الأحد، 23 أكتوبر 2016

باشلار والتحليل الإيقاعي


بقلم الباحث المغربي:سعيد بوخليط


استعار غاستون باشلار مفهوم التحليل الإيقاعي من السيد "لوسيو ألبرتو بنيرودوس سانتوس" « Lucio Alberto Pinheiro Dos Santos »، أستاذ الفسلفة بجامعة بورتو البرازيلية، وصاحب كتاب : la rythmanalyse. من منشورات  "جمعية علم النفس والفلسفة"، ريودي جانيرو سنة 1931.
تناول هذا المفكر، يؤكد باشلار الفينومينولوجيا الإيقاعية في إطار ثلاث وجهات نظر : مادية، بيولوجية، وسيكولوجية. أما باشلار، فلا يقوم إلا بملامسة سريعة للجانبين الأول والثاني. لأن ما يهمه  في هذا العمل ـ جدلية الزمان ـ يتعلق بثوابت ومرتكزات علم نفس الزمان.
أصبح من أهم أسس علم الفيزياء المعاصرة، الإيمان بتحول المادة إلى  إشعاع متموج ثم تحول هذا الإشعاع بدوره إلى مادة. هذه العملية، لابد أن تؤدي إلى التفكير في تماثل المادة والإشعاع. مما يعني بأن المادة مثل الإشعاعات، لها خصائص تموجية وكذلك إيقاعية : (( ليست المادة منتشرة في المكان ولا  مكترثة بالزمان. لا تبقى ثابتة أو كليا عاطلة في زمان منتظم. إنها لا تتأثر فقط بالإيقاعات، بل توجد بالمعنى القوي للكلمة على سطح الإيقاع)) (1). كما أنه : (( حينما ندرس مختلف القوى الجوهرية للمادة في تفصيلها، تظهر كتوترات. وما إن نصل خاصة إلى التبادلات الطاقية بين مختلف المواد الكيميائية، حتى نلاحظ بأن هذه التبادلات تقوم على التموج الإيقاعي، من خلال الوسيط الضروري بين الإشعاعات والتواترات المحددة)) (2).
لا تأخذ المادة مكانا ثابتا، ولا زمانا وحيدا، بل تقوم في وجودها على الإيقاع. لذا، يستحيل تصور عنصر مادي أو وجوده دون إلحاق تواتر معين بهذا العنصر : ((توجد المادة في زمان متموج. حتى في السكون، تكون لها طاقة. لأنها تستند على زمان متموج)) (3).
زمان المادة، إذن تموجي حتى في حالة الراحة. والمسألة الأساسية حسب باشلار، ليست في التساؤل عن كيفية تموج المادة، قدر الاستفسار عن كيفية أخذ هذا الاهتزاز لمظاهر مادية. تظهر نظرية صلات الجوهر بالزمان،في شكل ميتافيزيقي جديد تماما : لا يجب أن نقول بتطوير الجوهر وتجليه في شكل  إيقاع، بل من الضروري التأكيد على أن الإيقاع المنتظم يتمظهر في شكل صفة مادية محددة)) (4). لذلك تحتاج الواقعية، إلى  انقلاب كبير على مستوى أسسها الميتافيزيقية، لكي تنسجم مع أطروحة المادية التموجية. إلا أن باشلار، يؤكد تأجيله هذا النقاش إلى عمل آخر. ليتناول هنا فقط الأسس  الفيزيائية للتحليل الإيقاعي. يقول : (( نسعى إلى إبراز الأسس  الفيزيائية للتحليل الإيقاعي. ثم نبين، بأن هذه النظرية التي هي بدقة أكثر بيولوجية وسيكولوجية. تصدر عن رؤية ميتافيزيقية عامة)) (5).
سيقف باشلار عند البحث البيولوجي الذي قام به "دوس سانتوس" ، مقترحا فيما يخص وقائع كثيرة تم جلبها من الطب التجانسي : (( التأويل "التموجي" أي تفسير الفعل الجوهري، وذلك بالاستعاضة عن الجوهر بإشعاع خاص)) (6).
أكد "دوس سانتوس" على الطابع التموجي كأساس للحياة : ((إذا دخلت المادة الساكنة في تآلف مع الإيقاعات. فإنه من الضروري، وبناء على أساسها المادي، تملك الحياة في العمق لخصائص إيقاعية. تندس  الضرورات التحليلية الإيقاعية للتطور  الحيوي، عن طريق الانبثاق خاصة)) (7). الحياة متموجة، تنتسب إلى التحليل الإيقاعي. ويضيف باشلار، مثالا آخر من عمل "دوس سانتوس" ، يرتبط بالتحليل الإيقاعي. يقصد بذلك الطاقة الروحية، التي لابد : (( أن تكون أكثر قربا من  بين الطاقات الحيوية، للطاقة الكوانتية والتموجية)) (8). كما أنه : (( بقدر ما تنمو النفسية إلا وتموجت، ثم  بالمرور من المادي إلى الروحي ومن المادة للذاكرة، يمكن أن نقيم مخططا كاملا من الأبحاث، يخول لنا إدراك عنصر التكرار)) (9). كيف لهذا التحليل الإيقاعي، تمكيننا إذن من الإحساس والشعور، بمميزات القوى الشعرية لمبدع ك ملارميه Mallarmé ؟
لقد استعمل "دوس سانتوس" ، هذا المفهوم يؤكد  باشلار من أجل : ((الإشارة إلى التحليل النفسي لكل عوامل العطالة التي تعوق تموجات كائننا. يكون ذلك، مجديا في  منطقة تلاقي فيها حركة، حركة  أخرى معاكسة)) (10).
تبنى باشلار إستراتيجية كتلك، قصد  تأويل دينامي للقصائد. فأن تكون شاعرا حسب باشلار، يعني رفض الاستمرارية الزمانية الهادئة، ومضاعفة الجدليات الزمانية توخيا لنفسية متموجة. وبالتالي، نصل في رأي باشلار إلى : (( النقطة الأكثر إثارة في نظرية دوس سانتوس. التقيد بتحديد كيفية فرض الإبداعية على النفسية تموجية عاطفية. هل يريد الكائن الحي الخروج من وضعيته ؟ هل يخضع لوثوبه الشخصي ؟ وهل يخاطر بجـزء من قوتـه وطاقتـه ؟ )) (11).
هوامش :
(1) Gaston Bachelard : la dialectique de la durée, PUF 1936, la nouvelle édition 1986. page 130.
(2) Ibidem.
(3) ibidem.
(4) ibid, page 132.
(5) Ibid, Page 133.
(6) Ibidem.
(7) Ibid, page 138/139.
(8) Ibid, page 140.
(9) Ibidem.
(10)Gaston Bachelard : le droit de rêver, PUF 1970, 6ème édition 1988, page 161.
(11) Gaston Bachelard : la dialectique de la durée, op.cit, page 141.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق