بقلم: جان جاك غوبلو
ترجمة: وفاء شوكت
تلاحق صورة ﭘﺭوميثوس سارق النار، الضمير الحديث: بدءاً من "غوته" و"شيلي" وصولاً حتى فلاسفتنا المعاصرين، ستبقى ثمة علامات وشواهد لا حصر لها دالة على حضورٍ ساحرٍ لهذه الأسطورة، ﭘﺭوميثوس، في واقع الحال أحد أبرز الشخصيات التي أبدعتها مخيّلة الإنسان إطلاقاً. نعرض في هذه الدراسة للأسطورة ـ المأساة التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألفي عام.
لا يتعلق الأمر هنا "بأنموذج" فقط، أو بإبداعٍ أدبي محض. ﭘﺭوميثوس بطل أسطوري قبل أن يكون شخصية مسرحية، ويستمد من "أسطوريته" هذه تأثيره وسحره. لم يفعل "إسخيل" في " ﭘﺭوميثوس المقيّد" سوى تقديم تعبيرٍ فنيٍ راقٍ لأسطورةٍ وُجِدَت قبله بزمنٍ طويلٍ؛ وهذا أمر لا يقلل أبداً من شأن هذا الشاعر، بل على العكس تماماً. مع ذلك, ولفهم هذا العمل بمختلف وجوهه وأبعاده، يجب إعادته إلى سياق حكاية ـ أسطورة ﭘﺭوميثوس. إن عمل إسخيل يندرج بشكلٍ طبيعي في هذه الأسطورة ويجد فيها جوهره، كما تتردد فيها أصداؤه. لكن، بدايةً، ما هي الأسطورة؟ وكيف يمكن أن تكون للأسطورة حكاية أو "تاريخ"؟ لا بد من بحثٍ تمهيدي موجزٍ في هذا السياق.
علم الأساطير والشعر
تعني الكلمة اليونانية "muthios "ميثوس": حكاية، أسطورة، وهي نقيض "logos" "لوغوس": المنطق، "العقل". الأسطورة هي حقاً خرافية، خيالية، غير واقعية. لذا لا يمكن عدَّها حقيقةً واقعة، على الأقل مثلما تقدِّم نفسها. ليس صحيحاً مثلاً، أن الناس تناولوا النار من ﭘﺭوميثوس أو من أي إله آخر، بل اكتشفوها وتملّكوها بوسائلهم الخاصة.
لكن وإن تكن الأسطورة غير معبِّرةٍ عن حقيقةٍ كاملة، بيد أن لها حقيقتها الخاصة. لا يجوز الحديث هنا عن الزيف واللاواقع في هذا المقام، فعلى أي شيءٍ تقوم الأسطورة الخيالية؟ كان فلاسفة "عصر الأنوار" (القرن الثامن عشر) يرون فيها (الأسطورة) "كذبة مقصودة" يعزونها لمكر الكهنة الذين يستغلون لمصلحتهم معتقدات الشعب الخرافية. بناءً على ما تقدّم لا تكون الأساطير سوى خِدَع: فالدوافع والبواعث الشخصية للأفراد (الاستغلال الماكر للبعض وسذاجة البعض الآخر) تكفي لإدراك سبب وجودها؛ ومن حيث المضمون يجدر بنا عندئذٍ الاكتفاء بملاحظة بساطتها وبدائيتها دون التركيز على فهم معناها الموضوعي أكثر مما ينبغي. هذا الأمر لا يرضينا كباحثين، إذ يجب عدم الوقوع في أسر هذا التفسير الخاطئ المتضمِّن سوء نيّة أحدهم أو هذيان الآخر. بل يجب تفسير الأسطورة على ضوء قوتها الموضوعية.
يجد كل شعب علم أساطيره في إرث ماضيه الأكثر بعداً، في ماضٍ يعود إلى مراحل التطور الاجتماعي البدائية: هناك يجب البحث عن الشروط التاريخية لتكوُّن الأساطير. في المجتمع البدائي، كان مستوى الإنتاج الاجتماعي متدنياً للغاية: لم تكن قد تمّت السيطرة على قوى الطبيعة، ولم يكن ذلك ممكناً إلا بوساطة المعتقد الوهمي أو الخيال"([1]). كان الناس يحاولون تلافي نقص التقنيات "بالسحر"، أي بمجموع أفعالٍ تقليدية إيمائية تمنحهم الوهم بالسيطرة على الطبيعة، التي كان عليهم أن ينتزعوا منها كل يوم وسائل عيشهم الآني. ولم يتوصل الناس إلى التعرُّف على موضوعية بعض التطورات الطبيعية وبعض العمليات التقنية الابتدائية إلا تدريجياً وعبر زمنٍ طويل: في هذا السياق تحرّر العمل المنتج جزئياً على الأقل من الوهم و"تقنيات السحر"، إلى أن أصبح الطقس السحري "ظاهرةً مستقلّة". في هذه الظروف ولدت الأساطير: في الأصل لم تكن سوى مشاركة صوتية والتعليق على الطقوس الشعائرية التي يتجسد محتواها في واقعٍ سحري. على هذا الأساس تكوّنت تدريجياً الميثولوجيا ـ أي مجموع الصور والمعتقدات التي اكتسبت بدورها، نسبةً إلى الطقوس الأولية، استقلالاً نسبياً خاصاً بها([2]).
عوامل سلبية إذاً ـ مثل عجز الناس البدائيين أمام جبروت الطبيعة، وحياتهم الاجتماعية الضيقة ـ تحكّمت بتكوّن الأساطير البدائية. هل يجب إذاً تجاهل هذه القصص "اللاواقعية" وحصرها في دائرة الحكايا المروية للسذّج والأطفال؟ كلا، فعلى الرغم من الضعف المنسوب إلى الأساطير، إلا أنها تدل على الجهد "الأولي" المبذول للسيطرة على الطبيعة و"أنْسَنَتها" بوساطة السحر.
كتب مكسيم غوركي: "لا تعكس القصص والأساطير القديمة خوف الإنسان أمام الطبيعة؛ بل على العكس تؤكِّد انتصاره عليها، كما تؤكِّد قوة الكلمة السحرية القادرة على تذليل مقاومات المادة الرهيبة والظواهر الطبيعية"([3]).
انطلاقاً من ذلك، الأساطير ببساطة ليست عبثية، إنها، على العكس ذات مغزىً إنساني غني". كان " ﭘﻮل إيلوار" يتحدَّث عن الحاجة الجوهرية للإنسان، "لأن يدرك باستمرار تفوُّقه على الطبيعة، ليحمي نفسه منها، وليتغلّب عليها"([4]): كان يبغي من وراء ذلك التدليل على ضرورة الشعر وأساسه ـ على الخيال المبدع ـ. هذا يعني ـ حسب "إيلوار" ـ "أن الأساطير البدائية شعر في الأصل، شعر يمنح القوة". يرى "إيلوار" أيضاً: أن وظيفة الأساطير خلق الشروط الذاتية الكفيلة بحثّ جهود البشر (التي ما تزال محدودةً جداً) ودعمها للسيطرة على العالم وتحسينه. لهذا السبب تمكّنت الأساطير من الصمود أمام شروط تكوُّنها التاريخية، ومن ثم خدمة الشعراء والفنانين كل هذا الوقت المديد، الذين تابعوا بلورتها في أعمالهم الفنية وأعطوها معنى كونياً.
إن الميثولوجيا اليونانية علم إنساني غنيٌ بامتياز. ذلك أن اليونانيين القدامى عاشوا مرحلة تطوُّر اجتماعي سريع وكامل، تطور كلاسيكي مستمر، لم يتوقف مثلما حدث عند سكان منطقة بلاد "ما بين النهرين" أو "مصر" مثلاً ـ عند الأشكال الاجتماعية الجامدة "للاستبداد" الشرقي. في غضون هذا التطوُّر اغتنت الصور الأسطورية الموروثة من المجتمع البدائي، كما تحوَّلت وتأنسنت وهكذا لم تشكِّل الميثولوجيا ترسانة الفن الإغريقي فحسب، بل وأرضه "المغذية" أيضاً، كما قال "ماركس" الذي أشار بدقةٍ إلى الطابع "الفني اللاواعي" للإبداع الأسطوري الشعبي: لقد خلق تاريخ اليونان القديمة الشروط المؤاتية، بوجهٍ خاص، لتحوُّل الميثولوجيا، إلى فن، ولإثراء الفن بالأسطورة.
يعد هذا السحر والثراء الرائع ثمرة طفولة البشرية التاريخية التي وصلت هنا إلى أعلى درجات "تفتُّحها"، والتي نريد نشرها في العالم عن طريق " ﭘﺭوميثوس المقيَّد" ـ هذه التحفة الأدبية العالمية. فهنا يجد الإبداع الأدبي الفردي فعلاً أساسه في الإبداع الأسطوري الجماعي: على هذا النحو يُكْمِل الإبداع الأدبي الفردي ويُتَمِّم أسطورةً تضرب بجذورها في أعماق التاريخ الإنساني. وهذه هي "الأرض المغذية" ـ كما قال "ماركس" ـ لعبقرية إسخيليوس الشعرية.
أصول أسطورة ﭘﺭوميثوس
ما الشكل الأصلي إذاً لأسطورة ﭘﺭوميثوس؟ تصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال إلا بطريقةٍ تخمينية. ففي معظم الأحيان تضيع أصول أسطورةٍ ما في ماضٍ غابر سابقٍ جداً لظهور أولى الدلائل المكتوبة، بحيث لا تنقل لنا هذه الأخيرة سوى رواياتٍ متأخرة نسبياً يكون النص الأسطوري قد خضع فيها تالياً لتغييرات وتحويرات خطيرة. لا يحتاج الأمر إذاً إلى عناء كبير حتى تبدو مسألة الأصول أمراً متعذَر الحل عملياً. عدا ذلك، ألا تُطْرَح هذه المسألة أحياناً بطريقةً خاطئة نظرياً؟ من الخطأ الاعتقاد هنا ـ كما يحصل عموماً في أساس كل تحوُّل أيديولوجي ـ وجود نوعٍ من نقطة انطلاقٍ مطلقة، أو معطىً بسيط وبدائي يكون ظهوره المفاجئ المحض معزولاً عن أية "مادة فكرية موجودة قبله" (إنغلز). والأساطير اليونانية على أي حال، تؤكِّد بوجهٍ خاص مثل هذا الرأي أو المسلَّمة. فكلما توغلنا في تاريخها تبدو لنا دوماً كأجزاءٍ مكوِّنة متمِّمة لـ"ثقافةٍ"، ترتكز على إرثٍ واسع الغنى والتعقيد.
تأسيساً على ما سبق، تحافظ دراسة الأصول على كل معناها وتصبح مسألةً مشروعة وميسورة: سيتوفّر لنا أساس متين نرتكز عليه إن نحن أدركنا العلاقة المباشرة والضيقة جداً في الأصل، التي تربط الأسطورة بالممارسة الاجتماعية، وبدقةٍ أكثر بالعمل المنتج. والحال أن هذه الرابطة هي أيضاً هنا شديدة الوضوح؛ فأسطورة ﭘﺭوميثوس هي أسطورة استيلاء بني البشر على النار.
كان استخدام النار في الأعمال المنزلية أولى التقنيات التي أحرزتها البشرية([5]) وكان لها أهميةً بالغة جداً. أتاحت النار للبشر طهي الطعام وتنويع أصنافه، حمتهم من البرد ومن الحيوانات المفترسة، وأخيراً أخذت تؤدي دوراً مهماً في صناعة الأدوات. وتضاعفت استخدامات النار تقنياً بوتيرةٍ عجيبة بدءاً مما سمي بـ"الثورة النيوليتية" عندما بدأ الناس بإنتاج مصادرهم الغذائية بأنفسهم (ظهور الزراعة وتربية الماشية) بعد أن اكتفوا إلى ذلك الحين بالموارد الغذائية التي وفّرتها لهم الطبيعة. فيما بعد تعلم الحرفيون المهرة رفع درجة حرارة أفرانهم أكثر فأكثر إلى أن حصلوا بفضل ذلك وعلى امتداد آلاف السنين على سلسلةٍ مهمة من الاكتشافات المؤثـِّرة: صناعة السيراميك، التعدين، صناعة الزجاج والجبس وإنتاج مختلف الموارد الملوِّنة([6]).
هكذا ضمن الإنسان لنفسه مع النار السيطرة على قوةٍ طبيعية جبّارة سيستخدمها من الآن فصاعداً لتغيير الطبيعة جاعلاً من انتصاره الأول أداةً أو وسيلة لانتصارات جديدة!
خـُلِّدَ هذا الانتصار المثمر الموغل في القِدَم لدى الشعوب المختلفة بأساطير([7])لا تحصى. في الفلكلور الفرنسي مثلاً نجد حكايات حول طائر مُحْسِن طار إلى الشمس ليأتي بالنار للناس([8]). أما الإغريق فكانوا يعزون عادةً هبة النار للإله ﭘﺭوميثوس الذي ـ كما يقولون ـ أحضر لهم شرارةً من الشمس([9]) وضعها داخل عصا مفرَّغة.
هذه هي على ما يبدو النواة الأولية لأسطورة ﭘﺭوميثوس. لكن كل شيء يسمح لنا بافتراض تجاوز هذه المعلومة الأولية البسيطة، ولتكتسب الأسطورة فيما بعد غنىً وتعقيداً كبيرين. بالنسبة إلى الإغريق (الذين دخلوا التاريخ تقريباً عندما كان عصر الاكتشافات التي ذكرناها سابقاً قد بدأ ينتهي) صار الانتصار على النار رمزاً لكل انتصارات البشر اللاحقة على الطبيعة([10]). بهذا الشكل اكتسبت الأسطورة أبعاداً جديدة: لم تعد مجرَّد حكاية تبحث في "علم الأسباب([11]) والأصول"، أو احتفاءً بذكرى شعائرية لتملّك النار، بل تجسيداً وتعبيراً عن النضال المتجدِّد دوماً الذي يبادره البشر ضد الطبيعة للسيطرة عليها، علماً أنه كان مقدّراً لها أن تتجدّد باستمرار، تكيفاً مع التطورات الحديثة للسياق النهائي الذي يشكِّل صورتها.
لكن هذه العملية ـ تطوُّر القوى المنتجة ـ ليست بسيطة أو خطاً صاعداً بانتظام ـ لم يكن ممكناً استمرار التقدُّم التقني بعد أن وصل إلى درجةٍ معيّنة إلا عبر التقسيم الاجتماعي للعمل وبتملك أقلية جزءاً من الثروات المُنتَجة بفضل عمل أغلبية أفراد المجتمع. ومن الآن فصاعداً أضحى شرط تطور القوى المنتجة رهناً باستغلال الإنسان للإنسان، وانقسام المجتمع إلى طبقات متناحرة. وهكذا بدأ المجتمع البدائي ـ المشاعي بالتفكُّك.
بدءاً من هذه المرحلة صارت الأساطير والتقاليد الموروثة عن المجتمع البدائي تأخذ معنى جديداً: استولت الطبقات المتناحرة عليها وعملت. جاهدةً لاستغلالها لمصلحتها. وبدأت الطبقات المسيطرة ـ إحساساً منها بالحاجة لتسويغ وضعها المميَّز ـ بتأويل الأساطير بما يخدم استمرارية سيطرتها. هنا تغيَّرت طبيعة الميثولوجيا تبعاً لذلك. بهذا الصدد كتب "روجيه غارودي":
"في القبيلة البدائية لم تكن الميثولوجيا سوى تعليقٍ خيالي لكن فوري، على لعبة القوى الطبيعية، كانت قصيدة تلقائية لحرية حركة الفرد. ومع انقسام المجتمع إلى طبقات، اكتسبت الميثولوجيا طابعاً دينياً..."([12]).
ينطبق ما تقدّم على أسطورة ﭘﺭوميثوس: في البدء عبّرت هذه الأسطورة عن الكبرياء الجماعي لبني البشر في معركتهم المشتركة ضد الطبيعة فحسب، لكن كان لا بد، ومع مرور الزمن، أن تتغيَّر بعمق منذ أن نتج عن هذا الصراع صراع آخر، وهو صراع الإنسان ضد الإنسان.
هيزيود Hesiode
في ملاحم هوميروس البطولية المشبعة بالفن لا تبرز أسطورة ﭘﺭوميثوس، ربما لأنها شعبية جداً أو لارتباطها بالعمل وحياة العمال، لكنها أخذت مكانها في الروايات المكرّسة لقادة الفتوحات الحربية. كان الشاعر "هيزيود" أول من جمع التراث الأدبي الملحمي، وأعطاه معنىً جديداً، وسكب في ترسانة الشعر الإغريقي بعضاً من الفلكلور الشعبي، لذا ندين له بالرواية الشهيرة لأسطورة ﭘﺭوميثوس.
عاش "هيزيود" في Béotie "بويثيا"([13]) في القرن الثامن قبل الميلاد. في ذلك الزمن كان قد اتضح أكثر الفرز الطبقي في المجتمع اليوناني، وأضحى التجمُّع البدائي بمثابة ذكرى، كما تطوَّرت الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (لاسيما الأرض)، كان التمايز الاجتماعي بموازاة ذلك يزداد خطورة. تكوَّنت أوليغارشية من كبار الملاك راحت تتفاخر ببذخها وجبروتها، في حين كان صغار الملاك يحصلون بصعوبةٍ بالغة من الطبيعة على ما يكفي لسد حاجاتهم الضرورية جداً. ونظراً لأن "هيزيود" كان فلاحاً صغيراً فقد عبَّر مرة إثر مرة عن استياء طبقة الفلاحين. لكن لم تكن الظروف مؤاتية آنئذٍ لانخراط هذه الطبقة في نضالٍ سياسي نشط ضد النبلاء أو كبار ملاكي الأرض. من هنا نشأ تشاؤم "هيزيود" وأخيراً استسلامه للطبقة المهيمنة. كان يعارض بمرارةٍ باسم العدالة أنانية "الكبار" ويتذمّر من جحود الطبيعة، لكنه كان يحض البؤساء مثله، من جانبٍ آخر، على الطاعة والاستسلام للقدر والمصير. لكن لماذا تجري الأمور على هذا النحو، باتجاهٍ واحد؟ لماذا كُتِب على البشر العيش هكذا؟ قصة ﭘﺭوميثوس تحمل الإجابة.
يروي "هيزيود"([14]) كيف عاش الجنس البشري في الأزمنة الأولى سعيداً، بلا عمل وبلا مرض ودون أن يحتاج إلى كسب قوت يومه بعرق جبينه. كان ذلك عصر الإله "كرونوس"، "العصر الذهبي". كانت الأرض تنتج بذاتها كل الخيرات الضرورية للحياة، ويتمتع البشر بها سواسية. ثمة هنا بدون شك ذكرى مثالية "للشيوعية البدائية". ويضيف هيزيود قائلاً إن البشر كانوا يعيشون في ذلك الزمن بمعية الآلهة، "إخوتهم الأقوى"، غير أن خطيئة ﭘﺭوميثوس المزدوجة، "ابن الجبار جابيث"، و"حورية البحر كليمين"([15])، قد ألغت هذا الوضع السعيد.
خلع "زيوس" والده "كرونوس"([16]) عن العرش وحكم العالم. عند ذلك تخيّل ﭘﺭوميثوس "الحاذق" أن بوسعه خداع ملك الآلهة الجديد لحساب البشر: أثناء مأدبةٍ جمعتهما معاً قدم ﭘﺭوميثوس للبشر أفضل قطع اللحم، ولم يبقِ للآلهة سوى العظام المكسوة بطبقةٍ من الدهن. غير أن زيوس العليم بكل شيء اكتشف الحيلة، لكنه وافق على هذه القسمة الغادرة التي ـ كما يشرح هيزيود ـ بقيت سائدة منذ ذلك الحين في أضاحي الحيوانات: يحتفظ البشر لأنفسهم باللحم، ويقدِّمون الدهن والأحشاء والعظام للآلهة. لكنها جريمة استحقَّت العقاب: صادر زيوس النار من البشر.
ذهب ﭘﺭوميثوس "صاحب الأفكار الماكرة" وسرق النار من السماء وأعادها للبشر. إثرها عاقب زيوس الغاضب ﭘﺭوميثوس بصرامة: أوثقوه على عمود في طرف العالم. صار الشهير الأزلي([17])، سارت النار شاهداً من الآن فصاعداً على جبروت زيوس، مثله مثل "الجبابرة" المسجونين تحت الأرض. عوقب البشر أيضاً: أرسلت الآلهة إليهم "ﭘﺎندورا" المرأة الأولى، "حواء" الإغريقية التي شكَّلها إيفايستوس الإله الحداد بواسطة التراب والماء، وبناءً على طلب زيوس. حملت هذه المخلوقة المثيرة والشريرة جرةً مميتة، سوّل فضول إبيميثوس([18]) له أن يفتحها. احتوت الجرَّة على شتى الشرور التي أثقلت كاهل البشر منذ ذلك الحين: الأمراض، السموم، العواصف والحروب، "سلالة النساء الملعونة، وخاصةً العمل الشاق الذي أُرْغِم الناس على القيام به منذ الآن، في أرضٍ قاحلة مُجْدِبة. وحل "عصر الحديد" محل "العصر الذهبي".
تلك هي الرواية "الهيزيودية" للأسطورة: يُلاحظ تقدير النار فيها بوجهٍ خاص نظراً لدورها المهم في طهي الطعام ـ غذاء الإنسان([19]) ـ لكن يجب ألا يحجب الجو الريفي الذي أحاط بالقصة عنا طابعها المتطوِّر غير البدائي. يبدو أولاً أن الأسطورة قد اخْتُزِلت في معلومات روائية سردية، أي أضحت مستقلة تماماً عن أي عنصرٍ شعائري. إنها تعيدنا إلى ماضٍ أصيل لا يستطيع أي سحرٍ أن يعيد له الحياة, ولا يتم استحضارها إلا ابتغاء منفعةٍ مزدوجة: لتأملٍ لاهوتي حول أسباب البؤس القائمة، ولتنبيهٍ أخلاقي بخصوص العواقب الوخيمة للزندقة والزهو والتكبُّر. وذلك بما يوافق تماماً الشكل الأدبي للرواية الملحمية التي تبناها هيزيود. وهكذا، بينما ستبقى الأسطورة في أثينا (كما سنرى فيما بعد)، مرتبطة بممارسات شعائرية ظلت نشطة جداً حتى العصر الكلاسيكي، ستجد عند أسخيلوس تعبيراً مأساوياً.
من هنا يمكننا أن نستخلص نتيجةً غريبة، وهي أن رواية هيزيود للأسطورة أكثر تطوراً منها عند إسخيلوس رغم أنها سابقة لها بثلاثة قرون يتأكد هذا الافتراض حين نقارن (مضموني الروايتين): كل شيء يشير إلى أن قصة هيزيود كما العادات الآثينية الأكثر قدماً المتعلِّقة بشخصية ﭘﺭوميثوس لم تعرف حادثة توزيع اللحم الماكرة، ولا صراع زيوس مع ﭘﺭوميثوس، ولا حتى عقاب هذا الأخير المادي والأخلاقي الذي كانت سرقته سبباً لذلك.
في شرحهم لهذه الاختلافات ذهب بعض البحَّاثة إلى حد الافتراض بوجود أسطورتين منفصلتين وشخصين مختلفين: ﭘﺭوميثوس الأيوني ـ الآتيكي([20]) (الآثيني) المعلِّم المحسن لـ"فنون النار"، وﭘﺭوميثوس الفظ، سارق النار المعاقب من قِبَل زيوس. سوف لن نناقش هنا هذه الفرضية "الثنائية"، فهي تواجه بالرفض عموماً وغير معتمَدة. إذاً لماذا هذه "الثنائية"؟ نميل للاقتناع بأن بعض عناصر الرواية الهيزيودية، الغائبة في التقليد الآثيني القديم، لم تكن تنتمي للنواة الأولى للأسطورة، التي احتفظت في "أثينا" بجوهرها الأول، في حين تعرَّضت في "بويثيا" لبعض التحريف.
إن المعطيات التي تقدِّمها لنا الدراسة "الوضعية" للمصادر لا تكون مكتملة إلا عبر تحليلٍ لرواية هيزيود في ضوء المادية التاريخية. تبدو "تحويرات" القصة الخيالية عندئذٍ بمثابة انعكاسٍ (أيديولوجي) فكري للتطور الاجتماعي: إذا كانت قصة ﭘﺭوميثوس قد اغتنت بعناصر جديدة وطرأ تحوُّل على معناها العام، فذلك لأنها صارت تعبِّر من الآن فصاعداً عن عالمٍ اجتماعي آخذٍ في الانقسام أكثر فأكثر وبشكلٍ عميق مبتعداً، على هذا النحو، عن الشكل البدائي للمجتمع حين ما ولدت الأسطورة.
لنأخذ مثلاً أسطورة "ﭙﺎندورا"([21])، القصة المستمدَّة من طقسٍ شعائري رافق المجتمعات الزراعية القديمة في العصر الحجري الأخير ـ صناعة الفخار. في تلك المجتمعات كان تقسيم العمل ضعيف التطور، وأدت النساء في الغالب دوراً اقتصادياً كبيراً جداً. فربّات الاقتصاد المنزلي هن اللواتي دفعن بالإنسانية للانتقال من مرحلة جمع الغذاء إلى مرحلة الإنتاج الزراعي؛ وهن أيضاً من صنعن الجرار من الصلصال المشوي في النار، لحفظ الطعام. لا يكمن الطابع الثوري لهذه التقنية الجديدة فقط في الإسهام الحاسم الذي قدَّمته الآلات الجديدة المصنَّعة مع التطوُّر الاقتصادي الزراعي، بل يكمن أيضاً في حداثة طريقة التصنيع نفسها ـ التحويل الكيميائي([22]) للمواد انطلاقاً من مقادير محسوبة ـ لكن هذه العملية الكيميائية بقيت غامضة في أذهان هاتيك النسوة اللائي نجحن بها تجريبياً: كيف أمكن تحويل الصلصال إلى مادة صلبة تتمتع بتكوينٍ جديد دائم. لم يُفْهم هذا التحوُّل النوعي إلا كظاهرة سحرية. حتى في عيون تلك الصانعات لم تكن الجرَّة تبدو إطلاقاً كشيء مصنوع: كانت كائناً حياً موزِّعاً لثمار الأرض، النبع الأنثوي للحياة والخصب. وهكذا أيضاً كانت "ﭙﺎندورا" الإلهة الأم المخلوقة من الصلصال والماء من قبل إله النار([23]).
ندرك هنا الرابط بين أسطورتي ﭙﺎندورا وﭘﺭوميثوس القائم قبل مرحلة سابقة جداً لقصة هيزيود. لكن لاحقاً ومع اتساع تقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة وزوال نظام الأمومة (نظام الأسرة القائم على سلطة الأم)، لم تعد صناعة الخزف نشاطاً بيتياً خاصاً بالنساء، بل أصبح عملاً فنياً أوكِل إلى الرجال([24]). بذلك نشأت علاقات إنتاج جديدة أصبحت النساء بموجبها تابعات اجتماعياً واقتصادياً.
هنا أعيد تأويل الأسطورة القديمة: فبما أن المرأة كانت مضطهدة كان لا بد وأن تظهر ساخطة، وعلى هذا الأساس جعلوها مصدر جميع الشرور. فأصبحت ربة الأمومة القديمة ﭙﺎندورا في الرواية الهيزيودية، تلك المرأة حاملة الجرَّة التي تحوي جميع المصائب. بذلك فقدت الأسطورة روابطها الأصلية مع العمل الإنتاجي (صنع الخزفيات)؛ وتبدَّلت في آنٍ معاً طبيعة العلاقة التي تجمع الأسطورتين شكلاً وأخذت طابعاً تندُّرياً. فلم يعد ﭘﺭوميثوس خالق ﭘاندورا، بل خالق فرصة صنعها من خلال الجريمة التي ارتكبها؛ وهيفا يستوس (إله آخر للنار) هو الذي سيشكِّل لاحقاً هذه المخلوقة المشؤومة([25]).
الأمر واضح إذاً: فقد وصلت الأسطورة إلى هيزيود في شكلٍ محرّف إلى درجةٍ عميقة بحيث ضاعت معالم المعنى الأولي مع تطور العلاقات الاجتماعية لاحقاً.
تؤدي تحليلات أخرى إلى نتائج مماثلة: نتج عن خصومة ﭘروميثوس مع ملك الآلهة تراتبيةً سيادية ما كان يمكن ظهورها في المعتقدات الدينية البدائية جداً. فهذه التراتبية لم تتطوَّر إلا مع بروز الامتيازات الطبقية، وما ينجم عنها من صراعات اجتماعية حادة في المجتمعات الإنسانية([26]).
أصلاً لم يكن زيوس يمثِّل سوى القوة الطبيعية صانعة المطر والرعد، لكنه فيما بعد بسط سيادته على الآلهة الآخرين وأرغمهم على الاعتراف به بعد صراعاتٍ مريرة طبعاً. من هنا نشأت هذه النزاعات الإلهية التي تشكَّل المادة الرئيسية لرواية هيزيود. وضمن هذا الإطار برزت خصومة زيوس وﭘروميثوس. تجلّت الفروق الاجتماعية في العالم السماوي، ووجد العنف انعكاساً له في مجتمع الآلهة.
في الوقت ذاته بدأت تتحوَّل العلاقات بين البشر والآلهة. لم يكن الناس الأوائل يعرفون سوى الأرواح أو القوى الخفيَّة التي حاولوا السيطرة عليها بوساطة السحر وليس بالصلوات والأضاحي.
فهذه الأخيرة (أي الأضاحي) لم تظهر إلا بعد أن أصبح الطوطم([27]) الأول إلهاً ـ كائناً سامياً غيوراً ومسيطراً. لذا وجُبَت استمالته بتقديم القرابين([28]).
صار من الضروري تبرير هذه الممارسة الدينية الجديدة. على هذا الأساس نشأت أسطورة هيزيود حول الأضاحي. فقد اعتُبر ﭘروميثوس باكتشافه النار وتعليمه البشر طهي اللحوم واضعاً الأضاحي والقرابين أو مؤسساً لها. غير أنه كان يجب شرح ما هو أهم من تقديم الأضاحي ـ أي التناقض القائم بين البشر والآلهة، علاقة خضوع البشر الجديدة للآلهة التي كانت الأضحية علامتها. موضوعياً، كان هذا التباعد بين البشر والآلهة انعكاساً للتناقضات التي أخذت تتطوّر في المجتمع الإنساني وتمزِّقه. إلا أنه في ذلك الحين لم تكن هذه العلاقة مفهومة بشكلها الموضوعي. كان العالم الرباني انعكاساً خيالياً للواقع الاجتماعي. فالعقوبة إلهية والظلم الذي يقع على الناس بسببها صار يبدو جزاءً عادلاً. إن ظاهرة الانقلاب "الأيديولوجي" الناجمة عن الحركة الواقعية التاريخية هي المحدِّدة بالضبط لحالة الاستلاب "الديني".
هنا نشأت قيمة شرح مسبِّبات الأسطورة والقيمة التعليمية للرواية بوجه عام: يظهر الاهتمام جلياً بالأسطورة من أجل تقديم تحليل مقنع يشرح للمضطهدين سبب بؤسهم من أجل أن يقبلوه كقدرٍ محتومٍ ومشروع. هُزِمَ بطل البشرية([29]) بالقوة وأحبطَ حيلَه بذكاءٍ ملك الآلهة المعصوم من الخطأ. أما البشر فقدرهم أن يتحمّلوا دائماً ثقل هذه الهزيمة. ومن هنا نشأ وضعهم المحزن ونشأ كدح الفلاح وعذاباته مقابل أجرٍ هزيل.
هذه هي سلطة زيوس: لا يقوى أحد على الإفلات منها، حتى بالحيلة؛ ﭘرميثوس مثال شاهد على ذلك. ويأخذ الدرس أهميةً أكثر شمولية أيضاً. إذ يقول هيزيود: "مجنون حقاً من يقاوم من هو أقوى منه. على كل فردٍ معرفة حدوده الخاصة، التزام الحذر في كل شيء والرضى بالقسمة المقدَّرة له. من الخطر والمخالِف للقوانين الطبيعية أن نعلِّل أنفسنا بآمالٍ وطموحات كبيرةٍ جداً، فهذا يعني منافسة الآلهة على هذا النحو يمكن تلخيص عبرة الحكاية بما يلي: الطابع القمعي المميِّز لشتى الطبقات المستغلّة. ■
([1]) المرجع«ماركس»: إسهام في نقد الاقتصاد السياسي، 1966، Editions soeiales, p.174.
([2]) نوجز هنا حصيلة تحليل جورج ثومسون، في studies in ancient greek، المجلد II،«the first plilosokbers »، لندن 1955، ص45 ـ 47. لنقل بالمناسبة إن دراستنا المتواضة تدين بالكثير، وأكثر مما يمكننا الإشارة إليه في مراجعنا، إلى الأعمال الرائعة لهذا العالم الإنكليزي الكبير، الذي هو أيضاً ماركسي بارز.
([3]) م. غوركي: «في الفن»، مقال ظهر في مجلة «Europe» فبراير/ مارس 1960، ص 107.
([4]) ﭙﻮل إيلوار:«الوضوح الشعري» (Eoidence poétique)،««Donuer à voir ص8، 1939، Gallinard.
([5]) استطاع العلماء المتخصون بـ«عصور ما قبل التاريخ» إثبات أن «إنسان بكين» (إنسان منقرض يرقى إلى العصر البلستوسيني) كان قد عرف استخدام النار.
([6]) ظهرت: «فنون النار» هذه وتطوّرت في الجزء الشرقي من حوض البحر الأبيض المتوسط قبل أربعة آلاف سنة من عصرنا؛ أما آخر كسب مهم ـ وهو صهر الحديد ـ فجاء عند نهاية الألف الثانية. تم إيضاح الروابط الوثيقة التي تربط هذه الاكتشافات المختلفة التي تسمح عبر ذلك بإدراك وحدة عملية التطوُّر التقني الواسع، «الصعود اﻟﭙﺮميثوسي» بشكلٍ لافتٍ للنظر من قِبل أندريه لوروا ـ غورهان: الحركة والكلمة، المجلد I، ألبان ميشيل 1964، ص245 ـ 249.
([7]) المرجع «فريزر»: أساطير حول أصل النار ـ لندن 1930.
([8]) المرجع لويس سيشان: أسطورة ﭘﺭوميثوس P.U.F. 1951 ـ ص 6 وما تلاها.
([9]) كان الأرجينيون يعزون إلى ملكهم الأول فوروينوس اكتشاف النار، وتبعاً لنشيد هوميروس إلى إرميس (البيت 108 وبعده) يعود فضل الاكتشاف إلى هذا الإله.
([10]) يبدو هذا واضحاً، كما سنرى في مأساة «إسخيليوس». انظر أيضاً «كزينفون»: "أشياء جديرة بالذكر IV، 3، 7.
([11]) توصف على هذا النحو الأساطير التي تدّعي شرح أصل هذه أو تلك الخاصية من الواقع على طريق «قصص هكذا» لـ«كيبلينغ».
([12]) روجيه غارودي: «قواعد الحرية». 1950 ـ ص 35.
([13]) منطقة في اليونان القديمة، شمال «آيتك»، كانت عاصمتها "طيبة" يتضمّن اليوم اسم بويثيا البلد القديم لهذا الاسم وجزءاً من «فوسيديا».
([14]) المرجع: «نسب الآلهة الوثنية» الأبيات 507 إلى 616؛ «الأعمال والأيام»، الأبيات 43 إلى 105.
([15]) «أبناء السماء والأرض»، كان «الجبابرة» أشقاء كرونوس والأوقيانيديات.
([16]) «أبناء السماء والأرض»، كان «الجبابرة» أشقاء كرونوس والأوقيانيديات.
([17]) أسطورة تحرير ﭘﺭوميثوس المرتبطة بسلسلة فتوحات «هرقل»، هي على الأرجح لاحقة لهيزيود: الأبيات 523 ـ 533 المأخوذة من«"نسب الآلهة الوثنيين» تدور حول هذا التحرير الذي يعتبر تحريفاً للقصة.
([18]) شقيق ﭘﺭوميثوس انطلاقاً من علم اشتقاق الكلام عند الإغريق، يعني اسم ﭘﺭوميثوس (المتنبِّئ، العارف بالمستقبل). أما اسم أبيميثوس الذي تشكّل على غرار ذلك فيعني (المدرك بعد حين، أو في وقتٍ متأخر) فيجعل منه شخصاً عكس أخيه بطبعه ودوره. وبصرف النظر عن س.ج.جونغ، الذي يرى في الثنائي ﭘﺭوميثوس ـ إيبميثوس ازدواجية أسطورية أصلية في كتابه ("المكَّار الإلهي ـ جنيف، 1958) فمن المرجَّح أن شخصية إبيمثيوس لا تمثل إلا عنصراً ثانوياً متحدِّراً من الأسطورة؛ من جانبٍ آخر فإن إبيميثوس لا يظهر في رواياتٍ عديدة للأسطورة، ولا في تراجيديا «إسخيليوس».
([19]) قراءة (ج. دوميزيل): «مأدبة الخلود»، باريس 1924، الفصل الرابع.
([20]) الآتيك: شبه جزيرة اليونان، تقع بين خليج «إجينيا» وبحر «إيجيه» باستثناء ضواحي «أثينيا»).
([21]) (ج ـ ثومسون): دراسات في المجتمع الإغريقي القديم، المجلد 2، ص48 ـ 49.
([22]) (غوردون تشايلد): «ولادة الحضارة» ـ جينف، 1964 ـ ص87.
([23]) يبدو أن الطابع المحسن الذي كانت تملكه هذه الإلهة هو في الأصل مؤكَّد في اسمها (طبقاً للاشتقاق: «التي تعطي كل شيء»).
([24]) تحدد هذا التغيُّر بتطورٍ تقني فاصل: اختراع دولاب الخزَّاف. (راجع: غوردن تشايلد، العمل المذكور سابقاً).
([25]) اعتُمِدَت الرواية القديمة التي تعزو خلق المرأة الأولى إلى ﭘﺭوميثوس في التقليد الآتيكي، الذي يبدو هنا أيضاً أقل تحريفاً من التقليد البيوثي (المرجع: ل. سيشان، العمل المذكور ص103).
([26]) قراءة س. هانشولين: أصول الدين ـ المطبوعات الاجتماعية، 1955، ص116-121.
([27]) الطَوْطَم (حيوان يعتبر ذا صلةٍ خاصة بفردٍ أو بقبيلة فيتَّخذ بذلك رمزاً ـ وَثَنٌ يمثلُ هذا الحيوان).
([28]) المرجع: ج. ثومسون «دراسات في المجتمع الإغريقي القديم»، المجلد الأول: The Prehistoric Aegean ـ لندن، 1954 ص49ـ 51.
([29]) يبدو أن المحتوى الإيجابي لأسطورة ﭘروميثوس أصلاً لا يزال يبرز في تضاعيف رواية هيزيود. من هنا سبب التشوش الذي يظهر في تقديمه صورة ﭘروميثوس: يوصف أحياناً بـ«الشجاع»، («نَسَب الآلهة» 565، «الأعمال والأيام»، بيت 50) أو «المحسن»، («نَسَب الآلهة»، بيت 614). ويبدو أن الكاتب احتفظ في قرارة نفسه بتقديرٍ لبطل الانتصار الأول الكبير للبشر على الطبيعة. لكن المهم في الرواية الهيزيودية هو أن إحسان ﭘروميثوس سببه الانتقام الكارثي المهلك للبشر الذي هيَّأ أسبابه ﭘروميثوس.
لكن ألوهية زيوس قاسية عديمة الرحمة، والشاعر يشتكي منها. لكن قوة زيوس بنظر هيزيود تسوِّغ أساس سلطته: زيوس إله قدير، ويُفترَض أن يكون قانونه عادلاً؛ وإذا اضطهَدَ وعاقَبَ بقسوة، فذلك استحقاقٌ أكيد له مسَوغاته.
(*) المصدر: مجلة "الآداب العالمية" (دمشق-سوريا) العدد 131، يوليو 2007.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق