الأربعاء، 16 يوليو 2014

باشلار فيلسوف الزمان / ترجمة : سعيد بوخليط

بقلم : Maryvonne Perrot

ترجمة : د. سعيد بوخليط 


مع نهاية بحثنا إذن، نلاحظ في الآن ذاته وجود عدد وافر من الزمان داخل عمل باشلار Bachelard، ثم بداهة عمق وحدة فكره بخصوص الزمان مع تطور هذا العمل. الأهمية الممنوحة للحطة l'instant، تهيمن في الواقع علي تأمل يخدمها إن صح القول بداية ونهاية.

فرانسوا داغوني  Fran‡ois dagognet، باعتباره أحد الشارحين المقنعين للفلسفة الباشلارية، اهتم بالتأكيد علي وحدة البناء فيها، بين الإبستمولوجيا والشعرية، مع التركيز علي فكرة التحول. لأن باشلار Bachelard هو بالفعل، من هؤلاء الفلاسفة الذين ظل فكرهم في صيرورة دائمة. لقد توخينا احترام مسار هذه الوحدة الجدلية، بأن اقتفينا بصدق الترتيب الذي صدرت وفقه الأعمال ، وهو شيء أساسي في حالة باشلار من أجل فهم فكره، وبشكل خاص التيمة التي تشغلنا هنا. لأن، اكتشاف إحالات علي اللحظة مع بداية ونهاية فلسفة في نفس الآن، وهي ليست بالنسق المنغلق، من الضروري أن يقودنا إلي توضيح المراحل المقدماتية لفلسفلة زمان منفصل، انتهت في الأخير إلي شعرية حقيقية للزمان، كرست فصلها الرئيسي للحظة.


في مرحلة أولي، يتحول باشلار العلمي إلي التاريخ والأدب. وقد اكتشف بأن العلم والقصيدة يمكنان من تأكيد الخاصية الانفصالية للزمان، وكون التعددية الزمانية التي ظهرت مع النسبية La relativit‚ تتوافق مع الإقرار باللحظة الميتافيزيقية وكذا أزمنة متطابقة وخاضعة لإيقاع جدلي. أن تكون شاعرا، يعني ذلك مضاعفة الجدليات الزمانية وتنضيد مستويات الكوجيطو Cogito. يوطد التحليل الإيقاعي تناغم العلم والقصيدة. وحده الزمان الأفقي، أي زمان نثر العالم، وابتدالية الذهنية الاختزالية تم استبعاده من هذا الانسجام.

ثم تقوم ظاهرة قطيعة. تتناسب مع توظيف التحليل النفسي، لتمكين الفكر العلمي من التشكل. حيث تصنع إذن الصورة ظهورها الحقيقي، لكنه ظهـور بمثابة تطفل مادام أنه يبدأ بالتشويش علي النفاذ إلي موضوعية المعرفة. لا تتمركز فقط، مع تشديدنا علي ذلك، تأملات باشلار Bachelard الأولي علي الزمان بشكل متميز، مقارنة مع الصورة، لكن التدخل الثاني للصورة هو الذي سيزعج إن صح القول اتفاقا أوليا بين العلم والشعر، سيعمل الزمان علي ترسيخه. لن تخفي القصائد النظريات إلا بعد كتابه : La formation de l'esprit scientifique.

La psychanalyse du feu
تمكن هذه القطيعة من الوصول إلي مرحلة ثانية، توجد مقدماتها المنطقية مع نهاية عمل باشلارBachelard : La psychanalyse du feu ، ثم دشنها كتابه الآخر : La philosophie du non. ذلك أن فلسفة بديلة للزمان، عليها أن تثير الصدى في فكر علمي جديد. العقلانية المطبقة التي طورها، تقوم علي الاعتقاد بأن كل فكر علمي يتضاعف. لأن الوعي داخل مجهود الفكر العلمي يقيم حكمه، ظاهرة سيكون لها تأثير علي مفهوم الزمان : إذ رفض كثير من الفلاسفة هذه الازدواجية، يؤكد باشلار Bachelard، فذلك لأنهم يحققون زمان الفكر بأن يجعلوا منه زمانا معاشا (...). يتأسس الفكر العقلاني في فترات لا زمانية (2) . سيفقد الزمان في هذه الفترات ضروراته الحيوية. وبالتأكيد، ستبعث الحياة علي الفور إلزاماتها، لكن هذا لا يلغي أبدا إمكانية تنسيق أفكارها من زمان إلي آخر"في إطار زمانية جديدة". بخصوص هذه الزمانية الجديدة، تكلم باشلار هنا عن "زمان معلق".

يبدو لنا، في نهاية هذه الدراسة، بأنه في مرحلة ثالثة والتي تميزت بتداخل الخيال المادي وخيال الشعريات، سيذهب باشلار Bachelard من جديد لكي يعثر ثانية علي رؤية متماثلة للزمـــان في العلم والأدب، لكنه ملتزم هذه المرة بزمان معـــــلق، زمان خارج الزمان.
إنها في الواقع، تعابير قريبة جدا أوحتهـــا له قصيدة الزمان الناري، ذلك المتعلق بنار تحدثنا عن اللازماني. لكن يوجد ما هو برهاني أكثـــــر، بخصوص حالم العزلة، الـــذي يغدو كذلك حــالم بالعالم. يكتب باشلار في : la poetique de la rˆverie . عمقان يتوحدان، وينعكسان في صدي ينطلق من عمق كائن العالم إلي جوهر الكائن الحالم. الزمان معلق، ليس له أمس ولا غد (3). تنتهي القصيدة والعلم، بأن يتواصلا من جديد علي نفس المفهوم للزمان لأن التحليل الشعري، خطا خطوة قياسا للتحليل النفسي.

لكن من أجل ذلك، كان علي باشلار كما يشير هو نفسه، تغيير المنهجية لضبط الصور الأدبية. قبل كل شيء يصرح : أعتقد بأنه علي دراسة الصور مثلما تعودت علي دراسة الأفكار العلمية، بشكل موضوعي قدر الإمكان .

لذلك، وفي حين يعتقــد علماء النفس بأن الموضوعية متلازمة مع عدد ملاحظاتهم : أتوخي، يؤكد باشلار بتكثيف قراءاتي، تشكيل آفاق علم إنساني للقول الشعري، يبرز بإرادة الكتابة (4) . ذهنية "عالم النبات" هاته فيما يخص الصور يضاعفها مجهود تصنيفي يرتكز علي العناصر الأربعة.

لا تتمكن معشبة كتلك للصور من فهم، كيف يمكننا أن نعيش حرية للنفسية بالقصيدة. لكن باشلار Bachelard ، سيقتنع شيئا فشيئا بأنه ليس فقط التحاور العلاجي La talking cure هو ما يجب أن يثير مداواة باللغة. ولكن جمالية اللغة تلعب دورا أساسيا بخصوص الصحة النفسية. لذا، من الضروري تناول اللحظات التي يخلق فيها الإنساني الكــلام، اليوم ومثل دائما . (5) يجب الذهاب إذا أمكن إلي أصل سعادة التكلم. إذن كل شيء يمكنه التغير : صارت وحدها القصيدة عــندي ـ الصورة الشعرية نفسها ـ ظاهرة سيكولوجية جديرة بدراسة خاصة (6) . وليست هذه الدراسة مشوبة بالذاتية، لأنها تقوم فقط علي صيغة خاصة للموضوعية : تنفتح لنا، أمام الموضوع الشعري، منهجية موضوعية، تحافظ بشكل فعال علي فضول لا يسأم ولا يقنع أبدا .

بالطبع، لا يتخلي باشلار عن فكرة خطر : يقينيات الصور عند المشتغل بالفكر العلمي . بقدر ماهو صحيح بالنسبة إليه : أن لا نتخيل الأفكار. فضلا، علي أنه حينما نشتغل داخل حقل للأفكار، من الضروري استبعاد الصور . (7) ويضيف : أن تبدع داخل نظام الأفكار وتتخيل الصور، هما صنائع سيكولوجية مختلفة جدا. لا نبلور أفكارا دون تقويم للماضي. من تقويمات إلي أخري، قد نتوخى استخلاص فكرة حقيقية. تنهض الفكرة العلمية علي ماض طويل من الأخطاء. بينما الخيال الشعري، ليس له من ماض، فهو يخل بكل تهيئ. الصورة الشعرية هي حق لحظــــة للكلام.

لحظة قد نتناولها بشكل سيء إذا توخينا موضعتها في إطار وعي برجسوني يتعذر تمزيقه. من أجل تمثل كل لا توقعات اللغة الشعرية، يجب الاستسلام للوعي المشكاليKalcidoscopique . (8) لذلك، حينما نلقي علي فكره رؤية ثانية، فإن باشلارBachelard في كتابه غير التام حول شعرية النار، توخي دائما توضيـح مرحلة التعارض هاته بين الصـورة والمفهـوم وقد التزم برؤية للصورة والزمان ترفض بالفعل المفهوم البرجسوني للوعي والزمان.

بالموازاة إذن مع مرحلة التعارض هاته، كان باشلار Bachelard واعيا بنمطين من الحياة يتبناهما : عرفت العمل الهادئ يؤكد، بعدما انقسمت حياتي العملية بوضوح إلي نصفين شبه مستقلين، واحدة تحت إشارة المفهوم، والأخرى تتجلي علي ضوء الصورة. بالتأكيد نصفان للفيلسوف، لا يصنعان ميتافيزيقيا أبدا))(9). لكن كيف يمكن التوفيق بين هذا التأكيد الأخير، مع ذلك المرتبط بالبحث عن ميتافيزيقيا للزمان والحدس البشلاري الذي جعله يقول بأن الإنسان يمكنه تغيير الميتافيزيقا، لكن ليس بإمكانه تجاوز الميتافيزيقا ؟ (10)

كذلك، سيذهب باشلار Bachelard من جديد للإعلان عن تغير في المنهجية أثناء أبحاثه في الخيال : يعطي أحيانا تغيير المنهجية فرصة إضافية من أجل التعلم يضيف باشلار Bachelard. حيث يحدد هو نفسه القطع بين حلم يقظة الصور المادية والشعريات : ارتبطت كل مؤلفاتي حول حلم يقظة الصور المادية بالعناصر الأربعة التقليدية، يمكنها أن تكون كتابات للبداية، دون الانشغال بمعرفة تمهيدية. وستحمل علي اختلافها دعوة للتخيل (11) . لقد تغير كل شيء مع الشعريتين الأوليتين، لأن باشلار Bachelard أراد توخي إدخال فرضية جديدة: فرضية "شعرية" فعالة سيكولوجيا . مع الشعرية الثالثة ، فإن الحركة تتحدد، حيث أمكننا أن نقرأ من خلالها ما يلي : مع العمل الحالي، في مجال لا زال بلا شك منحصر في مجال ضيق. أريد إنجاز شعرية للغة، وأن أظهر بأن القصيدة تؤسس لغة مستقلة، مع وجود معني للتحدث عن جمالية اللغة . (12)

هذا التغير الجديد في المنظور داخل أبحاثه، أعاد بلا شك التساؤل في القطع وكذا التوازي بين حياتي نصفي الفيلسوف. عدم اكتمال الشعرية الثالثة، لا يتيح لنا إلا تخمينات حول مصالحة(13) ممكنة. تقوم شعريتنها علي الزمان، وانزياح شعرية النار اتجاه شعرية الزمان. وهو زمان تخلص من ذهنية متحجرة، كان دائما في عمل باشلار Bachelard، يغني للتناغم بين العقلاني والخيالي.

صيغة تمت الإشارة إليها، تثير انتباهنا من جديد، حينما يكتب باشلار : يكفي تغيير الصور حتى يتغير الزمان . تظهر الصورة، كما لو أنها تخول لنا إمكانية التخلص من الواحدية الاختزالية لمطلق خاطئ، ذلك المتعلق بزمان لا يقربه العلم كما هو، أليست الصورة لذلك ميتاكسو metaxu ، يمكن من التطابق مع مشكالLa kalcidoscope الآنا وكذا تعددية الزمان في قلب شعرية الزمان، نوع من الإينشتاينيةEinsteinisme الموضحة. لا تعمل فقط الصورة علي تزييف الإدراك والمعرفة، إنها بالفعل العنصر الدينامي الذي يفتح ذاتنا علي أزمنة أخري. ذاتنا المتحولة والفنيقية.

لأنه بقدر اختلاف مستويات الكوجيطو Cogito يتحدد كل من نصفي الذات، وهذا ما سيشير إله باشلار Bachelard بتعدد وتنوع الآنا، كما اشتغلت، يكتب هذا المجتهد الذي لا يكل، كلما تنوعت. للوقوف علي وحدة الوجود، يستلزم ذلك معرفة كل الأعمار في الآن ذاته (14) . لا تمكن بلا شك الصورة من هذه المعجزة، إلا أنها تثير باندفاعها أوجه مشكال La kal‚idoscope الذات وأعمارها. فضلا عن ذلك، يبين الزمان وبشكل خاص الزمان الناري، فـــــــكرة عـدم البحث عن وحدة الوجود، من خلال تــطابق مستحيل أو تركيب علي طريقة هيغل Hegel، ويذكـــــرنا بأن العقلانية، لن تكون تحت أي عنوان وجودية للعـقل .

لكن لأن التنوع يمكنه السير علي المستوي ذاته مع العمودية، من اللازم أن نفهم بأن التوحد هنا يعني الارتقاء والعثور ثانية علي قوي العمق. ما دام كل ما يصعد يخفي قوي العمق .

لذلك ربما، فيما وراء عزلة الموت والتي استنزفت بحسبنا كتـــابة باشلار، دون أن تنجــــح في إسكاتها. قد يمكنـــــنا تخيل الفيلســــوف تحت قنديله، عند طاولة وجوده يعيش شكل أقصي الوجود بـ نزوغ نحو الأعلى. فيلسوف، كان بإمكانه التوفيق بين النصفين إلي أبعد حد، والعمل علي إدخالها في صورة واحدة.

تبقي الإشــارة أخيرا، حتى نستخلص الرباط الحميمي بين الزمان واللوغوس ثم الوجـــود، كما لاحظ جون بروان Jean Brun ، وقد حـــرصنا علي أن نـــهدي له هذه الدراسة تقـديرا لإعجابه الــودي بباشلار Bachelard، والذي كان بدوره يبادله الحميمية ذاتها : اللغة هي ما يمر عبره الزمان إلينا حيث ننساب داخل الزمان. لكن الزمان يتأتي لنا باللغة (15) . يظهر لنا بهذه الملاحظة قد أعدنا إشارة باشلار Bachelard المؤرخة سنة 1962، والتي تقول : أن تحيا داخل اللغة، باللغة لصالح الكلام، هو الوجودية الوحيدة الممكنة بالنسبة إلي . (16)

إذن لا نبحث عنSilo‰ الأرض الموعودة" في أقاصي منيعة لأنها فينا، واكتشافها ينهض فعلا علي شعرية للزمان والتي اعتمادا علي اللوغوس logos كما يشتغل في إبداع الشاعر، يوحي لنا بميتافيزيقا جدية للزمان، وطريقة جدية لمماهاة هذا الزمان.

Saidboukhlet@hotmail.com
-------------------
1 ـ للاطلاع علي النص في أصله، أنظر

Maryvonne Perrot : Bachelard, philosophe du temps, in : Bachelard et la po‚tique du temps, peter lang Gmbh, Frankfurt am main 2000, PP : 149/155.

Le rationalisme Aliqu‚, Paris 1949 , P 26-2
La po‚tique de la rˆverie, Paris 1960, P 148-3
Fragment d'une po‚tique du feu, Paris 1988, P 28-4
Op.cit, P 29-5
Op. cit, P 31-6
Op. cit, P 32-7
Ibid-8
Op. cit, P 33-9
philosophie du non, Paris 1940, P : 2-10
Op. cit, P 35-11
Op. cit, P 36-12
Op. cit, P 35-13
Op. cit, P 54-14
Jean Brun, les conquˆtes de l'homme et la s‚paration ontologique, Paris 1961, P 247-15
Gaston Bachelard : Fragments d'une po‚tique du feu, Paris 1988, P 46-16


القدس العربي

10/11/2006


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق