ترجمة: أحمد حسان
ليتمجد الشك ! أنصحكم بأن تحيّوا
ببشاشة واحترام الرجل
الذي يختبر كلمتكم كعملة رديئة !
أود أن تكونوا حكماء وألا تقولوا
كلمتكم بثقة مفرطة.
إقرأوا التاريخ وانظروا
الزحف المندفع للجيوش التي لا تقهر.
أينما نظرتم
تتهاوى الحصون المنيعة وحتى
إذا كانت الإرمادا تفوق العدد حين غادرت الميناء
فالسفن العائدة منها
كانت معدودة.
هكذا ارتقى رجل يوماً القمة التي لم يبلغها أحد
وبلغت سفينة نهاية
البحر اللانهائي.
ما أجمل هز الرؤوس
أمام الحقيقة التي لا تقبل الجدل !
ما أشجع شفاء الطبيب
للمريض الذي لا شفاء له !
لكن أجمل أنواع الشك
هو عندما يرفع المطحونون القانطون رؤوسهم
ويكفّوا عن الإيمان
بقوة مضطهديهم.
آه, كم تطلبت المبادىء الجديدة من كفاح دؤوب !
كم تكلفت من تضحيات !
كم كان من الصعب رؤية
أن الأشياء كانت على هذا النحو وليس على نحو آخر !
بزفرة ارتياح أدرجها رجل ذات يوم في سجل المعرفة.
ربما بقيت هناك لزمن طويل, وبها تحيا
أجيال عديدة وتعدها حكمة خالدة
ويحتقر المتعلمون كل من يجهلونها.
ثم قد يحدث أن يثور شك, فالخبرة الجديدة
تجعل الحقيقة الراسخة موضعاً للتساؤل. ينتشر الشك
وذات يوم يشطبها رجل بإمعان
من سجل المعرفة.
بينما تصم أذنه الأوامر, ويفحص
لياقته للقتال أطباء ملتحون, وتتفقده
مخلوقات لامعة بشارات ذهبية, ويعظه
كهنة مهيبون يلقون إليه كتاباً كتبه الرب نفسه
ويثقفه
مدرسون فارغو الصبر, يقف الفقير ويسمع
أن العالم هو أفضل العوالم وأن الفجوة
في سقف جحره صممها الرب بشخصه.
حقاً أنه يجد من الصعب
أن يشك في هذا العالم.
هناك من لا يفكرون ولا يشكّون أبداً.
قابليتهم رائعة, وحكمهم لا يخطىء.
لا يؤمنون بالحقائق, بل بأنفسهم فقط.
وساعة الفصل
يغفلون الحقائق. صبرهم تجاه أنفسهم
بلا حدود. والمناقشات
يسمعونها بأذن عملاء البوليس.
الذين لا يفكرون ولا يشكّون أبداً.
يلتقون مع الذين يفكرون ولا يفعلون أبداً.
إنهم يشكون, لا ليصلوا إلى قرار بل
ليتجنبوا القرار. رؤوسهم
يكتفون بهزها. بوجوه قلقة
يحذرون بحارة السفن الغارقة من خطورة الماء.
وتحت فأس القاتل
يتساءلون أليس هو الآخر آدمي.
يذهبون إلى فراشهم
وهم يغمغمون شيئاً عن الموقف الذي لم يتضح بعد.
فعلهم الوحيد هو التردد
وعبارتهم الأثيرة : لم ينضج بعد للمناقشة.
لهذا, إذا امتدحتم الشك
فلا تمتدحوا
الشك الذي هو أحد أشكال اليأس.
ما قيمة القدرة على الشك
لرجل لا يستطيع أن يحزم أمره ؟
من يرضى بأقل القليل من الأسباب
قد يتصرف خطأ.
لكن من يحتاج إلى الكثير جداً منها
يظل خاملاً وقت الخطر.
أنت, يا من تقود الناس, لا تَنْسَ
أنك كذلك لأنك شككت في قواد آخرين.
إسمح للمقودين
بحقهم في الشك.
المصدر: قصائد برتولد بريخت، ترجمة أحمد حسان، دار الفارابي -بيروت -لبنان، 1986، ص 244:241.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق