الاثنين، 28 نوفمبر 2016

الشمسُ تُدبّر الرأفة


الشمسُ تُدبّر الرأفة
قصيدة: تشارلز بوكوفسكي
ترجمة: محمد عيد إبراهيم


والشمسُ تدبّر  الرأفةَ
لكن كمِشعلِ النفّاثةِ تحملُنا لأعلى،
وكالنفّاثةِ تخطفُنا بمنظرها،
وتثِبُ الصواريخُ كالعُلجُومِ،
ويخرج الأولادُ من الخرائطِ
والقمرِ  الوِسادةِ،
جبنٌ أخضرُ  قديمٌ،
ليسَ بهِ ثمةَ حياةٌ ويعني الكثيرَ  على الأرضِ:

أبناءَنا الهنودَ المتّسخين،
متقاطعي الساقَين، وهم يعزفونَ المزاميرَ،
جائعينَ، ببطونٍ مَمصُوصةٍ،
يشهدونَ الثعابينَ وهي تتلوّى
كجميلاتٍ في الهواءِ الأنيقِ؛

تثِبُ الصواريخُ،
تثِبُ الصواريخُ كالأرانبِ،
تقطعُ الأشجارَ  وبدلَ 
الكلبِ رَصاصٌ منتهيَ المفعولِ؛

ولا يزالُ ينقشُ الصينيون
باليَشْمِ، يحشونَ بالأَرزِ
جوعَهم، وهو جوعٌ
من ألفِ عامٍ،
تفيضُ أنهارُهم الموحِلةُ بالنارِ
والغناءِ، بالزوارقِ، يدفعون
المراكبَ بالأشرعةِ،
لانتظارِ ما لا يريدونَ؛

يواجهون الشرقَ،في تركيا
على سَجّادهم،
وهم يصلّون لربٍّ أرجوانيٍّ
يدخّنُ وهو  يضحكُ
ويلصِقُ بأعينهم أصابعَهم
ليُعمِيَهم، كما يفعلُ الأربابُ؛

لكن الصواريخَ جاهزةٌ: فلم تعد ثمةَ سَكِينةٌ،
ولعلّةٍ ما، فهي عزيزةٌ؛
الجنونُ يجرفُنا كنِصالِ السَوسَنِ،
على بِركةٍ تطوِّفُ عبثاً؛

ويرسمُ الفنانون بغَمسِ
أحمرِهم وأخضرِهم وأصفرِهم،
يوقّعُ الشعراءُ وحدتَهم،
ويتحرّقُ الموسيقيون كالعادةِ
ويتفقّدُ الروائيون العلامةَ،
معَ أنهم لا يتفقّدون البجعَ والنوارسَ؛

فالبجعُ يغطسُ منغَمراً، ثم يبزغُ،
يهتزُّ، كالسَمكِ المشعّ
مشدوهاً،مِن مناقيرهِ، كأنصافِ موتَى؛

تغسلُ المياهُ ، حقاً، عن حقٍ،
الصخورَ بالوحلِ؛ وفي "وول ستريت"،
يتمايلُ المتسَوّقُ كالسِكّيرِ الضائعِ
بحثاً عن مِفتاحهِ؛ آهٍ،
سيُطَيّبهُ الله:

قد نستعيدُ
أسنانَنا القواطعَ، قِردَنا المجنّحَ،
وهو يحكّ خَوذتَه 
نُتفةً نُتفةً،
أجهزتَنا والمرايا؛

يندفعُ البرقُ عبرَ
النافذةِ وفي مليونِ حجرةٍ
حيثُ يرقدُ العشّاقُ مشتَبكينَ ضائعينَ
ومرضَى بالسَكِينةِ؛

ولا تزال تنشَقُّ السماءُ عن أحمرَ  وبرتقاليٍّ
للعشّاقِ والفنانين،
تتفتّحُ الأزهارُ  كما تتفتّحُ
دائماً، لكن مغطّاةً بغُبارٍ خفيفٍ
من وقودِ الصواريخِ والفِطْرِ،
الفِطْرِ المسمومِ؛

وهي ساعةُ نَحسٍ،
كلبٌ ـ على سَجّادٍ ـ مريضٌ،
وهو الفصلُ الثالثُ، غرفةُ ستديو  فقط،
مُباعةٌ، مُباعةٌ، ومُباعةٌ من جديدٍ،
للهِ، لأحدٍ ولشيءٍ ما،
للصواريخِ والجنرالاتِ،
للزعماءِ، الشعراءِ، الأطباءِ، وللهَزليّين،
لمعاملِ الحساءِ
والبسكوتِ
للباعةِ ذوي الوَجهين
من غيرِ حِذقٍ؛

قد أرى الآنَ غبارَ  الفحم
يلوّثُ الحقولَ، حلزوناً أو اثنين،
مَرارةً، زُجاجاً بركانياً، سَمكةً أو  ثلاثاً
في المياهِ الضّحلةِ، افتراءً على
مَنشَئنا بل ومنظرنا...

أَهْوَ  حدَث من قبلُ؟ هل التاريخُ
دائرةٌ تلحقُ ذاتَها مِن ذيلها،
حلمٌ، كابوسٌ، حلمُ جنرالٍ، حلمُ رؤساءَ،
حلمُ طُغاةٍ...

أوَ  لا نفيقُ؟ 
أم أنها أكبرُ  منا، قوى الحياةِ؟
أوَ  لا نفيقُ؟ أم علينا، للأبدِ،
أعزائي الأصدقاءَ، بنومِنا، أن نموتَ؟

................................

(*) تشارلز بوكوفسكي: (1920/ 1994)، أمريكيّ، من أصل ألمانيّ، شاعر  وقاصّ وروائيّ، يمثّل "الواقعية القذرة" ومتجّهات الفنّ العدوانيّ الانتهاكيّ، من دواوينه: قبض قلبي بيديه، شارع الرعب ودرب اللوعة، محترقاً في الماء وغريقاً في اللهب، الحبّ كلبٌ من الجحيم، الحرب طيلةَ الوقت، الليلة الأخيرة على الأرض، ليلة جُنت من وقع الأقدام، ومضة برق وراء جبل، يشبه الناس الأزهار  في النهاية. من رواياته: نساء، مكتب البريد، هوليود. من مجموعات قصصه: بيانات عن عجوز قذر، جنوب بلا شمال، حكايات عن جنون عاديّ.  

(*) الشكر للأستاذ والشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق