


/
لأنّكَ الأبُ ؛ كُلِّيُّ الصلاحِ
فقد تعبتَ جدّا من أجلِ خلقِ العالمِ
حتى تفصَّدَ جبينكَ عرقا فُسفوريا 
ولأني كائنٌ منتهي الصَّلاحية
مثلَ عُلبةِ سردينٍ 
فقد تعفَّنتُ جدَّا في الداخلِ
لدرجةِ الاختناقِ بـــ "السَّارين"
أنتَ لا تعرفُ ما "السَّارين"،حتما
وأنا ما زلتُ في اختناقي 
أرقبُ مفتاحَ الخروج 
/
لأنَّكَ الشرُّ المحضُ 
تقرَّبتُ إليكَ بالدِّماءِ 
/
في البدءِ؛ كانت خليَّةٌ واحدةٌ 
جنسٌ واحدٌ 
فكيفَ تفتَّقتِ الخلايا في العصَبِ 
كيفَ انشطرَ الجنسُ الواحدُ ؛ ثنائيةً للقتلِ
كيفَ صرنا شُعوبا و قبائلَ 
تشربُ من حِياضِ الدَّم؟!
/
ليستِ الطبيعةُ خيرا مُطلقا 
أخي "روسّو"
مثلما المدنيَّةُ؛ليست سوى إعادةِ توزيعٍ
لمحصولِ الشرّ
/
الشرُّ ؛ عقيدةُ الكائنِ 
مُذ أزلٍ يفورُ
شريعتهُ المُشتهاةُ 
إلى آخرِ قطرةٍ 
تشربها الحياةُ
/
الشرُّ كلُّ الشرِّ
أراهُ الآن؛ في ألبومِ العائلةِ البشرية
كلَّما نظرتُ إلى صورةٍ
سالتِ الدماءُ
من عينيَّ
/
مرَّة أخرى؛ أرى الشرَّ 
يتمدَّدُ في سريرِ العالمِ
كأفعى بمليونِ رأسٍ عنقودية
بينما جُلودنا تنسلخُ 
في حرارةِ "النابالم"
و البلادُ؛ تقيمُ في لسانِ تِنِّين
/
السُلطةُ ؛ شرٌّ مستطير
/
الكراهيةُ ؛ شرٌّ جبان
/
الشرُّ ؛ دواخلنا المطمورةُ بابتسامة
/
الشرُّ ؛ ليس ظلما اجتماعيا حبيبي "ماركس"
ولا كبتا عنيفا سيدي "فرويد" /
الشرُّ ؛ ماهيةٌ خبيثة
/
نادرا ما أتعثَّرُ بالخيرِ ذاكَ الشرَّ المهذَّبِ، فأرسمُ بلونهِ  تكبُّدَاً مثلَ شمسٍ حارّةِ العاطفةِ القائظة، أخيطُ بإبرتهِ الخضراءِ قحطَ الجغرافيا وأرتقُ جراحَ الذاكرةِ الكونيةِ، أفركُ قميصَهُ حتى يبيَّضَ بصرا في عمى الحكايةِ، أدعكُ بالوارفِ منهُ أطرافا تيبَّستْ كجذعِ شجرةٍ مجذومةٍ، 
وأهيلُ الترابَ على العظامِ متسنِّنةً مثلَ رُمحٍ
 
قد أقولُ: الشرُّ؛ يُفصحُ في عاصفةٍ من الطيرانِ الحربيّ، في براميلَ تنفجرُ في عسلِ الطفولةِ، في تشقُّقِ الكائنِ يرمي بهذيانهِ الفاجعِ ،في احتدامِ القلقِ و الخوفِ 
لكن؛ مَن يُنقذني الآن، من شرِّي الماتعِ 
مَن ينقذني :
وأنا، ألقي في سديمِ الوقتِ؛ هلعي
كنطفةٍ مُشوَّهة !
......
........................................
 
(*) اللوحة، للفنان الفرنسيّ: إيريك لاكومب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق