السبت، 25 يونيو 2016

قصائد للشاعر الفرنسي جاك بريفير (1900-1977)

ترجمة الشاعر العراقي سامي مهدي


                                    Jacques Prévert

الإفطار Dejeuner Du Matin


صبَّ القهوة..
فى الفنجان
صبَّ الحليب..
فى فنجان القهوة
وضع السكر..
فى القهوة والحليب
وبالملعقة الصغيرة ..
راح يُدير
شرب القهوة بالحليب..
ووضع الفنجان..
من دون أن يكلّمنى
أشعل سيجارة،
وراح يعمل دوائر من الدخان،
نفض الرماد..
فى المنفضة،
من دون أن يكلمنى
من دون أن ينظر إلىّ،
قام،
وضع قبعته على رأسه،
لبس معطفه المطرى
لأن الجو كان مطيراً
وخرج،
تحت المطر،
من دون كلمة،
من دون أن ينظر إلىّ
وأنا
وضعت رأسى بين يدىّ
وبكيت.

***



الموسم الجميل La Belle Saison

جائعة، ضائعة، متجمدة
وحيدة بدون أى "سينت"[1]
فتاة عمرها ستة عشر عاماً
واقفة ما تزال
فى ساحة "الكونكورد"
فى ظهيرة الخامس عشر من آب.

***

اليكانت[2] ALICANTE

برتقالة فوق المنضدة
وثوبك فوق السجادة
وانت في فراشي
حاضر حلو للحاضر
برد الليل
دفء حياتي

***

الكسوف L'eclipse

لويس الرابع عشر الذى سُمّى أيضاً الملك الشمس
كان غالباً ما يظل جالساً على كرسىّ المَبْوَلة[3]
فى نهاية عهده
وذات ليلة حالكة الظلام
نهض الملك الشمس من فراشه
وذهب ليجلس على كرسيّه
واختفى.

***

أغنية Chanson

فى أى يوم نحن
نحن فى كل الأيام..
صديقتى
نحن كل الحياة..
حبيبتى
نحن نحب بعضنا بعضاً ونحيا
نحن نحيا ونحب بعضنا بعضاً
ونحن لا نعرف ما هى هذه الحياة
ولا نعرف فى أي يومٍ نحن
ولا نعرف ما هو هذا الحب.

***

الخريف L'automne

حصان يتهاوى وسط الزقاق
والأوراق تتساقط عليه
وحبنا يرتجف
وكذلك الشمس.

***

الصراع مع الملاك Le Combat Avec L'ange


لا تذهب إليه
فكل شىء مُدبّر سلفاً
والمباراة مزوّرة
وحينما سيظهر على الحلبة
مُحاطاً ببروق المغنسيوم
سيرتلون بأعلى أصواتهم تسبيحة الشكر
وحتى قبل أن تكون قد نهضت من كُرسيّك
سيقرعون لك الأجراس إلى أقصاها
وسيلقون فى وجهك الإسفنجة المقدسة
ولن يكون لديك وقت لتُطيّره بريشة
وهم سينقضون عليك
وسيضربك تحت الحزام
وستنهار أنت
وذراعاك، ببلاهة، مفتوحتان كالصليب..فى النشارة
ولن تستطيع بعدُ ممارسة الحب أبداً.

***

كما لو حدث بمعجزة Comme Par Miracle

كما لو بمعجزة
برتقال على أغصان شجرة برتقال
وكما لو بمعجزة
يتقدّم رجل
مقدّماً، كما لو بمعجزة،
رجلاً أمام الأخرى ليمشى
وكما لو بمعجزة
بيت من حجر أبيض،
انتصب على الأرض خلفه.
كما لو بمعجزة،
يتوقف الرجل عند شجرة البرتقال
يقطف برتقالة، يقشرها، ويأكلها،
يرمى بقشرها بعيداً، ويسحق بذورها،
مرويّا، كما لو بمعجزة،
عطشه الصباحى الشديد.
كما لو بمعجزة،
يبتسم الرجل،
وهو ينظر إلى الشمس التى تشرق،
ويسطع ضوؤها.
كما لو بمعجزة،
امرأته نائمة.
متعجباً
من رؤيتها على هذه الدرجة من الشباب والجمال،
وكما لو بمعجزة،
عاريةً تحت نور الشمس،
ينظر إليها.
وكما لو بمعجزة، تستيقظ من نومها،
وتبتسم له،
كما لو بمعجزة يداعبها،
وكما لو بمعجزة تتركه يداعبها.
عندئذ، كما لو بمعجزة،
طيور مهاجرة مرّت.
هكذا مرّت،
كما لو بمعجزة،
طيور مهاجرة كانت تغدو نحو البحر،
طائرة طيراناً عالياً جداً.
وتحت، فى البيت الحجرى،
حيث الرجل والمرأة،
كما لو بمعجزة،
مارسا الحب
طيور مهاجرة، أسفل، فى الحديقة
حيث، كما لو بمعجزة، تؤرجح شجرة البرتقال برتقالها،
فى نسيم الصباح،
تاركة، كما لو بمعجزة، ظلها على الطريق،
على الطريق حيث يتقدم قسّ،
الأنف فى صديريته والصديرية فى اليدين،
والقس، وهو يدوس قشر البرتقالة الذى رماه الرجل بعيدا،
ينزلق ويقع
مثل قسّ ينزلق بقشر برتقالة ويقع فى طريق
صباح جميل.

***

قبّلنى Embrasse - Moi

حدث هذا في حي من أحياء مدينة "لوميير"[4]
حيث الظلام مطبق دائما، ولا هواء ثمة أبداً..
وحيث الشتاء كالصيف هنا شتاءً دائما
كانت على السلم
هو إلى جانبها وهي إلى جانبه
وكان ثمة ليل
تفوح منه رائحة الكبريت
لأنهم قتلوا البعوض عصرا
قالت له:
ظلام ها هنا
وليس ثم هواء
والشتاء كالصيف، شتاء دائماً
وشمس الله لا تسطع هنا في منطقتنا
فلديها الكثير الذي تفعله في الأحياء الغنية
فاعتصرني بين ذراعيك
وقبلني
قبلني طويلاً
قبلني
فان لم تفعل ذلك الآن
فسنكون قد تأخرنا كثيرا
وحياتنا هي الآن.
هنا نمرض من كل شيء
من الحرارة..من البرودة
نتجمد، نختنق
وليس ثمة هواء
فإذا توقفت عن تقبيلي
فيبدو لي أنني سأموت اختناقاً
عمر كل منا خمسة عشر عاما
وعمرنا معا ثلاثون عاما
وبهذا لم نعد طفلين
لنا من العمر ما يكفي لنعمل
ولنا ما يكفي لنتبادل القبل
فان لم نفعل فسنكون قد تأخرنا كثيرا
حياتنا هي الآن
قبلني!

ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] الفرنك الفرنسي يساوي مائة سينت.
[2] اليكانت: نوع من النبيذ الفرنسي، وهو ايضا اسم مقاطعة في اسبانيا اذا قرأناه "اليكانته".
[3] كرسي المبولة: كرسي مثقوب القاعدة كان يستخدم لقضاء الحاجة.
[4] لوميير تعني الضوء بالفرنسية.

(*) الشاعر العراقي سامي مهدي في ويكيبديا.
(*) جاك بريفير: قصائد مختارة، ترجمة سامي مهدي، دار المأمون، بغداد، 1988.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق