بقلم : دلال اعواج
المشروع الباشلاري
نقصد بالمشروع الباشلاري ما كتبه باشلار ليعبر به عن الصورة العامة للموقف الفلسفي
الذي يريد بناه ،وعن شروط قيام هذا الموقف الجديد ، ويظهر هذا المشروع في الخطاب
الباشلاري علي مستويين :-
غاستون باشلار |
المستوى الثاني: " هو الذي ينظر فيه باشلار إلى النظريات العلمية ليس من حيث
هي ثورة في ميدان العلوم بل من حيث أنها تمثل دعوة إلى إقامة موقف ابستمولوجي جديد
يبرز القيم المعرفية الجديدة التي جاءت بها تلك النظريات " (2)
وتدعي كل فلسفة من الفلسفات التي قدمت نظرية في المعرفة بانها قد قدمت الحل
النهائي لهذه المسالة . اذن فلسفة باشلار ترفض كل تطور علمي يعتبر نفسه كاملا
نهائيا ، أنها الفلسفة التي ترى إن كل مقال في المنهج هو دوما مقال ظرفي مقال مؤقت
لا يصف بناء نهائيا للفكر العلمي ، بل فقط بناء على الدوام ويعاد فيه باستمرار .
ولكن تطور الفكر العلمي يكشف عن تهافت مثل هذه الادعاء " ذلك لأننا إذا قارنا
نظرية كانط في المعرفة بالنظرية العلمية في النسبية فإننا سنجد إن النظرية تتجاوز
ما كان يعتقد كانط حلا نهائيا " (3)
و"ان خطا مثل هذه النظريات العامة في المعرفة أنها تريد إن تقدم حلا نهائيا
لمسالة المعرفة ولكنها اذ تفعل ذلك اعتمادا على المفاهيم العلمية في مرحلة معينة
من تاريخ العلم ترفع إلى مستوى الحقيقة النهائية ما ليس في الواقع إلا حقيقة نسبية
أنها تحاول من وجهة أخرى اة تؤسس مشروعية المعارف العلمية في حين إن هذه المعارف
ليست في الواقع بحاجة تأسيس فلسفي لمشروعيتها ألانها هي التي تعطي بذاتها معايير
هذه المشروعية "(4)
فان باشلار يقدم هذه المشروعية كامر يرجع إلى المعرفة بذتها فانه يسقط عن فلسفة
العلوم أحدى المهام التي كانت الفلسفات التقليدية تعتبرها من مهامها الأساسية .
إذن من مهام فلسفة العلوم التي يحددها باشلار ما يلي :-
1- إبراز القيم الابستمولوجية :
من واجب فلسفة العلوم إن تبرز قيم العلم وان تعيد في كل مراحل تطور الفكر العلمي
دراسة الموضوع التقليدي حول قيمة العلم ، وهذا يعني إن القيم الابستمولوجية ليست
قيمة عامة للعلم ، بل هي مجموعة من القيم المتجددة مع تطور الفكر العلمي .
"كما تعني إن القيم الابستمولوجية قيمة للعلم . أي ليست فلسفة وانه ليس من حق
الفيلسوف إن يضفي على العمل العلمي قيما من خارجة فالعلم هو الذي يعطي بذاته قيمة
.فالقيم التي يجعل باشلار من مهمة فيلسوف العلم تحديدها وترتيبها وإبرازها قيم
تفرض ذاتها في مسيرة العلم التي تسير تبعا لنوع من ضرورة مستقلة " (5)
بالتالي أنجاز فيلسوف العلم للمهمة إبراز القيم الابستمولوجية بشرط أساسي . هو إن
يتخذ موقف اليقظة من العلم المعاصر ويظهر هذا الشرط على مستويين هما :-
المستوى الأول: يتطلب من الفيلسوف العلم إن العلم يتجاوز موقفا منهجيا سائدا في
فلسفة المعرفة ، وهو الذي يعمل عند البحث في قيمة نظرية ، وليس البحث عن أصول أو
بدايات مطلقة لهذا
النظرية ولا يهتم كما يلزم في نظر باشلار بالوقائع من حيث هي أفكار والواقع إن ما
يدفع فيلسوف العلم إلى السير تبعا لمبدأ البحث عن أصول هو المتطلبات المختلفة التي
يلزمه بالعمل ، ويرى باشلار " حين تتجاذب هذه المتطلبات المتناقضة يعتقد
فيلسوف الفكر العلمي انه يستطيع إن يكتفي بدور المؤرخ انه يريد إبراز القيم كما
يريد إن يذهب مع العلم إلى عمق الأشياء ولهذا يبحث عن الأصول ، ويرجع إلى
بدايات"(6)
إذن مهمة فيلسوف العلم هي إن يبرز القيم الابسمولوجية ولكنه لن يكون قادرا على
أنجاز هذه المهمة إلا إذا كان قادر على إن يدرك مظهر الجدة في النظريات العلمية .
فكيف ذلك العالم يبحث عن أصول أو بدايات مطلقة ؟ إن المبدأ سيعوقه عن إدراك حقيقة
النظريات العلمية من حيث انه سيبحث عن مظهره إلي يرجع إلى أصول ،ويرى في هذا
المظهر أساسا لا يمكن إذن إبراز القيم الابستمولوجية إلا بالسير في الطريق المعاكس
، لهذه المبدأ الذي طغى على فلسفة المعرفة ولا ينبغي إن ينفذ إلى عمل فيلسوف العلم
.
المستوى الثاني: وهو ضروري لا يجاز فيلسوف العلم لمهمته يبرز في إن فيلسوف العلم
الذي يعاصر فترتنا من تاريخ العلم إن ينتبه إلى مظاهر الجدة الخصوصية لها ، ومن
هنا سيدرك معنى القيم الابستمولوجية ، لأنه سيجد في خصائص العلم قيما ابستمولوجية
جديدة ينبغي إبراز دلالتها ومن هنا يمكن تستخلص خصائص جديدة للعام المعاصر وهي ما
يلي :-
1- إن الواقع في العلم المعاصر هو الواقع المبنى وليس الواقع المعطى . بمعنى إن ما
يظهر ذلك هو الدور المتزايد للإله ، حيث لم تعد الإله تدقق إدراكنا للواقع فحسب بل
أصبحت ما يجعلنا ندرك هذا الواقع الذي لا يمكن إدراكه دونما . إن العلم المعاصر
أكثر من العلم السابق أصبح علما أليا .
2- الدور الذي يلعبه الكتاب في المعرف العلمية المعاصرة : أي إن الفكر العلمي كتاب
فعال وكتاب جسور وحذر في نفس الوقت كتاب في التجربة كتاب يراد طبعة ، طبعة جديدة
متفتحة تعاد تنظيمها . أي ندرك الدور المهم الذي يلعبه الكتاب في المعرفة
الموضوعية .
3- إن العمل العلمي أصبح عملا جماعيا : وهي الخاصية التي يسميها باشلار بالخاصية
المجتمعية للعلم المعاصر . أي ليس هناك في العلم المعاصر مكان لعمل علمي ينجز بصوت
واحد في كل الاكتشافات العلمية والمعاصرة تعاون وتكامل بين عمل مجموعة من العلماء
، وهذا التعاون مستويات ، كالتعاون بين العلماء النظريين علامته انه ليس هناك وقت
الحاضر عمل علمي نظري يوقع باسم واحد ، كالتعاون بين التقنيين ، أي كل أنجاز تقني
أصبح يقتضي تعاون عدد كبير من التقنيين وأصبح يقتضي كما يقول باشلار مدينة تقنية ن
وأخيرا التعاون بين النظريين والتقنيين ، أي لا يوجد في المدينة العلمية المعاصر
عمل نظري منفصل عن العمل التقني . أي " إن المجتمعيين أي مجتمع النظريين
والمجتمع التقنية يتلامسان ويتعاونان ، هذان المجتمعان يتفاهمان وهذا التفاهم
المتبادل الصميمي والفاعل هو الحدث الفلسفي الجديد " (7)
وهذه الخصائص الثلاثة مرتبطة ارتباطا قويا إذا همنا أية واحدة منهما ، فإننا ندخل
إلى ميدان ( الطوباوية )*.
2- البحث في اثر تطور المعارف العلمية على بنية الفكر :
إن البنية العقلية ليست ثابتة ، بل بنية متطورة بفعل اثر المعارف العلمية عليها ،
هذه قيمة ابستمولوجية استخلصها باشلار من العلم المعاصر بمعنى إن فيلسوف العلم
عليه إن يبين لنا في كل مرحلة من تطور الفكر العلمي خالة المعارف العلمية مبرزا
القيم المعرفية الجديدة التي تبرز مع هذه المرحلة .
(وعليه إن يبرز الأثر الذي تحدثه المعارف العلمية على بنيتنا العارفة " لقد
دعا عدد من الفلاسفة إلى توجيه البحث الفلسفي نحو قدرتنا العارفة ، وعلى راس هولاء
( كانط ) إلا إن ما يريد باشلار حين يقول بالبحث في اثر المعارف في بنية الفكر لا
يمكن إن يوضع في نفس السياق هذه الدعوة ذلك إن ما يقصده اولئك الفلاسفة كان هو
دراسة الفكر من اجل معرفة طبيعته وحدوده ، في حين باشلار لا يجعل من مهمة فيلسوف
العلم لا البحث في طبيعة الفكر ولا يلن حدوده ، فهذه الفلسفات بالرغم من نقدها
للفلسفات الميتافيزيقية تضل بالنسبة لباشلار في نفس مجال تلك الفلسفات ، لأنها
تبقى على مفهوم الفكر الثابت بالرغم من تطور المعارف العلمية " (8)
ومن هنا يمكن القول بان باشلار يتفق مع كانط على إن العقل يتعامل مع العلم الرياضي
والعلم الطبيعي ولا يتعامل مع العلوم الميتافيزيقية ، كما يرى كانط " إن
الواقع شاهد على إن الرياضيات والفيزياء علمان مقبولان من الجميع في حين إن
الميتافيزيقيا لازالت مبحثا مشكوكا في أمره حتى إن الكثيرين لا زالوا يرفضون
التسليم بالمكان قيام مثل هذا العلم " (9)
ولكي تكون مقارنتنا دقيقة لا بد إن نقانه بفليسوف عاصره وعاصر الثورة العلمية التي
جعل منها باشلار نقطة انطلاقه مثل الفيلسوف ( برانشفيك ) * الذي يرى الفلسفة عبارة
عن تأمل للفكر في ذاته من حيث إن الفكر حين يتأمل تاريخ العلوم والفلسفة في تطورها
، فالميتافيزيقيا عند برانشفيك وفق لهذا المفهوم تتحول إلى نظرية في المعرفة وان
أهم ما يميز برانشفيك ويجعله اقرب إلى باشلار بهذا الصدد ، هو انه لا يجعل موضوع
الفلسفة الفكر من حيث طبيعته ، بل الفكر من حيث فاعليته التقليدية بعقل ثابت ولا
يتحدث عن الفكر كمعطى قبلي . أي إن الفكر عند برانشفيك يعرف بفاعليته ، فانه لا
يمكن إن ينحصر في جملة من المقولات الثابتة والقبلية ، كما عند كانط وان برانشفيك
ينطلق من اعتبار التغيرات العميقة التي أحدثتها الثورة العلمية المعاصرة على
المفاهيم التي كانت تعتبر قبلها مقولات قبلية ثابتة .
ورغم إن كتاباته كانت سابقة لباشلار ، فقد تأثره باشلار ببرانشفيك تأثير التجاوز
وليس تأثير تكرار المقولات أو عادتها .
فبرانشفيك بعيد عن القول بعقل ذي مقولات ثابتة قد تأثر بالثورة العلمية واستجاب
لها ، ولكن باشلار هو الذي ذهب في الواقع بذلك التأثر وبتلك الاستجابة إلى حدودهما
القصوى . وان برانشفيك قد تقدم فعلا بالنسبة لكانط ولكنه يقول مع ذلك بفكر يجد
ذاته في كل مرحلة من مراحل تطور ميادين إنتاجه العلمية أو الفلسفية أو غيرها .
إما باشلار فانه يتجاوز ذلك للإعلان عن فكر متطور في بنيته تطور المعرفة العلمية ،
ولكن هذا الفكر لا يتطور مع كل اكتشاف علمي جديد ، ولكنه يتطور بفعل النظريات التي
تمثل فيها ثورة علمية والتي تفرض قيما ابستمولوجية جديدة .
أي إن " برانشفيك يعين موضوع الفلسفة بصورة تجعلها تقترب من الابستمولوجية
أكثر من اقترابها من الفلسفة العامة في صورتها التقليدية فموضوع الفلسفة في نظرة
ليس الطبيعة بل الفكر ولهذا يعرف الفلسفة بأنها تأمل منهجي للفكر في ذاته "
(10)
أي ما يقصده أولئك الفلاسفة كان هو دراسة الفكر من اجل معرفة طبيعته وحدوده ، في
حين أم باشلار لا يجعل من مهمة فيلسوف العلم لا البحث في الطبيعة الفكر ولا بيان
حدوده . فهذه الفلسفات بالرغم من نقدها للفلسفات الميتافيزيقية تضل بالنسبة
لباشلار في نفس مجال تلك الفلسفات لأنها تبقى على مفهوم الفكر الثابت بالرغم من
تطور المعارف العلمية .
أي إن برانشفيك ليس أول من جعل موضوع فلسفة الفكر ويذكرنا بكانط الذي جعل السؤال
الأساسي في فلسفته يتعلق بامتحان قدرتنا العارفة ، والبحث في طبيعتها ، غير إن
التقدم الذي يحققه برانشفيك بالقياس إلى كانط من حيث نظر إليه في الاتجاه الفلسفي
الذي يسير من كانط إلى باشلار ، وهو انه يعين لفلسفة الفكر موضوعا ليس من اجل
البحث في طبيعة الفكر ، بل في فعاليته . إن الفكر يعرف عند برانشفيك بفعاليته .
حيث إن للفكر فعاليته فانه لا يمكن إن ينحصر في جملة من المقولات الثابتة والقبلية
.
" أي عدم الخضوع لرأي الفلسفات العقلانية المثالية التي تؤكدان الفكر
الإنساني بنية ثابتة وانه يواجه الواقع ، وهو حائز بصورة فطرية أو قبلية للمقولات
التي تؤهله للتفكير في هذا الواقع " (11)
وهكذا فان فيلسوف العلم حين يؤدي مهمته على هذه الصورة يجعل نفسه في تعارض مع
المهمة التقليدية للفلسفة ، أي بناء نظرية في المعرفة ، ولكنه لا يجعل نفسه في
تعارض مع العلم ، لأنه يسير في نفس اتجاه العلم ، ولأنه لا يعمل سوى على إبراز اثر
القيم الابستمولوجية في بنيتنا العارفة .
3- الدعوة إلى تحليل النفسي للمعرفة الموضوعية :
إن ما يأخذه باشلار هنا عن التحليل النفسي ن هو فرضيته العامة ، المتعلقة بوجود
حياة نفسية لا شعورية تؤثر في حياتنا النفسية الشعورية *.
كما إن المحلل النفسي يقوم بافتراض دوافع غير مشعور بها للسلوك الإنساني ، ويجعل
من هدفه اكتشاف هذه الدوافع التي قد تؤدي بالسلوك إلى الشذوذ أو المرض . أي "
شانه شان فرويد محاولا الكشف عن كل العلاقات القائمة بين المحتوى الكامن والظاهر
من الحلم والكشف عن كل الجوانب المحذوفة والوقفات بل الهواجس التي ينطوي عليها خطاب
الشخص المحلل نفسيا . " (12)
أي إن فرويد من خلال تحليله بصورة خاصة للحلم يصل إلى الرغبات اللاشعورية التي
تؤثر في سلوك الشخصية الإنسانية تأثير كبيرا دون إن يشعر بذلك .
فباشلار" يفترض لذي الباحث العلمي مكبوتات عقلية على الابستمولوجي إن يبحث في
أثرها على العمل العلمي لهذا الباحث ، كما إن المحلل النفسي يرى انه من الخطأ إن
نكتفي بالبحث في ظاهر السلوك الإنساني ، فان باشلار يرى انه من الخطأ حين ابحث في
موضوعية المعارف ، إن البحث في التجربة اة في مجرد تأكيد الواقع إن ما ينبغي
ملاحظته في نظر باشلار هو الملاحظ العلمي من اجل إن نضع إمامنا تفسيراته العقلية
المكبوتة " (13)
وبالتالي تلتقي هذه المهمة مع المهمة السابقة من حيث العلاقة بالعمل العلمي ، لانه
عمل عقلي وعملي نفسي وتختلفان في الهدف الذي تسعى كل منهما إلى الوصول إليه .ففي
المهمة السابقة فيلسوف العلم يهدف إلى بيان الأثر النفسي للثورة المعرفية ويهدف
إلى إبراز القيم الابستمولوجية من حيث هي قيم عقلية ونفسية . أي " إن على
فيلسوف العلم أم يبين لنا في كل مرحلة من تطور الفكر العلمي حالة المعارف العلمية
مبرزا القيم المعرفية الجديدة التي تبرز مع هذه المرحلة ، وان عليه أيضا إن يبرز لنا
مع ذلك الأثر الذي تحدثه المعارف العلمية على بنيتنا العارفة . " (14)
إما المهمة الأخيرة هذه ، فان على فيلسوف العلم إن يحلل عمل الباحث العلمي ليبرز
فيه جانبه الباطن وأهمية هذا التحليل تظهر من خلال أهمية الجانب الباطن وكذلك من
خلال أهمية الجانب الباطن للعمل العلمي
أي " كما إن الحياة النفسية اللاشعورية ليست مجرد جانب مختبئ من الحياة
النفسية بل هي جانب دينامي لا يستطيع دون مراعاة دينامية فهم ما يظهر لنامن الحياة
النفسية ، فان ما يريد باشلار وصولة من التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية هو بيان
الشروط الخفية ، ولكن الدينامية التي
تتحقق فيها معرفتنا والتي يتم ضمنها بناء معرفة موضوعية " (15)
ومن مظاهر التي يقترح فيها باشلار أهمية هذا التحليل كايلي :-
أ- إن فلسفة العلوم عند باشلار تقترح علينا هذه المهمة للابستمولوجيا تبدى إدارة
في الاستجابة لتحولات العلمية المعاصرة في كل الميادين العلمية سواء كان في ميدان
العلوم الرياضية أو الفيزيائية أو الكيميائية التي تريد إن تستجيب للتحولات
العلمية المعاصرة ، لكي تعمل على إن تعكس ذلك على تغيير الموقف الفلسفي من العلم ،
أو سواء كانت في ميدان العلوم الإنسانية ، التي تستجيب لهذه التحولات ، لكي تستند
إليها تحليل تطور المعرفة العلمية ، وتكشف عن بعض مظاهر الميكانيزم الذي يسير وفقا
للمعرف لكي تصل إلى الموضوعية .
ب- موقع فلسفة العلوم الباشلارية من ألازمة التي عرفتها الفلسفات المثالية
التقليدية عند قيام ثورة في العلوم الفيزيائية والعلوم الإنسانية . لان فلسفة
العلوم عند باشلار تبدي باقتراحها منهجيا تحليليا لفهم تطور الفكر العلمي .
ج- إن باشلار يقدم فعلا نتيجة لتحليل الذي يقوم به عن المفاهيم الفعالة في تحليل
تاريخ العلوم ،لأنه قادر على تحليل مظاهر من هذا التاريخ ، لا تستطيع وجهة نظر
الاستمرارية التي كانت سائد القيام بتفسيرها .
ولهذا نجد إن باشلار يدعوا إلى ضرورة القيام بتحليل ابستمولوجي يكون فيها هذا
التحليل في تكامل مع علم إنساني وهو علم النفس .لانه الابستمولوجيا يمكن إن تستفيد
في نظر باشلار من التحليل النفسي من اجل الوصول إلى أهدافها في تحليل المعرفة
العلمية .
وان باشلار ليس الفليسوف الوحيد المعاصر الذي يدعوا إلى مثل هذا التكامل . لان
هناك الفليسوف ( بياجي ) * يدعوا إلى ذلك . والذي يرى إن السؤال الأساسي بالنسبة
للابستمولوجيا لا يتعلق بطبيعتها ، بل بكيفية نموها فهو من إتباع منهج علم النفس التكويني
لدراسة تكوين المفاهيم العلمية .
أي " تحديد كيف تنمو المعارف فهذا يتضمن إن ننظر منهجيا إلى كل معرفة من
زاوية تطورها ، أي من حيث هي صيرورة لا يمكننا ابد إن نبلغ بدايتها الأولى أو
نهايتها . أي كل معرفة يمكن النظر إليها دائما ، بصورة منهجية على أنها متعلقة
بحالة سابقة لمعرفة اقل ، وعلى أنها قابلة لأنها تمثل هي ذاتها هذه الحالة السابقة
بالنسبة لمعرفة أقوى . " (16)
إذن هذا التكامل الذي يدعوا له باشلار وبياجي ينحدر في دراسة الشروط النفسية
للمعرفة ويغفلا إن التعاون مع العلوم الأخرى يجعله يكتشف شروطا ثانية لنمو المعارف
العلمية أو لتوقفها . الخلاصة : وقد رأينا إن هذه المهام تكون عناصر برنامج متقدم
بالنسبة لما كانت تتصوره الفلسفات التقليدية . إذن هذه هي المهام التي يقترحها
باشلار للابستمولوجيا بديلا عن الصورة التقليدية التي كان يتخذها الخطاب الفلسفي
حول العلم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد الوقيدي – فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار – مرجع سابق -
(2) المرجع السابق
(3) المرجع السابق
(4) إبراهيم زكريا - كانت أو الفلسفة النقدية
(5) محمد الوقيدي - فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار
(6) محمد الوقيدي – فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار
(7) محمد الوقيدي – ما هي الابستمولوجية – مرجع سابق
* الطوباوية Vtoopigne :هو اتجاه خالي من المفكرين والفلاسفة والمصلحين الدين يريدون
إصلاح المجتمع ، ولكن ليس عن طريق دراسة التطور الواقعي للمجتمع بل برامج خيالية
مستمدة من رغباتهم وأحلامهم
(8) محمد الوقيدي – فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار – مرجع سابق
(9) إبراهيم زكريا - كانت أو الفلسفة النقدية – مرجع سابق –
* برانشفيك – 1869 – 1944 : فرنسي من ابرز مفكري المثالية الجديدة ومن أهم كتبة
الفلسفية كتاب ( صيغة إصدار الحكم ) 1897 ، وكتاب ( مقدمة لدراسة حياة الذات )
1900 ، وكتاب ( مراحل الرياضة ) 1912
(10) محمد الوقيدي فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار – مرجع سابق
(11) مجمد الوقيدي – ما هي الابستمولوجية ؟ - مرجع سابق
* أي هناك رغبات وميول في اللاشعور يتم كبتها لعدم إمكانية تحقيقها ، لأنها تتعارض
مع متطلبات الحياة اليومية ، وهذه الرغبات والميول لا تتوقف عن سعيها إلى الظهور
فتتحايل على مظاهر الشعور فتمتزج بها وتظهر من خلالها .
(12)كريزويل اديث – عصر البنيوية – ترجمة جابر عصفور – ط ب ( بيروت - المؤسسة
الجامعية – 1997 )
(13) محمد الوقيدي – فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار – مرجع سابق
(14) المرجع السابق
(15) المرجع السابق
نفسي وفيلسوف ومنطقي سويسري ، استاد بجامعة جنيف واسهم بياجي بنصيب كبير من فروع
علم النفس ، وقد وضع نظرية ( تكوين العقل ) التي تعتبر العقل نسقا من العمليات ،
أي الأفعال الداخلية لذات المشتقه من أفعال الموضوعات الخارجية .
(16) المرجع السابق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق