الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

فولكر غيرهارت: ‘يظل نيتشه من وجهة نظر الفلسفة ذا نواقص’

ترجمة: الحسن علاج




أجرى الحوار أوليفييه سوان: متخصص في الفكر الألماني للقرن التاسع عشر، يعرف فولكر غيرهارت (Volker Gerhardt)  عظمة نيتشه مثلما يعرف نقائصه. وبالنسبة له، فإن هذا الفيلسوف الذي لانسق له يعتبر شاعرا عظيما، صاحب حدوس الخلاقة.
 
لوبوان: لطالما كتبتم حول نيتشه. ومع ذلك فقد ظننتم في البداية، أنه مؤلف ينبغي الاكتفاء بقراءته فقط. لماذا؟
فولكرغيرهارت: صحيح أني أوضحت، حينما كنت مدرسا، أنه ينبغي قراءة نيتشه مع تجنب الكتابة عنه. فقد بدا لي أنه من العبث ثم التنقل رغبة في تقديم تفسير لتناقضاته أو التمهيد لها. بالإضافة إلى ذلك، أنه من المعلوم أن كل إثبات مشيد موضوعيا، مفكر فيه ومؤمن يمكنه انطلاقا من وجهة نظر تاريخية أو فلسفية، لن يقوم سوى بتضخيم الصراعات بخصوص تأويل فكره. لم أكن والحالة هذه راغبا في المساهمة في ذلك. بيد أني أعتقد جازما أنه يتوجب على نيتشه أن يقرأ: لن نستطيع فهم الفلسفة الحديثة ما لم نفهم بعمق الاعتراضات التي رفعها نيتشه ضدها [ الفلسفة]. وحيثما تلوح صعوبة في الفهم، يكون بإمكاننا دائما العودة إلى كتابات لو أندريا سالومي [1] (Lou Andreas- Salom’)، كارل ياسبرز[2] (Karl Jaspers) ، والتر كوفمان [3] (Walter Kaufmann)أو طوماس مان [4] (Thomas Mann). على الأقل هذا ما كنت أفكر فيه في ذلك العهد.

*من حملك على تغيير رأيك؟
*تغيرت في بداية الثمانينات. توجد لدى نيتشه، فعلا، أسئلة ذات حمولة عامة جدا، نسقية، لايجيب عنها سوى عبر حدوس مثيرة. فعلى سبيل المثال، مفهوم القوة، قضية لن يتم حلها انطلاقا من الفهم المألوف الذي يملكه الإنسان ذاته. وبما أنه توجد لديه بعض الحدوس الأكثر عمقا، بعد [حدوس] أفلاطون [5]، كانط وهيغل، لاسيما حول علاقة الإنسان بالله فإني أهتم به قارئا إياه كما لو أن الأمر يتعلق بنسق. على الرغم من كل ذلك، فإن رأيي الأساسي، الذي بموجبه أخطأ نيتشه وناقض في العديد من المواقع، لم يتغير. وبما أنه ينتمي إلى فئة كبار المفكرين الذين قدموا النموذج لعصرنا، فلن نقدر على انتقادها [الفئة] إلا بانتقادنا لنيتشه ذاته. ولن يتم هذا بطريقة فعالة حقا إلا بالكتابة ؛ الشيء الذي يمنح، فضلا عن ذلك، العديد من الفرص لتصويبه. 

*تصرون على تناقضاته: هل هو فيلسوف حقيقي أو كاتب ذو موهبة خارقة؟ 
*يعتبر نيتشه بالنسبة لي فنانا [6] من الدرجة الأولى. ومن وجهة نظر أسلوبية، يعز نظيره ثم إن قصائده تعتبر من أجمل مايمكن للغة الألمانية أن تجود به. لهذا السبب وجبت قراءته. على أنه لو قبلنا بكون أن الفلسفة، لدى ماقبل السقراطيين، وبخاصة لدى سقراط، تحدث انطلاقا من نشاط نقدي، حينذاك يمكننا اعتبار نيتشه من بين كبار الفلاسفة. لاأهاب ذكر اسمه في نفس الوقت الذي أذكر فيه اسم أفلاطون أو كانط. ثم إن ما يعيبه في شأن الانسجام، روح النسق، كما هو الشأن لدى مونتاني [7]، يتم تعويضه من خلال اعتبارات ذات طبيعة وجودية. 

*تسمون نيتشه ‘سقراطا جديدا’. والحال أنه لطالما انتقده. ماذا تقصدون بذلك؟
*في سنة 1875، كتب: ‘سقراط[8] هو الأقرب إلي بحيث إني دائما معه في حرب تقريبا.’ثم إن هذا الاعتراف يتضح في كل تأكيد من تأكيداته المستفادة من كتاباته. أما من جهتي، فإن سقراط هو الأقرب إلي خصوصا أني في حرب دائمة مع نيتشه. كل هذا ضمن اعتراف كامل بعظمته المدهشة. 

*هل تمتلك موضوعة ‘إرادة القوة’دلالة ميتافيزيقية عند نيتشه؟ هل تمنح هذا الفيلسوف مكانة خاصة في تاريخ الميتافيزيقا؟ 
*حاول نيتشه مع فكرة’إرادة القوة’، فهم الدينامية التي تتطور الطبيعة والثقافة وفقا لها. تمتلك هذه الفكرة حجما فلسفيا غريبا لكونه يترك وراءه’الاختلافات التي بها يشتغل علماء الأحياء، علماء الاجتماع، علماء السياسة ومنظروا الثقافة. أخيرا، إن المشروع ضخم جدا ولاتوجد كلمة أخرى للدلالة عليه سوى [كلمة] ‘ميتافيزيقا’. على أن الأمر يتعلق بميتافيزيقا تعتزم الاستغناء عن مسلمة ‘تعال’ و’عالم خلفي’. فهي لاترغب إطلاقا في شيء سوى في مجموع الوجود.

إن غياب روح النسق عند نيتشه يرتبط بشكل خاص جدا بما ليس له نسق شارحا لهذا الواقع الجديد الذي هو التقنية ؛ فهو لايستطيع حينئذ إلا الإقرار بأن التقنية هي التي تربط من الداخل ـ عبر منطقها الخاص ـ طبيعة وثقافة، ثم إنها تظل في أصل العقل الحر. 

*نيتشه الذي شكك في التمثل التقليدي للوعي الإنساني، اعتبر مثل فيلسوف طبيعي، والذي بحسبه ينهض الواقع والوعي، مثلا، عن سيرورات بيولوجية وفيزيائية على نحو محض، كما استطاع داروين فعل ذلك. هل تتفقون مع هذا الزعم؟ 
*بالنسبة لي، لايعتبر طبيعيا، ولاداروين، يقال هذا عرضا. لكن نيتشه غالبا ماهاجم معاصريه باستفزاز محض. هذا لاينطبق فقط على عدد من هفواته السياسية ـ مثلا نقده لحقوق الإنسان، الضعفاء، ‘المحرومين’أو نقده للشفقة [9]. فهو يظل سياسيا وفلسفيا ‘ذا عيوب’. فما يقوله حول الحرية، الإرادة، الغائية أو الإنسية، على سبيل المثال، يتضمن دائما جزءا من الحقيقة، ولكن لاينبغي أن يؤخذ هذا في حرفيته. 
صحيح أنه غالبا ما تباهى بنزعته الطبيعية ثم إنه سقط في العديد من الهنات الوضعية، إذا كان يقصد بهذا موقفا فلسفيا ينبغي ـ تبعا له ـ على كل شيء أن يختزل إلى أفعال تفسر من خلال علوم الطبيعة. فما يفهمه من ‘الجسد’يماثل فرصة أكبر لمونادولوجيا[10] (monadologie) مادية من فيزيولوجية الكائن الحي. ومع ذلك فإن تحليلا متعمقا يوضح لنا بأن الأمر يتعلق بشيء رائع ومرة أخرى في نواح كثيرة. يمكن ملاحظة ذلك لاسيما حينما يحدد نيتشه الوعي كشكل من أشكال التواصل أو يدعو الجسد ‘نظام مجتمع متعدد الأنفس′، تصور جديد على المستوى الفلسفي لكنه لايمت بأي صلة بعلوم عصره. 

*الآن وأن الإنسان، بفضل التكنولوجيا الحديثة، بإمكانه تغيير طبيعته الخاصة، إلى أي مدى يعتبر فكر نيتشه حول جوهر الإنسان وموضوعته المتعلقة بالإنسان الأعلى ملائمين؟ 
*النقاشات الراهنة بخصوص تحسن الكائن الإنساني من خلال البيوتكنولوجيات لاتمت بصلة برؤية نيتشه بخصوص تجاوز ذاتي ثقافي للإنسان. إلى درجة أننا نعرف المستقبل أسوأ منه، فإني أدافع كي تكون العبارة المزعجة والأكثر غموضا للـ’إنسان الأعلى’[11] كي تستعمل كتصور بسيط محدد، مثل عبارة تذكر أنك ستموت[12] للإنسانية التي يمكن أن تستعملها فلسفة التاريخ من أجل فهم المصير النهائي للإنسان. وبعبارة أخرى، من وجهة نظر منفعة إنسية مفهومة جدا، سوف لن نتصرف كما لو أن الإنسان كان أبديا. 

*أين تصنفون نيتشه سياسيا: في اليمين أو في اليسار؟ 
*حذار لاينبغي قراءة نيتشه إلا من خلال حذر شديد، [من خلال] حواس متيقظة. يدرك المرء حينئذ أن تأكيداته تعبر كل تمييز سياسي بين اليمين واليسار. موقفه هو العقل. فهو يتساءل كيف يكون الفرد السامي ممكنا. بغض النظر عن العامين الأخيرين من حياته ككاتب منتج، خاض خلالهما معركة معممة ضد كل ما هو موجود، فهو يفضل النقد بمعناه الفلسفي للكلمة تفضيلا تاما، أي تقدير الأفكار الفلسفية المختلفة بغاية إبراز حدودها. فمن تم يمكننا أن نأخذه على محمل الجد. ثم إنه بإمكانه أن يساعدنا على بناء موقفنا السياسي انطلاقا من حكمنا الشخصي. 

هل سيصبح نيتشه أوروبيا في نظركم لو عاش في سنة 2013؟
يلزمني كتاب كامل للإجابة عن السؤال’! احتقر نيتشه النزعة القومية الضيقة، لاسيما القومية الألمانية [13]، ثم نجح في أن يكون ‘أوروبيا صالحا’. وفق هذه العبارة، لايمكنني أن أتصور إلا فردا لاينكر الدلالة الثقافية لأوروبا ولا أن ينسى وحدتها السياسية، بالرغم من كل الصعوبات التي يمكن لهذه الأخيرة أن تجدها في الطريق. 

*غالبا ما بدا نيتشه مع عبارته ‘موت الله’، كرائد للدنيوة secularisation) ( والإلحاد. إلى أي حد يمكن لإعادة إحياء شعور ديني راهن مناقضة هذا التصور؟ 
*أعلن نيتشه موت الله [14]لأنه اعتقد أنه حقق في ذاته ضمانة للمعرفة والحقيقة واللتان عبرهما أصبح الإنسان غريبا عن نفسه. إن قراءة أكثر دقة توضح أن نيتشه، مبتغيا ‘فرضية ذاتية’للإنسان، لن يتمكن هو نفسه، مثل ‘عقل حر’، العدول عن المعرفة الاجتماعية والحقيقة الإنسانية ؛ ومن ثم وجب التأكيد أن شعاره ‘لقد مات الله’يصدر عن سوء فهم فلسفي. بالإضافة إلى ذلك، فإن نقده لفكرة الله، سقط نيتشه ثانية في أسفل حدوس كانط. فلهذا السبب أدرك عظمته بما قام به من تقريب للفهم ـ كما لم يقم بذلك أي مفكر آخر بعد هيغل وفيورباخ ـ ما يعنيه الله بالنسبة للإنسان. وفي نظري، فإنه واحد من كبار مفكري اللاهوت. فهو يعلمنا أن سعينا إلى البحث عن الله ليس في مكان بعيد بل في العالم ـ وأساسا بداخل أنفسنا. فلو كان قد احتفظ بفكرة الله، لما لجأ إلى استعمال [فكرة] الإنسان الأعلى. 

*بحسبكم، ما الذي ينبغي إهماله في فكر نيتشه؟ 
يعتبر نيتشه مفكرا مازال يعيش بيننا، ما يزيد عن قرن بعد وفاته [15]. يتحدث إلينا كما كان يتحدث إلى معاصريه. حتى ولو كان في زرادشتـ(ـه)، الذي ينزع إلى تقليد العهد الجديد [16]، بطريقة مزعجة. زد على ذلك، فإن زرادشت، بالنسبة لصيني، يعتبر كتابه الأكثر إفادة، لكونه الأقرب إلى ثقافته. إن أسبقية نيتشه الفلسفية تكمن في ما هو أضخم، مفاجئ ومفرط من أجل امتلاك المرء القدرة على التطفل من أجل حضور ندوة فلسفية. فلهذا السبب فقط نجح في إرضاء الفنانين أولا، السياسيين، علماء النفس وعلماء الاجتماع، ثم أخيرا [نجح في إرضاء] الفلاسفة فقط. تكمن قوته في أن هذه الشهادة لاتزال صحيحة إلى اليوم، في ماوراء الحدود العلمية. سوف تساء معرفة عظمته [17] بدلا من تقديرها حق تقديرها فقط عبر معايير الفلسفة الجامعية.
ـــــــــــــــــــــ

عن المجلة الأسبوعية الفرنسية لوبوان عدد: 14 يونيو ـ يوليو 2013 صفحات: 100 ـ 101 ـ 102
الهوامش من إعداد المترجم
1 ـ لو أندريا سالومي (1861 ـ 1937 ) أديبة ألمانية من أصول روسية. روائية، قصاصة، ومحللة نفسانية، وكاتبة مقالات. 
2 ـ كارل ياسبرز (1883ـ 1969) طبيب نفساني، وفيلسوف ألماني ممثل للوجودية المسيحية. وكان لأعماله أثر كبير على اللاهوت، السيكولوجيا، الطب النفسي والفلسفة.
3ـ والتركوفمان (1921ـ 1980) فيلسوف، مترجم وشاعر أمريكي من أصول ألمانية.
4 ـ طوماس مان (1875ـ 1955) كاتب ألماني، حاصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1929.
5ـ بالنسبة لأفلاطون وأرسطو يعتبر الحدس تصورا فوريا للمبادئ الأولى، وهو تعبير عن معرفة أكيدة يصل فيها الفكر مباشرة إلى محتوياته. وعرف إيمانويل كانط الحدس بأنه طريقة معرفية وقسمه بين حدسين ‘الحدس الحساس ‘أي معرفة غير فعالة، تأتي عن طريق الحواس، و’الحدس الفكري ‘، وهو محور الفلسفة المثالية. 
6 ـ يعتبر ميشال أونفري نيتشه فنانا، ويقترح أنه لفهم وتأويل فكر نيتشه لابد للمرء من امتلاك ‘عين فنان ‘كما يقول، وفي نفس الإطار انتقد أخت نيتشه ،إليزابيث فورستر نيتشه، نقدا لاذعا لكونها لم تكن تمتلك تلك العين من أجل فهم وتأويل فكر نيتشه، ثم لكونها قامت بتحريف فلسفة أخيها وجعلتها بذلك تصب في المشروع النازي..للأسف كانت عينها ‘الأسوأ عماء ‘وأكثر إظلاما.. انظر مقال ميشال أونفري : نيتشه، حياة فلسفية: كونوا بقرا. ترجمة الحسن علاج عن جريدة القدس العربي عدد: 7045 ـ 9 فبراير 2012 
7ـ ميشال دو مونتاني (1533ـ 1592) فيلسوف فرنسي. 
8 ـ تصدى نيتشه لسقراط بالنقد لقوله على سبيل المثال بسلبية الحياة ‘ما الحياة إلا مرض طويل ‘فقد تم هنا تغييب فكرة الحياة والاحتفال بالهزيمة والضعف والهزال وهو ما قاد نيتشه إلى اعتبار فلسفة سقراط فلسفة التعب الجسدي والنفسي. محمد بقوح الحوار المتمدن العدد 3714 ـ 2012 
www.ahewar.org في سياق آخر يرى نيتشه في كتابه العلم المرح، كون أن سقراط كان أعظم ثرثار على الإطلاق، وود لو أنه ظل صامتا في اللحظات الأخيرة من حياته، يقول ‘هل كان ذلك الموت أم السم، التقوى أم المكر ـ شيء ما أطلق لسانه في هاته اللحظة وقال: ‘ياكريتون، إني مدين بديك لإيسكيلاب ‘هاته ‘الكلمة الأخيرة’المضحكة والفظيعة تعني للذي يعرف أن يسمع: ‘ياكريتون، إن الحياة مرض’!’العلم المرح ترجمة حسان بورقية ومحمد الناجي إفريقيا الشرق ص 200 
9 ـ يقول نيتشه ‘أن نحيا ـ معناه أن نكون قساة وبلا رحمة بالنسبة لكل ما هو ضعيف وبال فينا.. أن نكون عديمي الشفقة تجاه المحتضرين، البؤساء والعجز ؟’العلم المرح ص 72 ويقول أيضا: ‘لايهمنا البريق الخداع الذي يبهر جبه المريض ضعفه’! هو حر في أن يفرضه كقوته ـ لاشك أن الضعف يجعل الإنسان لطيفا، أوه’! لطيفا جدا مسالما جدا، ‘إنسانيا جدا’! ‘دين الشفقة ‘الذي يريدون إقناعنا بتبنيه.. العلم المرح ص 244 . وفي ذمه للشفقة يقول: ‘الشفقة لاتمثل فضيلة إلا بالنسبة للمنحطين، وما آخذه على المشفقين هو سهولة تخليهم عن الحياء والاحترام ورهافة الحس، وعدم التمسك بالمسافة الضرورية لحفظ اللياقة ؛ كما أن الشفقة سرعان ما تفوح برائحة الرعاع وتغذو شبيهة حد التماهي بالسلوكات الهجينة.. هذا هو الإنسان ترجمة علي مصباح منشورات الجمل 2003 ص 26/ 27 ويعتبر أن تجاوز الشفقة فضيلة من ‘الفضائل السامية’هذا هو الإنسان ص 27 
10 ـ مونادولوجيا: عمل فلسفي للايبنتز مكتوب بالفرنسية في 1714. وتقدم المونادولوجيا نظرة عامة لنسق لايبنتز الفلسفي، كما أدركه في آخر حياته. وتتكون من 90 برافراز. وهي تشكل عرضا لأطروحاته الأساسية التي تنقسم إلى أجزاء ثلاثة: الله ـ العالم المبدع ـ العالم ذاته، ووحدته. 
11 ـ يقول علي مصباح في حوار أجراه معه كل من أرنو بوهلر وسوزانة غرانسر، بخصوص مفهوم الإنسان الأعلى ما يلي: ‘فهذا الأخير أي الإنسان الأعلى ليس بإنسان راق، بل كائنا جديدا ونمط حياة جديد يتجاوز، أو يقع فوق منزلة الجنس أو النوع البشري. فالشرط الإنساني أو المنجز في هذا الشرط الإنساني هو الذي ينبغي تجاوزه كما يكرر زرادشت على الدوام، وهو ما يجب عليه أن يمضي إلى حتفه من أجل’مجئ ‘الإنسان الأعلى ‘. الإنسان ـ كما يتراءى لنيتشه في تشكله التاريخي ـ كائن اضطغاني متعطش للانتقام، وهو بالذات ما ينبغي تجاوزه. انظر موقع: www.nietzschecircle.com 
12′ـ تذكر أنك ستموت ‘memento mori) (عنوان لقصة قصيرة بالإنجليزية لجوناتان دولان، وقد قام كريستوفر دولان ( وهو أخ الكاتب ) بإخراج القصة سينمائيا تحت عنوان تذكار سنة 2001. 
13 ـ يقول بهذا الخصوص: ‘إننا بعيدون عن أن نكون ‘ألمانيين ‘بالمعنى الرائج اليوم لكلمة deutch) (، حتى نجعل من أنفسنا الناطقين باسم الوطنية والحقد العرقي، حتى نبتهج بالعدوى الوطنية (…). إننا نحن الذين بلا وطن، متنوعون، ومختلطون فيما يخص الجنس والأصل باعتبارنا ‘ناسا عصريين ‘، وبالتالي نادرا ما نعزى بالمشاركة في هاته المغالاة وفي خدعة الهيام بالذات العرقية هاته… العلم المرح ص 42 
14 ـ نقرأ في هكذا تكلم زرادشت ما يلي: ‘لكن حالما وجد زرادشت نفسه وحيدا حدث قلبه بهذا الكلام: أيعقل هذا؟! هذا القديس العجوز لم يسمع هنا في غابه أن الله قد مات’!’. وفي حاشية الصفحة 39 من نفس الكتاب نقرأ: ‘موت الله’، الموضوع المركزي في كتاب زرادشت، يدور حوله مجمل التصور الذي يطور مفهوم ‘الإنسان الأعلى’. هكذا تكلم زرادشت ترجمة علي مصباح منشورات الجمل طبعة أولى 2007 وفي السياق ذاته نقرأ: ‘يبدأ منذ الآن أكبر حدث حديث العهد في بسط ظله على أوروبا ـ إذا علمنا أن ‘الله قد مات’، أن الاعتقاد في الله المسيحي قد فقدت فيه الثقة ـ يبدو فعلا لبعض النادرين، على الأقل، المزودين بشك نفاذ بما فيه الكفاية، بنظر جد دقيق لرؤية هذا المشهد، أن شمسا قد أفلت، أن ثقة عميقة قديمة قد تحولت إلى شك: لهؤلاء سيبدو عالمنا شفقيا أكثر ؛ حذرا أكثر، غريبا أكثر، ‘قديما أكثر’. العلم المرحص 204 كذلك يمكن العثور في كتاب العلم المرح على بعض البدايات أو التصور الأولي كما يقول علي مصباح، لفكرة موت الله ويتلخص ذلك في الغياب الهائل لله على وجه الأرض، فلا شيء يحدث بطريقة تؤكد أصله الإلهي، لذلك فإن هذا العالم الذي نحيا فيه ‘لاإلهي، لاأخلاقي، لاإنساني’العلم المرحص 208
15 ـ هذا ما يؤكذ قول نيتشه بأنه فيلسوف القرن الواحد والعشرين ‘لن أفهم إلا في الألفية الثالثة’. وهو دليل’قاطع أيضا أن نيتشه هو فيلسوف المستقبل وهو الوحيد الذي يمكنه الإجابة عن أسئلة القرن الواحد والعشرين على حد قول علي مصباح. وفي ذلك ما يشير إشارة مجازية على اعتبار أن الفيلسوف هو طفل المستقبل وأنه يوجد في مرحلة انتقالية أهم ما يميزها أنها معرضة للزوال والضياع. نقرأ في التقديم الذي خص به علي مصباح ترجمته الرائعة لهكذا تكلم زرادشت ما يلي: ‘أكثر من مائة سنة مرت على ما كتبه’هذا الفيلسوف الذي يسمي نفسه ‘عبوة ديناميت’. واليوم، ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين ما زالت هذه المواجهة الصريحة والصادقة تحرج وتربك الكثيرين، لأن نيتشه الذي كان يعرف أنه لايكتب لعصره آنذاك يبدو كما لو أنه ينهض من سباته، وذلك منذ النصف الثاني من القرن المنصرم. ص 10
16 ـ في الرسالة التي بعثها نيتشه إلى الناشر أرنست شمايتسنز، يعتبر أن ما أقدم على كتابته هو إنجيل خامس (أي كتاب هكذا تكلم زرادشت) وغني عن البيان أن نيتشه ما كان يسعى إلى إعادة إنتاج العهد الجديد والتبشير من جديد بالمسيحية، ونحن نعلم أنه أتى أصلا لنقدها وتفكيك أصولها وتحطيم جذورها بمطرقته، إن الإنجيل الخامس كما يسميه هو سخرية وقلب وضحك ودعوة صريحة لمعارضة المسيحية والزرادشتية التي قامت في الشرق في بلاد فارس، فيها التحدي لكل الكتب المقدسة ولكل الديانات وتحطيم لكل الأوتان ؛ ولو شئنا لقلنا إن هذا الكتاب هو يشكل تناصا مع العهد الجديد لا من حيث اللغة ولا من حيث الأسلوب ولا من حيث البناء.. 
17 ـ في هذا إشارة إلى ما تعرض ويتعرض له فكر نيتشه من تحريف وإساءة فهم وتزوير وحملات تشويه تنال منه ومن عبقرية صاحبة..
Elhasine320@gmail.com
ترجمة: الحسن علاج

(*) جريدة القدس العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق