Fredric Jameson |
مسألة ما بعد الحداثة ـ كيف يمكن وصف خصائصها الرئيسية، وهل توجد في الأساس، وهل للمفهوم أي فائدة أم هو على العكس يدعو للتشوش والإرباك؟ تلك المشكلة جمالية وسياسية في الوقت نفسه، فيمكن رؤية المواقف المتعددة لما بعد الحداثة والمصطلحات التي تندرج تحتها تتفوّه برؤى لتاريخ يصبح فيه تقييم اللحظة الاجتماعية التي نعيشها اليوم موضوع تأكيد أو دحض سياسي. وحقيقة فإن بادئة المناظرة تدور حول افتراض استراتيجي مسبق عن نظامنا الاجتماعي، وهو أن منح أصل تاريخي لثقافة ما بعد الحداثة يتضمن أيضاً تأكيد اختلاف بنيوي جذري بين ما نطلق عليه أحياناً مجتمع المستهلك والرأسمالية التي سبقته ونبع منها.
ترتبط بالضرورة الاحتمالات المنطقية المتعددة باتخاذ موقف من ذلك الموضوع المحفور في تصميم ما بعد الحداثة نفسها، وهو تقييم ما يسمى الآن "الحداثة العليا" أو الكلاسيكية. وعندما نحاول إجراء جرد مبدئي للمنتجات التي يمكن أن نطلق عليها ما بعد الحداثة يجذبنا بشدة إغراء البحث عن الصفات المتشابهة لتلك الأساليب والمنتجات المتنافرة، ليس مع بعضها البعض وإنما مع جماليات وتأثيرات الحداثة العليا، فتقف كرد فعل لها بشكل أو بآخر.
تتميّز المناظرات المعمارية، خصوصاً المناقشات الافتتاحية لما بعد الحداثة كأسلوب مميّز، بفرض الصيغة السياسية على الموضوعات التي تبدو جمالية، والسماح لها بالظهور والتجلي، حيث تتسم مناقشات الفنون الأخرى بالغموض والألغاز. وبصفة عامة يمكن فصل أربعة اتجاهات رئيسية لما بعد الحداثة عن مجموع الآراء المختلفة حول الموضوع، لكن على الرغم من ذلك تتشابك تلك الاتجاهات مرة أخرى نتيجة للانطباع أن كل اتجاه عرضة لتغيير سياسي إما تقدمي أو رجعي.
"مناهضة" الحداثة
يمكن للمرء على سبيل المثال الاحتفاء بما بعد الحداثة من قاعدة مناهضة للحداثة. فعل جيل من المنظرين الأوائل (أبرزهم إيهاب حسن) شيئاً مشابهاً عندما تعاملوا مع جماليات ما بعد الحداثة من منظور ما بعد البنيوية (هجوم مجلة تل كل على أيديولوجية التقديم، ورأي هيدجر ودريدا بـ"انتهاء الميتافيزيقا الغربية")، واحتفوا بما لم يكن قد أطلق عليه بعد ما بعد الحداثة باعتباره بداية طريقة جديدة تماماً في التفكير والوجود. كان ذلك سيبدو مثالاً غامضاً نسبياً، لأن احتفاء حسناً يشتمل على عدد من نماذج الحداثة العليا (جويس ومالارميه)، لولا احتفاؤه المصاحب بالتكنولوجيا الذي يشير الى التشابه بين تلك الصور والفرضية السياسية بـ"مجتمع ما بعد صناعي" صحي.
يلقي توم وولف الضوء على كل ذلك الى حد كبير في كتابه "من بوهومس الى منزلنا"، وهو كتاب عن المناظرات المعمارية الحديثة لكاتب تمثل صحافته الجديدة احدى بدائل الحداثة المتعددة. وما يثير الاهتمام في ذلك الكتاب غياب أي احتفاء فيما بعد الحداثة، والشديد الغرابة الكراهية الكبيرة للحداثة، وليس ذلك جديداً، وإنما هي كراهية قديمة ومعروفة. يبدو الأمر كما لو أن خوف مشاهدي الطبقة الوسطى الأوائل من ظهور الحداثة نفسها أو رؤوس بيكاسو المشينة ذات العينين أو "الغموض" المذهل للطبعات الأولى من "عوليس" و"الأرض الخراب" عادت الى الحياة دامجة نقد الحداثة الجديد مع روح مختلفة تماماً أيديولوجياً، أعادت إيقاظ تعاطف قديم في القارئ مع الحداثة العليا المنقرضة الآن. يعرض كتاب وولف مثالاً على الطريقة التي يمكن بها إعادة تكييف ومواءمة نظريات الحداثة المنبوذة لتخدم السياسات الثقافية الرجعية.
يجد هذان الاتجاهان ـ ضد الحداثة وما بعد الحداثة المفرطة ـ عكسهما في مجموعة من العبارات المضادة التي تهدف الى تكذيب قصور ما بعد الحداثة عن طريق إعادة التأكيد على مصداقية تقاليد الحداثة العليا واستمرار اعتبارها حية وحيوية. يؤكد هيلتون كرامر تلك الآراء في العدد الافتتاحي من جريدته "المعيار الجديد"، مقارناً بين المسؤولية الأخلاقية للأعمال الكبرى للحداثة الكلاسيكية وعدم المسؤولية والسطحية لما بعد الحداثة المقترنة بالجامعة و"الفكاهة" التي يعد أسلوب وولف مثالاً ظاهراً عليها.
مما يثير المزيد من التناقض تشابه موقفي وولف وكرامر سياسياً الى حد كبير، كما يوجد قصور في الطريقة التي يسعى بها كرامر لحذف النموذج الذي يفسر حذف كتاب الحداثة لمحرمات العصر الفيكتوري والحياة الأسرية فيه من إبسن الى لورانس ومن فان غوغ الى جاكسون بولوك. من السهل استيعاب فكرة كرامر عند توضيح مشروع المعيار الجديد السياسي، فمهمة الجريدة استئصال مرحلة الستينات من القرن العشرين وإلقاؤها في بئر النسيان، كما فعلت مرحلة الخمسينات مع مرحلة الثلاثينات، أو مرحلة العشرينات مع الثقافة السياسية الغنية لحقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى. تحاول جريدة المعيار الجديد بناء ثورة ثقافية مضادة، تراوح أهدافها بين الدفاع الجمالي والدفاع الكلي للأسرة والدين، لذا فمن التناقض أن ينعى ذلك المشروع السياسي في جوهره تواجد السياسة وتغلغلها في الثقافة الحديثة، وهي عدوى انتشرت خلال الستينات. ويرى كرامر أنها مسؤولة عن الانحطاط الأخلاقي لما بعد الحداثة في عصرنا الحالي. ومشكلة مشروع كرامر أنه يبدو كورق بنكنوت بلا احتياطي كاف من الذهب، كما يبدو فشل حرب فيتنام كبرهان على استحالة ممارسة السلطة القمعية، لذا تسقط ثورة كرامر الثقافية فريسة حنين عاطفي الى مرحلة الخمسينات وأيزنهاور.
هابرماس
في ضوء ما سلف ذكره عن توجهات الحداثة وما بعد الحداثة لن يكون مثيراً للدهشة رؤية الأخيرة من منظور أكثر تقدمية. ندين لجورجين هابرماس بالانعكاس الدرامي وإعادة مفصلة تأكيد القيمة السامية للحداثة ودحض نظرية وممارسة ما بعد الحداثة، فهو يرى أن خطيئة ما بعد الحداثة تكمن في وظيفتها السياسية الرجعية، كما حاول التنوير البرجوازي من قبل سحب المصداقية من الحداثة. يهدف هابرماس وأدورنو نفسه الى إنقاذ ما يرى كلاهما أنه القوة السلبية النقدية لأعمال الحداثة العليا العظيمة، إلا أن محاولة الربط بينها وبين روح التنوير في القرن الثامن عشر تمثل نقطة خلاف بينه وبين كل من أدورنو وكتاب جدلية التنوير لهورخيمر الذي يصوّر نزعة الفلاسفة العملية على أنها رغبة منحرفة في القوة والسيطرة على الطبيعة. يمكن تفسير هذا الاختلاف بتوضيح رؤية هابرماس للتاريخ التي تدعو الى الحفاظ على وعد "الليبرالية" والمحتوى اليوطوبي للأيديولوجية البرجوازية (المساواة والحقوق المدنية وحرية التعبير والإعلام) وذلك على الرغم من فشل تلك المثل في التطبيق خلال تطور الرأسمالية نفسها.
بالنسبة للشق الجمالي من المناظرة، فإنه من غير المناسب الاستجابة لإحياء هابرماس للحداثة مستنداً الى مجرد شهادة بانقراضها. نحتاج الى الأخذ في الاعتبار إمكانية أن يكون الموقف الذي يفكر فيه هابرماس ويكتب مختلفاً عن موقفنا، فالكبت حقيقة في جمهورية ألمانيا الاتحادية اليوم، والإرهاب الفكري لليسار وإخراس ثقافة اليسار عمليتان ناجحتان هناك أكثر من أي مكان آخر في الغرب.
يتسم الموقفان السابقان ـ ضد الحداثة/ ما بعد الحداثة المفرطة وما بعد الحداثة/ ضد ما بعد الحداثة ـ بقبول المصطلح الجديد الذي يعادل قبول الفصل بين الحداثة وما بعد الحداثة. يتبقى احتمالان منطقيان أخيران يعتمدان على دحض مفهوم ذلك الفصل التاريخي، ولذا يشككان في فائدة ما بعد الحداثة. بناء على ذلك ستدخل أعمال ما بعد الحداثة تحت مظلة أعمال الحداثة الكلاسيكية، وتصبح ما بعد الحداثة شكلاً من الحداثة التي كانت مجرد باعث نحو الابتكار (لا يسعني هنا سوى حذف سلسلة أخرى من المناظرات الأكاديمية التي تؤكد تواصل الرومانسية من القرن الثامن عشر، وعلى ذلك فإن كلاً من الحداثة وما بعد الحداثة ما هما إلا مرحلتان تكميليتان).
الموقفان النهائيان حول هذا الموضوع هما إذن تقييم إيجابي وسلبي على الترتيب لما بعد الحداثة التي ترتبط بالحداثة العليا. من هذا المنطلق يؤكد جان ـ فرانسواه ليوتار ان التزامه بالإنتاج الثقافي المعاصر الجديد، أو ما بعد المعاصر الذي يطلق عليه "ما بعد حداثي" لا يمكن استيعابه سوى كجزء لا يتجزأ من التأكيد على مصداقية الحداثة العليا. يعني ذلك أن ما بعد الحداثة لا تلي الحداثة العليا باعتبارها منتج نفاية عن الأول، وإنما هي تسبقه وتعد له، لذا فإن كل صور ما بعد الحداثة المعاصرة حولنا تعد بعودة وإعادة اختراع وإعادة ظهور ظافرة لنسخة جديدة من الحداثة العليا بكل قوتها وسلطتها السابقتين. لا يمكن تقييم موقف ليوتار الجمالي من وجهة جمالية فحسب، لأنه يقوم على مفهوم اجتماعي وسياسي لنظام اجتماعي جديد يلي الرأسمالية الكلاسيكية (صديقنا القديم "المجتمع ما بعد الصناعي")، لذا فإن رؤية حداثة توليدية لا يمكن فصلها عن إيمان نبوئي معيّن باحتمالات ووعد بمجتمع جديد مكتمل الظهور.
الضد السلبي
يشتمل الضد السلبي لذلك الموقف على دحض إيديولوجي للحداثة كاتجاه مميّز، قد يتدرّج من تحليل لوكاش القديم لأشكال الحداثة كازدواج أو تجسيد للحياة الاجتماعية الرأسمالية الى نقد الحاضر للحداثة العليا. يتميّز هذا الموقف النهائي عن الموقف ضد الحداثة بأنه لا يتحدث من مكان آمن ليؤكد وجود ثقافة ما بعد حداثية جديدة، لكنه يراها كمجرد انحلال للبواعث الموصومة للحداثة العليا. يمكن معارضة هذا الموقف الذي قد يكون أكثر المواقف قتامة بأعمال المعماري والمؤرخ مانفريدو تافوري الذي تمثل تحليلاته اتهاماً قوياً لما نسميه بالدوافع السياسية في الحداثة العليا (استبدال السياسة الثقافية بالسياسة أو الرغبة في تغيير العالم بتغيير أشكاله وفضائه ولغته). ولا يقل تافوري قسوة عند تحليله لأهداف الحداثة العليا السلبية، التي يقرأها كنوع من "الخداع التاريخي"، ويرى استحالة أي تغيير جذري في الثقافة قبل حدوث تغيير جذري في العلاقات الاجتماعية نفسها.
يختلف كل من تافوري وليوتار عن كثير من المنظرين السابق ذكرهم في التزامهما السياسي الصريح بقيم حركة ثورية قديمة. فعلى سبيل المثال من الواضح أن دفاع ليوتار عن قيمة سامية للإبداع الجمالي هو نوع من النماذج الثورية، بينما يرتبط نموذج تافوري بالفكر الماركسي بشدة. مع ذلك فقد تعاد كتابة الاثنين في لحظات معينة باعتبارهما ما بعد ماركسيين. أراد ليوتار مراراً تمييز جمالياته "الثورية" عن المثل القديمة للثورة السياسية التي يراها إما ثورة ستالين أو ثورة قديمة ومهجورة لا تلائم ظروف المجتمع ما بعد الصناعي الجديد. على الجانب الآخر يتضمن رأي تافوري عن ثورة اجتماعية كلية مفهوماً عن "النظام الكلي" للرأسمالية المحتم عليه الإحباط.
بهذا نغلق الدائرة ويمكننا العودة الآن الى محتوى الموقف السياسي الإيجابي الأول المطروح للتساؤل، خصوصاً التساؤل حول نزعة جماهيرية معيّنة في ما بعد الحداثة. كان لتشارلز جينكس فضل توضيحها (كذلك فينتوري والآخرون) ـ تساؤل يسمح لنا بتناول صورة تافوري الممعنة في التشاؤم للماركسية. في بادئ الأمر يجب ملاحظة أن معظم التوجهات السياسية التي تلهم المناظرة الجمالية هي في الواقع أخلاقية تهدف للتوصل الى أحكام نهائية حول ظاهرة ما بعد الحداثة سواء كانت فاسدة أو صحية. لب الموضوع هنا أننا داخل ثقافة ما بعد الحداثة الى درجة لا تسمح بدحضها أو الاحتفاء بها على حد سواء، فالحكم الأيديولوجي على ما بعد الحداثة اليوم يتضمن بالضروررة حكماً على أنفسنا وعلى المنتجات محل التقييم، كما لا يمكن استيعاب فترة تاريخية كاملة مثل فترتنا الحالية عن طريق أحكام أخلاقية عالمية. طبقاً للماركسية الكلاسيكية فإن بذور المستقبل توجد بالفعل داخل الحاضر، ويجب فصلها عن طريق التحليل والممارسة السياسية (لاحظ ماركس ذات مرة أن العمال في باريس ليس لديهم مُثُل عليا يريدون تحقيقها، ولم يهدفوا إلا الى فصل الأشكال الجديدة للعلاقات الاجتماعية عن الأشكال الاجتماعية القديمة للرأسمالية". أمامنا الآن خياران: فإما أن ننبذ ما بعد الحداثة باعتبارها عرضاً من أعراض الانحطاط والتحلل، أو نحتفي بها بوصفها نذيراً بالتقدم والرقي، ويبدو لي من المناسب تقييم المنتج الثقافي الجديد داخل فرضية التعديل العام للثقافة نفسها، مع إعادة البنية الاجتماعية لنظام الرأسمالية المتأخرة.
يبدو تأكيد جينكس على أن عمارة ما بعد الحداثة تميّز نفسها عن مثيلتها في الحداثة العليا عن طريق أولوياتها الشعبية نقطة جيدة لبدء المناقشة. يعني ذلك داخل السياق المعماري أن مباني ما بعد الحداثة تحتفي بإقحامها داخل النسيج المتغاير للمدينة الأميركية، بعكس مباني الحداثة التي أكدت على فصلها عن النسيج المحيط. نجد إيماءات وصدى في مباني ما بعد الحداثة تحفظ علاقة قرابتها بالفضاء المحيط، مما يدفع ادعاءات الحداثة العليا باختلاف جذري وإبداع جديد.
عمارة
هل حقاً عمارة ما بعد الحداثة شعبية؟ سؤال مطروح للمناقشة على أي حال، فمن الضروري التمييز بين أشكال الثقافة التجارية الجديدة ـ بدءاً من الإعلانات ونهاية بتغليف كل أنواع المنتجات وحتى المباني، ولا نستثني السلع الثقافية مثل العروض التلفزيونية والكتب الأكثر مبيعاً والأفلام ـ والأشكال الشعبية القديمة والثقافة "الشعبية" الأصيلة التي ازدهرت عندما كان لا يزال هناك طبقات اجتماعية من الفلاحين والمدنيين من منتصف القرن التاسع عشر وما يليه، والتي بدأت في الانقراض والاستعمار عن طريق خلق السلع ونظام السوق.
على الأقل يمكننا التسليم بالحضور العالمي لتلك الخاصية التي تظهر بوضوح في الفنون الأخرى، كحذف للتمييز القديم بين الثقافة العليا والثقافة الجماهيرية، تمييزاً اعتمدت عليه الحداثة في تحديد خصوصيتها، وكانت وظيفتها في جزء منها حفظ مملكة التجربة الصادقة ضد البيئة المحيطة من ثقافة الطبقتين الوسطى والدنيا.
يبدو هذا التمييز على وشك الزوال اليوم، وقد ذكرنا كيف يبدو الكلاسيكي والشعبي على شفا الاختلاط في الموسيقى. وفي الفنون المرئية فإن تجديد فن التصوير كوسيلة هامة مستقلة عرض للعملية نفسها. وعلى أي حال فمن الواضح أن الفنانين اليوم لم يعودوا "يقتبسون" مواد ومقتطفات وشعارات الثقافة الجماهيرية أو الشعبية كما فعل فلوبير، وإنما يدمجونها بطريقة ما الى درجة أن كثيراً من معاييرها النقدية والتقييمية القديمة لم تعد ذات فائدة.
إذا كانت تلك هي الحالة، فإنه من المحتمل أن يكون ذلك الذي يرتدي القناع ويلمح لـ"الشعبية" في أعمال ما بعد الحداثة المختلفة هو في الواقع مجرد انعكاس وعرض للتغيير الثقافي الذي يستقبل في مملكته الجديدة الممتدة ما كان يوصم فيما سبق بأنه ثقافة شعبية أو تجارية. يتوقع المرء مصطلحاً جديداً من الأيديولوجية السياسية ليمر بتعديلات جوهرية في المعنى عندما يختفي مدلوله المبدئي.
قد لا تكون تلك قصة جديدة، فما زال المرء يتذكر سعادة فرويد حين اكتشف ثقافة قبلية غريبة، استطاعت وحدها من بين الثقافات الكثيرة الأخرى في تحليل الأحلام التوصل الى فكرة أن كل الأحلام لها معان جنسية دفينة ـ باستثناء الأحلام الجنسية التي تعني شيئاً آخر. كذلك قد يكون الحال في مناظرة ما بعد الحداثة، حيث نكتشف أن كل المواقف التي تبدو ثقافية ما هي إلا أشكال رمزية لأخلاق سياسية، فيما عدا الملاحظة السياسية العارضة والواضحة التي توصم اليوم بأنها لا ثقافية أو ضد ثقافية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) Fredric Jameson: ولد في 14 نيسان 1934م، وهو ناقد أدبي أمريكي ومنظر سياسي ماركسي. يعتبر من أفضل المعروفين في مجال تحليل الاتجاهات الثقافية المعاصرة؛ فقد قام بوصف ما بعد الحداثة ((بالإنجليزية: postmodernism)) على أنها مكانيّة الثقافة تحت ضغط الرأسمالية المنظّمة. إن أفضل كتب جيمسون المعروفة هي «ما بعد الحداثة: المنطق الثقافي للرأسمالية المـتأخرة»، «اللاوعي السياسي »، «الماركسية والشكل». يعمل جيمسون حالياً أستاذاً في برنامج الأدب والدراسات الرومانسية في جامعة ديوك.
(*) من كتاب "التحول الثقافي، كتابات ومختارات ما بعد الحداثة"، الذي صدر بطبعة محدودة لا توزع سوى داخل أكاديمية الفنون الجميلة في القاهرة.
(*) المصدر: نظريات ما بعد الحداثة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق