السبت، 19 نوفمبر 2016

هاروكي موراكامي :''أشعر أحيانا كأني مثل راو لما قبل التاريخ''

ترجمة : سعيد بوخليط


عداء الماراطون الياباني،الذي أخضع نفسه لنظام يشبه قطعة موسيقية، أصدر رواية جديدة،كرسها لشخصية تعاني من تفاهتها المزمنة.في زيارة لهاواي،حيث يستقر الكاتب غالبا : ''إننا نضجر كثيرا هنا''المثال الأعلى بالنسبية إليه،كما يقول.
كي تلتقي موراكامي،لا تفكر أبدا في الوجهة نحو طوكيو؟بل الذهاب إلى ''هونولولو''.لقد اختار أن يعيش هناك:وسط فضاء غير قابل للتشكل دائما مثل حكاياته أيضا،الضياء الجبال ثم شاطئ وايكيكي الأسطوري:المسافر الذي يصل هناك ينغمس بين طيات حلم مناخ تقارب حرارته ثمان وعشرين درجة يغمره  أريج الورورد الاستوائية.هو الفردوس على الأرض.لا يوجد أي شخص على الشاطئ :فمنذ صدور قرار صارم يمنع التدخين هناك واحتساء الخمر أو تناول الطعام،اكتفى السياح بطلب أصناف الشراب داخل حانة الفندق المكيفة.أغلبهم يأتي من اليابان،فهم سلالة الطيارين الذين هاجموا ذات يوم من سنة 1941،بطائراتهم  بيرل هاربر . هل يعلمون بأن مواطنهم، هاروكي موراكامي الكاتب الشهير يقطن الجزيرة ذاتها؟
أي طالب، متطوع كسكرتير قد يتشكى من حالة مكتب هاروكي موراكامي،قياس يقارب ست ميترات مربعة،الرف المعدني فارغ تقريبا إلا من بعض الكتب اليابانية، طاولة تكاد تكفي حاسوبا، ثم كظيمة وإناء .هنا أيضا يستقبل موراكامي مرتين في الأسبوع طلبة الجامعة الذين يودون إجراء حوار أو فقط الحصول على توقيع. إنه يستفيد بالتالي من قبل جامعة ''هونولولو''،بوضعية تقريبا''كاتب مقيم''إلى غاية السنة المقبلة.لا تكليف بالتدريس ولا الإشراف على ورش للكتابة الإبداعية،فقط مجرد محاضرة بين الفينة والثانية.يرتدي موراكامي حذاء رياضيا،وبيرمودا  جينز ثم قميصا منقطا بمربعات فوق ''التي شرت''. لقد أراد القدر أن ترسم مظهره أطياف عدة تبدو بأن ليس لها قط جامعا مشتركا :جسده يعكس سن رياضي في الثلاثين،ثم وجهه يحيل على رجل بلغ سن الأربعين.أما بخصوص حالته المدنية فقد احتفل بداية سنة 2014 بميلاده الخامس والستين.
ليس موراكامي فقط مجرد أحد الكتاب الذين يدرج اسمهم ضمن المرشحين للفوز بجائزة نوبل للآداب،بل يعتبر كذلك من بين عشرات المؤلفين أصحاب الكتب الأكثر تسويقا في العالم.موراكامي الشغوف بجمع الأسطوانات والذي أدار ناديا للجاز في طوكيو قبل التزامه بوظيفة كاتب منذ سن التاسعة والعشرين. من بين رواياته الأكثر تداولا:مطاردة خروف بري ،نهاية الأزمنة،نزهة المستحيل، يوميات طائر الزنبرك،كافكا على الشاطئ،دون أن ننسى صدور قصص كثيرة جدا على صفحات مجلات،جمعت في كتب لكن يبقى الكثير منها ينتظر المبادرة إلى ترجمتها. 
بالنسبة للفرنسية:"الفيل تبخر"(منشورات بيلفوند)ثم "بعد الزلزال" . صدر له مؤخرا : "تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنوات مزاره". مقارنة مع الأجزاء الثلاثة لعمله الهائل : 1Q84 (1600صفحة في المجموع) ،والتي اشتغلت على مختلف سجلات الملحمة الخرافية،إنها رواية''صغيرة''من 400صفحة،بحبكة فعالة،في حالة تحولها إلى سيناريو سينمائي.عمل يروي حكاية رجل في الثلاثين من عمره تخلى عنه فجأة  أصدقاؤه الأربعة الوحيدين منذ فترة شبابه،دون أن يفهم سببا لذلك.لا يمتلك السيد تازاكي أي مؤشر :من بين خمسة عناصر تلك المجموعة،كان الوحيد الذي لا يشير اسمه إلى لون.ولكي يتخلص من مأساته حياته التي صارت مكفهرة كليا ،سيبادر إلى القيام بسفر قصد العثور على أصدقائه الذين فقدهم ويكتشف سبب تلك القطيعة.  
1-في روايتكم الجديدة "تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنوات مزاره"،استحضرتم  حكاية واقعية على نحو مقبول. كانت لديكم عوالم موازية وقططا تتصرف مثل كائنات بشرية؟    
ج : أعرف بعض الأشخاص الذين خاب أملهم كثيرا.بحيث انتظروا شيئا آخر، لكنه بالضبط العمل الذي أردت كتابته خلال هذه اللحظة. ثم، لست متأكدا أن الأمر يتعلق حقا برواية واقعية.  
2-س-إذن، جيد،نلاحظ وجود امرأة تكشف إحدى يديها عن ستة أصابع.يبدو أن مصير الأشخاص يرتهن بالألوان التي اقترنت بها.ثم هذا القاتل الغامض جدا
ج-نعم أنا بدوري لا أعرف من خنق هذه المرأة.حقا لا أعلم.أعرف فقط  أن هذا القاتل كان ضروريا مطلقا للحكاية.رواياتي وقصصي،قد تكون تارة أكثر غرائبية وتارة أقل.لكن حينما أكتبها،فالأمر دائما ذاته بالنسبة إلي ومع هذه الرواية كذلك،لكني أعرف بأني كنت في حاجة إليها.مرة أخرى،شعرت بهذا النَّفَس،وهذا النسيم الذي يكلمني من الجهة الأخرى.
3-س-متى ارتقى لديكم هذا؟
ج-المرة الأولى التي حدث فيها هذا عندما كنت بصدد كتابة رواية :مطاردة خروف بري،وقد مرت الآن أكثر من ثلاثين سنة.كنت جالسا على مكتبي،عندما بزغ لدي هذا الكائن العجيب كما لو انبثق من تلقاء ذاته. الإنسان-الخروف.لقد أتى من الجهة الأخرى.لا أعرف سواء من هو أو ماذا يريد مني. لكني أدرك بأني كنت محتاجا إليه.هي رسالة وصلتني. بالتالي عملت على وصفه، فلا يوجد من شيء آخر يلزم القيام به.   
4-س-هل تؤمن بما هو ديني؟
ج-أنا لا أومن سوى بالخيال.ومضمون الفكرة التالية :لا توجد إلا حقيقة واحدة.العالم الواقعي ثم آخر غير واقعي يتعايش معه .يتوقف أحدهما على الثاني بكيفية دقيقة.أحيانا،يتداخلان،وإذا أردت،وركزت بكيفية قوية،يمكنني الانتقال من جهة إلى أخرى.بوسعي الذهاب والإياب بينهما.هذا ما يحدث في نصوصي.يتعلق الأمر بهذا.تجري حكاياتي سواء على هذا المستوى أو ذاك،وأنا لا ألاحظ قط الاختلاف.  
5-س-عندما تتكلمون عن ''الجهة الأخرى''،هل يتعلق الأمر بنوع من الروحانية الأدبية؟
ج-يتعلق الأمر بما يحدث عندما أكتب.أشياء أصادفها في الخيال ثم تساعدني على أن أروي حكاية.يتعلق الأمر ربما بحيوانات أسطورية ذات قرن وحيد، أكباش، فيلة، قطط، لكن مع ذلك العتمة والموسيقى.وحدها الكتابة تمنحها روحا.وكما في الإحيائية، تأتيني الأشياء دون أن أستدعيها.يلزمني فقط التركيز بشكل قوي جدا. 
6-س-تتكلمون عن هذه الأشياء كما لو توجد منذ الأزل؟
ج-أحيانا أشعر كما لو أني مؤلف حكايات تنتمي لعهود ما قبل التاريخ.يقبع الأشخاص داخل مغارة،مسجونين، وتتهاطل الأمطار خارجا.أتواجد بينهم وأروي لهم بعض الحكايات. يكتنفني الظلام،لكن هذه العناصر والأشياء الروحية تحيط بي من كل جهة،ويكفيني مد اليد. طبعا منذ ليلة الأزمنة : نروي حكايات ونعشق الاستماع إلى حكايات. وأنا بصير بهذه المادة.كل ما أريده أن أكون أفضل راو للحكايات قدر ما أستطيع.أعرف جيدا  أن الحياة داخل المغارة، بئيسة بما يكفي.تكمن مهمتي ،في أن أجعل الأفراد ينسون هذه الحياة.ثم، لكوني راويا،فقد وضعت تقنية لهذه الغاية.حتى ولو كان كثيرا من الأفراد يظنون بأن الأمر يتعلق بشيء آخر،أنا أقول لكم:إن حكاية لا تصبح حكاية جيدة إلا بتقنية قولها.  
7-س-وكيف طورتم هذا الجانب؟
ج-لم أتعلمه.فقط وببساطة كتبت وأعدت الكتابة بطريقة جدية. هكذا تطورت تقنيتي من تلقاء ذاتها.
8-س-مثلا في رواية : سباق الخروف البري،لا توجد فقط مخلوقات فوق طبيعية.بل تتكلم الرواية كذلك عن المخبر الذي لا يتوقف عن تدخين السجائر.إنها رواية بوليسية،ضمن تقليد يمتد من ريموند شاندلر إلى كونان دويل.هل أنتم في العمق حقا روائيا يابانيا؟
ج-لقد درَّس والداي الأدب الياباني في المدرسة الثانوية.ربما ما أفصحتم عنه يتأتى نتيجة تحد مبكر جدا،قرأت خاصة أدباء غير يابانيين:دوستويفسكي، كافكا، تولستوي، ديكنز،إلخ.ثم ترجمت إلى اللغة اليابانية حشدا من الكتاب الأمريكيين :سكوت فيتسجيرالد، ريموند كارفر وأيضا ريموند شاندلر.رغم كل شيء،فأنا كاتب ياباني،تمتد جذوري في التربة اليابانية.
9-س-في اليابان يقال عنكم بأنكم مناهض للشعور القومي،بحيث يؤاخذ عليكم نزوعكم الغربي المفرط؟
ج- تصور مضحك ! فقط نحو نوع من الأدب لا أحبه. فلدي حساسية مطلقة نحو كواباتا أو ميشيما.  
10 –هذان المؤلفان اشتهرا عالميا،والاثنان انتحرا كذلك، فهل يشعر اليابانيون بانجذاب خاص حيال الموت؟
ج-العديد من أصدقائي ماتوا على هذا النحو،مما يثير حزنا عميقا.لكن بالتأكيد لهم الحق للقيام بذلك،فأن تعيش اليابان أكثر حالات الانتحار مقارنة مع الغرب،يرتبط هذا تحديدا بالمذهب البوذي،الذي لم ينظر قط إلى الانتحار كخطيئة.ثم هناك أفراد يعتبرون هذا الفعل نوعا من الجمالية بحيث يرون فيه دليلا على الأنفة.شيء غريب عني تماما.فأنا أعيش كي أتمكن من الكتابة.
11-س-كيف تشعرون عندما تكتبون؟
ج-بالنسبة إلي، الكتابة هي معنى الحياة.لقد جعلت الكتابة من حياتي شيئا مميزا.أعتبر طاولة عملي مثل غرفة الهاتف عند الممثل كلارك كينت :أتحول لحظتها إلى سوبرمان.عندما أكتب،يمكنني القيام بكل ما أريده،أتخلص من الخوف،بحيث يسمح لي الخيال كي أخلق كل شيء.عندما أكتب،أصير قادرا على إنقاذ العالم.لكن ما إن أغادر مكتبي،أستعيد شخصيتي الأصلية.يمكنكم تصديقي :فأنا حقا الشخص الأكثر بساطة في العالم. انأ زوج طيب لا أصرخ وأحافظ باستمرار على هدوء أعصابي. فيما يتعلق بحياتي العادية،لاتأتيني أبدا أي فكرة يمكنها إثراء أدبي.حينما أمشي أو أطهو أو أذهب إلى البحر،أفرغ رأسي تماما. 
12-س-لكن ماذا تفعل في هاواي؟
ج-نضجر كثيرا هنا.لكن حينما، أذهب إلى بلد أكثر ضجرا مثل الولايات المتحدة الأمريكية،أشعر أنني وحيدا افتقدت مكاني.أتمحور إذن ثانية، على ذاتي، وأشعر بكوني مستقلا.هذا ما يروق إلي.في اليابان،أصير مكشوفا جدا.ينتظرون دائما شيئا مني،مثلا كي أحدد موقفي بخصوص بعض السجالات.يعرفونني في الشارع،مع أني أرفض التردد على التلفيزيون.وضعية انتهت بإثارة تقززي،هكذا أشعر بحريتي أكثر حينما أكون خارج اليابان.  
13-س-أتتواجدون هنا باستمرار؟
ج-لدي منزلا في ''هونولولو''منذ سبع سنين.منزل أثري وقديم يؤرخ لما قبل الحرب.خلال كل شهرين أغادر نحو اليابان لزيارة أمي، البالغة تسعين عاما مع معاناتها الصحية.إجمالا،أقضي على امتداد سنة ثمان أشهر هنا ثم أربعة في طوكيو.لكن ابتداء من السنة المقبلة،سيتغير الوضع،بحيث سينتهي العقد الذي يربطني بالجامعة،ثم سينقضي الأساس القانوني لإقامتي.منذ 11شتنبر،أصبح الأمريكيون صارمين جدا، مما يجعلني أتساءل أحيانا :هل يوحي مظهري بكوني إرهابيا؟
14-س-يدور جانب من روايتكم '' تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنوات مزاره"في فنلندا.هل ذهبتم إلى هناك؟
ج-مرة واحدة، سنوات الثمانينات.لكني نسيت كليا ذكريات البلد ثم عندما أنهيت الرواية عدت إلى هناك. إنه بلد جميل جدا.
15-س-كان بوسعكم أيضا الذهاب إلى هناك قبل الانتهاء من الرواية؟
ج-لا أحب القيام بأبحاث وأنا أتوخى الشروع في كتابة نص.هذا يعوق الخيال.لكن هناك ظاهرة غريبة :لقد رسمت داخل رأسي صورة معينة عن فنلندا،وحينما ذهبت إلى هناك أمكنني أن ألاحظ بأنها تماثل تماما ما وصفته في روايتي.شعور حقيقي بخصوص''ما شوهد من قبل''.حدث نفس الأمر،مع رواية ''كافكا على الشاطئ''.لقد انبثقت مطلقا مدينة ''تاكامتسو''من خيالي،ولم أزرها قط.لكن حينما سافرت إليها،بدا الوضع كما لو أني من ابتدع الشواطئ،والصخوروكل شيء.تماما كما الأمر مع منغوليا في رواية'' يوميات طائر الزنبرك ''.فبقدر ما يشتغل الخيال بقوة، تصبح اللوحة حقيقية.لكن، بالتأكيد،يحدث أيضا أن ألقي نظرة على ويكيبيديا.  
16-س- في أغلب الأحيان أبطال رواياتكم شخصيات منعزلة جدا.هل ينطبق عليكم ذات الأمر؟
ج-لقد كنت طفلا وحيدا، أتحاور مع القطط الموجودة عندنا في المنزل.بالنسبة إلي تعني العزلة الاستقلالية. على امتداد حياتي، لم أعتمد سوى على ذاتي. 
17-س-لا يبدو بأنكم عانيتم من هذا الأمر؟
ج-بالعكس،كابدت كل شيء :الاكتئاب، القلق ثم التناقضات أعلم ما يعني كل ذلك.
18-ضد كل هذه الآلام هناك علاجات التحليل النفسي،مثلا؟
ج-لست في حاجة إلى ذلك.لدي الكتابة.حينما ينتابني الاكتئاب أشرع في كتابة عمل.إذن، يتجلى الحل الداخلي لمشكلتي.حكايات هذا الصنف لها دائما بداية حزينة جدا،لكن ينجح البطل دائما بكيفية أو أخرى كي يطبع حياته بتغير على مستوى التوجه.حينما أكتب،تأتيني حلول بخصوص القضايا الأكثر جسامة.أفكار لم تكن لدي أبدا كي أجابه مشاكلي الخاصة على مستوى الحياة اليومية.يشبه الأمر ازدواجية الشخصية.إن مبتكر لعبة فيديو لا يدري أبدا ما الذي سيفكر فيه اللاعب حينما سيلعب، مثلما أن اللاعب قبل البدء لا يمتلك أي فكرة بخصوص ما يجول في رأس المبتكر.كما لو أنك تلعب الشطرنج مع ذاتك،دون تمكنك من التنبؤ بخصوص ما يشبهه الخصم.حقا،إنها الوضعية الشيزوفرينية المميزة لفرد عصابي –اكتئابي.لكن حينما أنهض من مكتبي أشعر بأني في أفضل حال.الكتابة تعالجني من كآبتي.
19-س-هل تتذكرون أحلامكم؟
ج-أصلا أحلم كثيرا خلال يقظتي،بالتالي لست في حاجة كي أحلم ليلا.حقا لا أحلم بحيث أنام نوما عميقا.  
20-س-هل مارستم اليوم رياضة الجري؟
ج-استثناء، لم أركض. فقد شاركت يوم الأحد الأخير في ماراطون هونولولو،لذلك أستريح هذا الأسبوع.لكن، في المعتاد أركض كل يوم.أستيقظ الرابعة صباحا،ثم أنكب على الاشتغال لمدة خمس ساعات بغير انقطاع، بعد ذلك أخرج للجري.أيضا أسبح وأشارك في رياضة الترياتلون .أخلد كل مساء للنوم على الساعة العاشرة. 
21 –س-لقد بلغتم سن الخامسة والستين.فلماذا تواصلون القيام بكل هذا؟
ج- في الواقع،أنا لست من الذين يتحملون بشكل خاص النشاط البدني.إذا مارست الرياضة،فليس من أجل صحتي بل يتعلق الأمر بنوع من الميكانيزم الميتافيزيقي.أريد التمكن من الانفصال عن جسدي،ولفكري قدرة التخلص عن جسدي عندما أركز.لكن هذا لا يتم إلا إذا راعيت قوى جسدي.ينبغي أن يكون الجسد معبدا،بنية ثابتة يلزمني التحرر منها.حينما أكتب أشعر أحيانا بكوني محاطا بأسوار مرتفعة يقتضي اختراقها مجهودا ضخما.لكن بفضل هذا أنتقل إلى الجانب الآخر. 
22-س-يظهر أبطال رواياتكم كثيرا من الحماسة عند تنفيذ مهامهم الأكثر يومية.نراهم ينظفون المنزل،نلحق بهم إلى المطبخ.ابتذال الرتابة تتحول إلى واقعية مفرطة، ثم تظل فقط خطوة صغيرة كي نهتدي نحو العجائبي؟ 

ج-على هذا النحو أعيش بالضبط.فحياتي محكومة بإيقاع التفاصيل اليومية الصغيرة.بحيث أقوم بأعمال التنظيف، والطهي،وكيّ الثياب،لأنه لحظتها لا أفكر مطلقا في أي شيء، ثم أفرغ ذهني تماما كي أتمكن من الإبداع.
23-س-حينما الاستماع إليكم،يحدث الانطباع بأن الأمر يتعلق بشعيرة روحية.يتجه التفكير إلى التأمل البوذي مثلا؟
ج- تشيرون هنا إلى مذهب الزازين؟من المحتمل،أني تأثرت دون وعي، بالتقاليد اليابانية .تبتلع الأرض ماء المطر حيث يسقط !لكني أظن بأن الأمر يتعلق بشيء جيد أكثر عمومية.  
24-س-العازبون المنفردون في رواياتكم،والذين يمارسون حياة حضرية مضجرة تقريبا،يتواجدون في كل العالم
ج-يعتبر الاستقلال بالنسبة إلي مهما جدا.ربما هي حكمة تتأتى من الثقافة اليابانية.أحب الانضباط لكن فقط عندما يقود إلى استقلال كامل.لذلك لا تنتمي شخصياتي الرئيسة قط إلى جماعة ولا مؤسسة،بل هم بصدد البحث. من وجهة النظر هذه،عندما أكتب،أفكر خاصة في قرائي اليابانيين.لكن هذا لا يمكن أن يكون صدفة إذا لم تعرف مؤلفاتي نجاحا على المستوى الدولي سوى بعد سنة 1990 .مع انهيار المذاهب الكبرى،تجلى اضطراب ضخم.إشكالية تقرير المصير ذاتيا –كيف تختار حياتك بنفسك- صارت ملحة أكثر فأكثر.وأعتقد بأني أطور نموذج حياة حقا مستقلة. 
25-س-هل أنتم صاحب نزعة أخلاقية؟
ج-إن نصا لا يجعل قارئه في حالة أفضل لا يستحق مجهود كتابته.  
26-س-أغلب أبطال نصوصكم تقارب أعمارهم ثلاثين سنة.أي نفس العمر الذي غادرتم فيه ناديكم للجاز كي تكرسون حياتكم كليا للأدب. أيضا العمر الذي توقفتم خلاله عن التدخين وتحولتم إلى ممارسة رياضة الجري.لكن لماذا لا تجعلون شخصياتكم تمسها الشيخوخة؟
ج-ليس كوني لا أفكر في الشيخوخة. بل حقا لأنها لا تلمسني قط.ربما لأنه ليس لدي أطفالا،بحيث حينما نكون بدون أطفال لا نمتلك أيضا في غالب الأحيان فرصة الإحساس بأننا أصبحنا كهولا.لهذا السبب لا يشيخ أبدا أبطالي.لكني كتبت عملا يتعلق بي،فقد أنهيت للتو من كتابة قصة تتكلم عن رجل بلغ خمسين سنة. إنه تحد كبير بالنسبة لي.أعتقد فقط اليوم أصبحت قادرا كي أكتب عن شخصيات من مختلف الأعمار.   
27-س-شخصياتكم النسائية جميلات جدا وفي غاية المثالية،بحيث تشعرنا وكأنك وقعتم في شرك حبهن لحظة الكتابة؟
ج-أعشق النساء اللواتي يتمتعن بقوة مزاج كبيرة.مثلا "أوممي"بطلة رواية'' 1Q84''أشعر بسعادة عارمة وأنا أكتب أكثر عن نساء من هذا النوع قياسا للرجال.أيضا مثل"طونغو"الشخصية الأساسية الأخرى للرواية فهي قريبة جدا مني،أعرفها تماما لأنها تشبهني.أعلم ما تفكر فيه وما تقوم به.الوضع الذي يختلف مع "أوممي".فأن أضع نفسي مكانها شكل مراهنة،تلزمني تحويل خيالي بأقصى سرعة. لكن لا يمكنني الوقوع في حب أي من بطلاتي.لأنه عندما أكتب،فإني الشخصية، الأقل ندّية خلال اللحظة المناسبة.أنا ''أوممي'' تماما كفلوبير هو مدام بوفاري. لكن، بعد ذلك،أنا ''طونغو'' أيضا،ما يهم هو المحافظة على هذا التوازن.إنه يذهب عبر التعاقب بين المذكر والمؤنث،بين مكان وآخر،ما أريده،أن لا أكون أبدا مرتبطا بأي شيء مهما يكن.أتوخى دائما إمكانية الذهاب والرجوع.   
28-س-هل تعلمون أنه في ألمانيا حظي برنامج ناقش مؤلفاتكم بمتابعة جمهور كبير؟حينما تطرق النقاد الأربعة للبرنامج التلفزي الكبير : le quator allemande،إلى موضوع روايتكم : " جنوب الحدود، غرب الشمس'' حدث تباين كبير بينهم حول القيمة الأدبية لمشاهد الجنس في الرواية.مما أدى إلى صخب حقيقي. في ألمانيا،لا نتكلم إلا عن هذا والجميع يتحدث بهذا الخصوص.
ج-نعم، أتذكر، تقريبا.فيما بعد،تعرفت على مارسيل ريش-رانيكي،الناقد الذي دافع عني،أحببته جدا.لقد قرأت مذكراته،وهو عمل في غاية الأهمية.لكن ذلك السجال فاجأني.أتناول الجنس بطريقة برغماتية جدا،أي بلا شك بواقعية غريبة،لكن دون الاستسلام أبدا للبورنوغرافية.كي أتكلم معكم بصراحة،أنا لا أشعر بأي متعة وأنا أكتب مشاهد من هذا النوع.قبل كتابة روايتي " نزهة المستحيل"،لم أتطرق أبدا إلى أشياء من هذا النوع.
29-س-لماذا؟
ج-يجب أن أرغم نفسي. أنا خجول جدا.أستحيي التطرق إلى موضوعات من هذا القبيل،لكنها ضرورية،هذا كل مافي الأمر.الجنس هو الطريق الرائع الذي يقودك إلى الجهة الأخرى.هناك معطى روحيا في العلاقة الجنسية، يفتح بابا رمزيا.أحتاج إليه كي أهتدي للجديد بخصوص ما أسرده.لكن الحب أجمل بكثير من الجنس. 
30-س-يأخذ لديكم دائما الحب صورة مصير؟
ج-ما أكتبه يعتبر عموما بالنسبة للكبار حكايات خارقة.الجميع يريد الاعتقاد بقوة الحب ووجعه.كل هذا،في إطار الواقع،إنها ليست بأشياء نصادفها بسهولة. لكن حينما تقرؤون حكاية،تشرعون فجأة في الاعتقاد أن هذا قد يحدث لكم.نعم، لكم.   

* هامش :
Le  Magazine Littéraire numéro :547 ;2014 ;pp :38 44.       


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق